صاحب الامتياز
رئيس التحرير
عبدالرضا الحميد

طاهر توفيق العاني يغالط التاريخ ويبرئ نفسه من مجزرة قاعة الخلد القسم الثاني كيف تحول صدام الى ديكتاتور لا يسمع الا المداحين والمنافقين؟

بطانة صدام وحاشيته المقربة اوصلت العراق الى الفجيعة الحالية

 

 

 

في 22 تموزالماضي مرت الذكرى السنوية لما يعرف بـ “مجزرة قاعة الخلد”، التي دشنت حقبة انفراد صدام حسين بقيادة العراق بعد انقلابه على أحمد حسن البكر عام 1979.

بهذه المناسبة كشف طاهر توفيق العاني، عضو القيادة القطرية لحزب البعث وعضو مجلس قيادة الثورة في العراق سابقا الأجواء التي مهدت ورافقت لهذا الحدث المفصلي في حياة العراق.

ونقدم للقراء جزءا من هذا الكشف مع تنويهنا بان العاني حاول تبرئة نفسه من الشراكة في جريمة اعدام رفاقه، بل كان هو رأس الاتهام الذي وجه لهم كما قال صدام ان العاني اخبره بان ثمة نقطة سوداء في جبين محمد عايش وجماعته، وان هذه الملاحظة هي التي قادت الى الجريمة. (المحرر)

توجهنا من اجتماع القيادة  القطرية إلى قاعة “الخلد” لحضور الاجتماع الموسع لقيادات الحزب الذي دعي “مؤتمر”. وهناك تحدث محيي الشمري عضو القيادة القطرية، زاعما وجود مؤامرة لها علاقة بسوريا. وفي ذلك الاجتماع، دفعت الاستخبارات صلاح السمرمد سفير العراق في إيران ليقول إنه رفع تقريرا حول المؤامرة، وإن “الرفيق طاهر العاني مسؤول تنظيم بغداد حجبه ولم يرفعه إلى القيادة”، فتدخل صدام على الفور مدافعا عني وأسكته. وفي حينه، قلت إنني رفعت تقريره إلى أمانه سر القطر، وإن التقرير يتعلق بموضوع نقله من سفارة العراق في طهران إلى مقر وزارة الخارجية في بغداد ولم يكن له علاقة بأي موضوع آخر. فأيد علي حسن المجيد مدير مكتب أمانة سر القطر أقوالي.

وعند محاكمة أعضاء القيادة في ما سمي في حينه “مؤامرة 1979″، توزع أعضاء القيادة القطرية ومجلس قيادة الثورة بين عضوية المحكمة، التي كانت برئاسة عزت الدوري ثم نعيم حداد، وعضوية لجنة التحقيق برئاسة طه ياسين رمضان باستثنائي؛ إذ لم أشترك في أي منهما. وكنت قبل الحادث غير راض عن سلوكية محمد عايش ومحيي الشمري وغانم عبد الجليل بسبب جلسات الشراب الليلية، التي كانوا يعقدونها في بيت محمد عايش مع عدد من الكوادر المتقدمة، ومن بينهم أعضاء قيادة فرع بغداد، الذي أتولى مسؤوليته، وكانت تنتهي إلى مسامعي هذه الأخبار ممن كان يحضر هذه الجلسات.

مع أنني لم أسمع بما يشي بالتآمر، فإنني كنت أعتقد أن مثل هذه الاجتماعات لا تتلاءم مع السلوك المنضبط، وخصوصا أنهم ليسوا على مستوى تنظيمي واحد. لذلك طلبت من محمد عايش إيقاف الدعوة إلى هذه اللقاءات. لكنه لم يشأ الاستجابة لكلامي. وكان من بين المشاركين في هذه اللقاءات أصدقاء لي، سمعت أن محمد عايش يعطيهم مبالغ عن طريق محيي الشمري أمين السر العام لمجلس قيادة الثورة. لذلك اتصلت هاتفيا بمحمد عايش وتكلمت معه بقسوة قائلا: إن ما يجري هو تخريب وإننا إذ نركز على البناء الأخلاقي والقيمي ، فإن هذه السلوكية تؤدي إلى تدهور السلوك إلى أسفل سافلين.

وكان صدام مولعا بالنشاطات الأمنية والاستخبارية، وكان يعين على رئاستها أقرب الناس إليه، ولم ينج من رقابة هذه الأجهزة حتى المسؤولون في الحزب والدولة. ولقد أخبرني أحد المديرين العامين في جهاز الاستخبارات في معتقل “كروبر” الأمريكي في مطار بغداد أن هواتفنا وهواتف بقية أعضاء القيادة والوزراء والمسؤولين تحت تنصتهم، قبل الاحتلال، وأنهم كانوا يسجلون مكالمات المسؤولين ويرفعون الخلاصات إلى سكرتير رئيس الجمهورية. أما أعضاء القيادة، الذين أعدموا عام 1979، فكانوا تحت رقابة أشخاص عينهم صدام ويرتبطون به شخصيا؛ حتى أنه قال لي عام 1979 أثناء مجلس الفاتحة لوفاة أخته (زوجة غالب المحمود) إن “الجماعة (يقصد غانم عبد الجليل ومحمد عايش ومحيي الشمري) إذا لم يصيروا “أوادم” فإننا سنرميهم خارج الحزب مستخدمين خرقة قماش حتى لا نوسخ أيدينا” (كناية عن قذارتهم)، مع أن غانم كان مديرا  لمكتبه فترة غير قصيرة، وأنه لا يوجد لدي شيء ضدهم سوى انتقادي لهم لمجالس الشراب التي يلتئمون فيها مع كوادر الحزب، وكنت آنذاك مسؤولا لتنظيمات بغداد.

ذكرت أن الخلافات بين البكر وصدام كانت ظاهرة منذ الأيام الأولى للثورة وحتى قبلها بسبب اختلاف التربية والثقافة والعقلية ونمط التفكير. بيد أن منزلة البكر وسنه وحكمته كانت تغطي على ذلك. فصدام غالبا ما كان يتحدث عن التمسك بمبادئ الحزب وضوابط الحياة الداخلية للحزب والعلاقات الرفاقية وممارسة التقاليد النضالية. ويرى أن القيادات الإدارية والعسكرية من أصحاب المناصب والرتب العالية من البعثيين أقل وعيا وإخلاصا واستيعابا لفكر الحزب، وأنهم مصدر تهديد للحزب والثورة؛ لذلك كان يسعى للتخلص منهم. في حين أن البكر على العكس من ذلك كان شديد التشبث بهذه القيادات الإدارية والعسكرية والأمنية ذات الممارسة والخبرة في إدارة الدولة والقوات المسلحة والمحافظة على الأمن الداخلي. وعلى سبيل المثال، فقد كان صدام يسعى للتخلص من مهدي الرفاعي مدير أمن بغداد وعبد محمد صالح مدير شرطة بغداد، بينما كان البكر يحول دون ذلك لأنهما سهَّلا تحرك الحزب ليلة 17 تموز 1968. وينطبق هذا الأمر على كل الحزبيين من المدنيين والعسكريين: كالفريق صالح مهدي عماش عضو القيادتين القومية والقطرية ونائب رئيس الجمهورية والفريق حردان التكريتي نائب رئيس الجمهورية ويحيى ياسين رئيس ديوان رئاسة الجمهورية والعميد شفيق الدراجي أمين سر مجلس قيادة الثورة وغيرهم.

وفي عام 1989، زار صدام مدينة الموصل، وكنت محافظا لها وكانت الحرب مع إيران قد انتهت منذ فترة ليست طويلة، وجماهير شعبنا تنتظر حياة جديدة تنتشلها من ويلات الحرب وخسائرها البشرية والمادية؛ فكانت تأمل الكثير من قيادة البلد. وفي هذه الزيارة، قال الرئيس صدام اطلبوا ما شئتم من مشروعات. لأنه سيكون لنا بعد فترة قصيرة برلمان يضع لنا ضوابط تصرف وحركة الدولة، وسياقات صارمة تمنع العمل بالصيغ الاستثنائية، وتنهي الحالة التي فرضتها ظروف الحرب. حتى انه خلع نطاقه العسكري ومسدسه ورمى بهما على أريكة قريبه، قائلا: ألا تكفي خمس وعشرون سنة ونحن على هذه الحالة.

لكن المؤسف أن بعض أعضاء مجلس قيادة الثورة أخذوا يتباكون على التفريط بمجلس قيادة الثورة معتبرين إياه رمزا للثورة. الأمر الذي دفع صدام إلى ترك الموضوع ولم تنته الأوضاع الاستثنائية. واستمر المجلس بعد أن كانت عدة لجان قد درسته من عدة جوانب، وأعدت مقترحات للعودة إلى الوضع الطبيعي.

ومن المفارقات أن احتجاجات جماهيرية وقعت في الأردن في تلك الفترة اتسمت بالعنف، سقط فيها قتلى وجرحى. فبادر صدام إلى زيارة عمان ومعه مئة مليون دولار منحة مالية للمملكة الأردنية، وقدم نصيحة للملك حسين تتمثل في التحول الديمقراطي السريع، وانتخاب برلمان يتولى تشكيل حكومة تتحمل المسؤولية أمام الشعب؛ وقد عمل الملك حسين بتلك النصيحة. 

وهنا يصح القول بحق صدام “طبيب يداوي الناس وهو عليل”، وعلته البطانة الجاهلة وغير المخلصة وغير النزيهة التي كانت حوله – ابتداءً من اللجنة الخماسية إلى سكرتيره وبقية الحاشية والمرافقين، الذين كانوا ينتظرون ما يفكر به ليتبنوه ويقولونه أمامه وهو بنرجسيته وثقته الزائدة بنفسه كان يرحب بذلك، ولم يستمع إلى نصائح مستشاريه المخلصين وبعض وزرائه وكبار عسكريي الجيش، وكانت فردية القرار هي السر وراء الانهيار المريع للعراق والنهاية المأسوية لما يسمى حكم الحزب والحزب منه براء.

وكان قبل أن يصبح رئيسا ينتقد كل ظاهره سلبية ويضع كل تقصير على عاتق الدولة ويتناغم مع كل من ينتقد او يشكو بعد الثورة، إلى أن ترأس الدولة. عندها، بدأت تظهر عليه بوادر الفردية حتى أصبح على ما يعرفه الناس عنه. ذلك أنه لم يعد يسمع إلا المداحين والنفعيين والمنافقين.(يتبع في عدد مقبل)

Facebook
Twitter