تعيش محافظة السليمانية حالة من الترقب مما قد تفضي اليه الصراعات الدائرة بين قطبيها السياسيين حركة التغيير بزعامة نوشيروان مصطفى والاتحاد الوطني الكوردستاني بزعامة رئيس الجمهورية الغائب عن الساحة بداعي المرض جلال طالباني، على المناصب الحكومية فيها.
وبين تهديدات التغيير ومهلها واصرار الاتحاد على بقاء الامور كما هي لحين اجراء انتخابات مجالس محافظات اقليم كوردستان، يتدخل اعلى رأس في هرم السلطة في كوردستان مسعود بارزاني على الخط البياني لما يدور بتصريحات تعبر عن قلقه من تبعات هذه الصراعات على وحدة اراضي الاقليم شبه المستقل والمستقر نسبياً مقارنة بما هو جار في باقي محافظات العراق.
فقد نفى بارزانى ما تناقلته بعض وسائل الإعلام حول فك ارتباط محافظة السليمانية بالإقليم، مؤكدا أن وحدة الإقليم خط أحمر لا يمكن المس به.
ويقول بارزانى فى موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، ان وسائل الإعلام فى كوردستان تتداول منذ فترة تقولات تستهدف وحدة إقليم كوردستان، وتعريض مكاسب شعب كوردستان إلى تحديات ومخاطر تتعارض مع توجهاته القومية ومصالحه العليا.
ويصف بارزاني هذه التصريحات بانها مساع مشوهة لفك ارتباط السليمانية بالإقليم.
والسليمانية الواقعة بين خط العرض (34-36) درجة وخط الطول (45-46) درجة، والمحاطة بسلسلة من الجبال، والتي تبعد 355 كلم شمال شرق العاصمة بغداد، طالما كانت منطلقا لكل ما هو جديد وتثير الجدل.
توصف بانها المحافظة الاكثر تفاعلا مع نبض الحياة، فقد كسرت قبل سنوات رتابة الثنائية القطبية السياسية في اقليم كوردستان واولدت قطبا ثالثا غيّر الكثير من الموازين واثار اكثر من تساؤل حول مستقبل التحالفات، وهو قطب حركة التغيير التي اسسها القيادي المنشق عن الاتحاد الوطني الكوردستاني نوشيروان مصطفى.
وتهدد كتلة التغيير في مجلس محافظة السليمانية هذه الايام باجراء انتخابات داخلية في مجلس المحافظة لانتخاب محافظ جديد بدلا من المحافظ بهروز محمد صالح ، او ان تحدد حكومة الاقليم موعدا قريبا لانتخابات مجالس المحافظات.
ويأتي طلب كتلة التغيير بداعي انها الفائز الاول في انتخابات برلمان كوردستان، ومن حقها تسنم المناصب الادارية العليا في السليمانية، كما يشير دانا عبد الكريم رئيس الكتلة في مجلس محافظة السليمانية.
ويضيف عبد الكريم ان المحافظ الحالي عين عام 2009 بالوكالة بعد استقالة المحافظ السابق ومدة الوكالة يجب الا تتجاوز الستة اشهر؛ ولكنه استمر في هذا المنصب لنحو اربع سنوات.
ويقول عبد الكريم ان هذا بكل المقاييس مخالف للقوانين والاعراف، مطالبا باستقالته او باجراء الانتخابات.
ويتابع عبد الكريم ان حركة التغيير حلّت اولا بالسليمانية في دورتين انتخابيتين للبرلمان الكوردستاني؛ ولكنها لم تحصل على اي من المناصب الادارية في المحافظة كحق انتخابي لها، لافتا الى انه مادامت السلطة في الاقليم ترفض اجراء انتخابات مجالس المحافظات لذا يجب اعتماد الانتخابات البرلمانية كمعيار لتقسيم المناصب فيها.
وتباينت ردود الافعال السياسية والادارية في محافظة السليمانية حول هذا الموضوع بين مؤيد له ورافض، اذ يرى عضو مجلس المحافظة حسن محمد، عن الاتحاد الاسلامي الكوردستاني الطرف الثاني في المعارضة الكوردستانية بعد حركة التغيير التي تعد الاكبر، ان المشكلة الاساسية تكمن في تأخر اجراء انتخابات مجالس المحافظات.
ويقول محمد: ان كتلته لم تحسم امرها في مسالة تقديم المحافظ لاستقالته وانها تحرص على استتباب الامن والاستقرار في السليمانية، مفضلا تغيير المحافظ بالطرق الدستورية وعن طريق صناديق الاقتراع.
من جهته يشدد السكرتير الصحفي لمحافظ السليمانية رامان عثمان على ان المحافظ باق في منصبه لحين اجراء انتخابات مجالس المحافظات في الاقليم، مبينا ان تعيين المحافظ تم وفق القانون العراقي رقم 159 لسنة 1969 ولاينطوي على اي مخالفة قانونية او دستورية.
ويقول عثمان ان على من يشكك بهذا الموضوع اللجوء الى المحاكم العراقية للبت فيه.
وكان محافظ السليمانية بهروز محمد صالح قد عيّن عام 2009 خلفا للمحافظ المستقيل دانا احمد مجيد والذي انضم عقب استقاله الى حركة التغيير.
ويطالب مجلس المحافظة، الذي تسيطر عليه حركة التغيير، المحافظ بتقديم استقالته وفسح المجال أمام مرشح آخر من المعارضة للمنصب، الا أن بهروز محمد صالح قال في تصريحات صحفية، إن تعيينه بمنصب المحافظ جرى وفقا للقانون والإجراءات الأصولية وبقرار صادر عن رئاستي الحكومة والإقليم وهما جهتان قانونيتان.
ويضيف أنه يتطلع إلى التعاون من أجل خدمة مواطني المحافظة، وفي حال صدرت الأوامر بتعيين أي قائممقام أو مدير عام بالمحافظة فإنه مستعد لتنفيذها.
وتدخل حكومة إقليم كوردستان بدورها على خط الأزمة الحاصلة. واصدر المكتب الإعلامي لمجلس وزرائها بيانا يحذر فيه من اعادة انقسام إدارة الحكومة، وانهيار المكسب الفدرالي الذي أقر بالدستور العراقي كحق من حقوق إقليم كوردستان.
وحكمت اقليم كوردستان قبل 2005 ادارتان الاولى لاربيل بزعامة الحزب الديمقراطي الكوردستاني ورئيسه مسعود بارزاني، والثانية للسليمانية حيث نفوذ وسيطرة الاتحاد الوطني برئاسة جلال طالباني.
إلا أن الزعيمين اتفقا على توحيد الادارتين، وتكون كوردستان بزعامة مسعود بارزاني وعاصمتها اربيل.
ويذّكر بيان الحكومة الاقليمية بالانتخابات التي جرت عام 2005 حيث فازت قائمة الاتحاد الوطني بأغلبية مقاعد المجلس، وجرت تلك الانتخابات في ظل عدم وجود حركة التغيير وقتها، ولذلك فإن حديثها باسم كتلة التغيير داخل المجلس ليس له أساس قانوني، بحسب البيان.
ويحتج البيان على ما تتحجج به حركة التغيير بدعواها على نصوص قانون الانتخابات الذي شرعه الحاكم المدني السابق للعراق بول بريمر والذي أجاز للمحافظات غير المنظمة بالأقاليم بممارسة صلاحياتها بمعزل عن الحكومة المركزية.
واستدرك ان ذلك القانون استثنى إقليم كوردستان من الالتزام به على اعتباره إقليما فدراليا مستقلا، لذلك لا يحق لمجلس إدارة المحافظة بالسليمانية أن يستند على قانون غير ملزم له.
وجرى تعيين المحافظ الحالي للسليمانية لشغور المنصب، حيث تورط سلفه في قضايا معروضة على القضاء وصدرت أوامر قبض عليه.
وجرى تعيين بهروز بعد التشاور مع جميع الأطراف السياسية وصدر قرار رئاسي بذلك.
ويقول بيان حكومة كوردستان ان المحافظ بهروز شارك بـ”الكثير” من اجتماعات المجلس من دون أي مشكلة إلى ما بعد إجراء الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي لا يمكن اعتماد نتائجها أساسا لأن ذلك يتعارض مع كل الأعراف القانونية.
ويبقى الترقب والقلق يسودان الشارع الكوردستاني ومعه العراقي، حيث يرى الجميع هذه البقعة متنفساً يتمنون باستمرار استقراره، ليكون منطلقا لاعادة الامان والاعمار الى بلد يعاني من الصراعات السياسية التي تسهل للتنظيمات المسلحة فسحة للعبث بحياة الناس ومقدراتهم.