بغداد- ارنستو لوندونو
أقر المفتش العام في وزارة الداخلية بان اجهزة الكشف التي تستخدمها الشرطة كاحد خطوطها الدفاعية في معركتها ضد المتفجرات عديمة الفائدة. ولم تكن هذه الانباء مفاجئة، لكن في ظل الاجواء التي تشهدها البلاد حاليا فان هذا الاعلان يمكنه ان يكون قنبلة سياسية. ورد الوزارة على استنتاج المفتش العام يدلل على كثير مما تقوم به الحكومة هذه الايام وعلى ما لا تقوم به في اغلب الاحيان.
ولسنوات عديدة قال المسؤولون الاميركيون ان هذه الاجهزة مجرد غش. وفي هذه السنة قامت الحكومة البريطانية بسجن مُصنّع اجهزةADE-651 بتهمة الغش ومنعت الشركة من تصدير المزيد منها. ومع تصاعد البراهين المنتقدة لاستخدام هذه الاجهزة، فان مسؤولين عراقيين كبار منهم وزير الداخلية جواد البولاني قالوا ان المنتقدين غير ملمين (بالقضية). وابقى المسؤولون هذه الاجهزة، التي يفترض انها تكشف المتفجرات المخبأة في العربات، وحثوا الشرطة على تفتيش السيارات يدويا، ما انقذ عددا لاحصر له من الارواح. وعند مواجهتهم بما توصل اليه المفتش العام لم يسحب مسؤولو وزارة الداخلية الاجهزة من مئات نقاط التفتيش التي تربك المرور في بغداد ومدن عراقية أخرى. وبدلاً من ذلك، وضعوا تقرير (المفتش العام) على الرف ووفروا بشكل هادئ حصانة للمسؤول الذي وقع عقدا لشرائها بكلفة 85 مليون دولار اميركي من دون اجراء مناقصة.
والاشارة الوحيدة لهذا التحقيق جاءت في تعريف صغير قدمه المفتش العام الاميركي الخاص باعادة البناء في العراق في تقرير قدمه الى الكونغرس الاسبوع الماضي. وقال التقرير المقدم للكونغرس ان “المفتش العام لوزارة الداخلية عقيل الطريحي يذكر ان العديد من الارواح قد فقد بسبب عدم كفاءة الأجهزة بشكل كامل”.
لكن هذه الاجهزة لازالت باقية في كل مكان في العراق. ويقول الشرطي محمد شاكر انه لم يتفاجأ لسماعه ان عصي التفتيش كانت مجرد خدعة. ويقول “كلنا عرفنا انها فاشلة. انها لا تفعل شيئا، انها عرض مسرحي للجمهور”. ولم يرد عقيل الطريحي ومسؤولو وزارة الداخلية الباقين على طلبات الادلاء بتعليقات، وكذلك فعل علي الدباغ الناطق بلسان الحكومة عندما لم يرد على المكالمات الهاتفية العديدة.
وكان الخلاف قد بدأ اولا عام 2007 عندما طلبت وزارة الداخلية العراقية التي تشرف على الشرطة من شركة ATSC البريطانية تزويدها بالاجهزة. وابدى الاميركيون حذرهم من هذه الاجهزة التي لها لامس (اريل) يميل الى الجانب عند وجود متفجرات، والتي اكتشفت الكثير من البلدان انها خدعة. لكن الوزارة مضت بطلبها، دافعة بحدود 60 الف دولار لكل جهاز.
ويقول المصنع ان الجهاز شغّال. وتوضح الشركة المصنعة على موقعها عمل الجهاز بالقول ان “الطريقة البسيطة لتوضيح هذه التقنية هي أن تأْخذ بالونا (نفاخة) وتفركه على شعرك، وان أي شحنة كهربائية ثابتة تتولد تجعل البالون يجذبها نحو الحائط أَو اي سطح مستو آخر”.
وقد اعتبر خبراء المتفجرات العسكريون الأميركيون ان ذلك مضحكا. ومن جراء قلقهم بشأن تأثير الاعتماد على الجهاز في تدمير جهدهم في العثور على القنابل التي تفتك بهم وبالعراقيين فقد حاول الضباط الاميركيون اقناع نظرائهم من العراقيين بالكف عن استخدامها. وفي أحدى المحاولات سأل فريق من الضباط الأميركيين في 2008 الجنود العراقيين الذين تدربوا على استعمال أجهزة الكشف عن المتفجرات لبيان ان كان يمكن للادوات اَن تحدد أَية عربة من العربات الاميركية الواقفة تحتوي على مادة الديناميت.
ومال اللامس (الاريل) نحو عربتين لم تكن فيهما متفجرات وفقا للمسؤول الاميركي الذي شارك بالاختبار. ويقول الضابط طوال وقت التجربة كان مساعده الاميركي يخفي قضيبا من السي فور C4تحت بدلته العسكرية، وان الامر مثل مونتي بايثون (مجموعة كوميدية بريطانية انشأت السيرك الطائر). وفي كانون الثاني، اعتقلت السلطات البريطانية رئيس أي تي إس سي جي ماكورماك، بتهمة الإحتيال في تقديم الايضاحات. ولم يرد مسؤولو الشركة على رسائل البريد الإلكتروني حول تحقيقات المفتش العام العراقي.
وعندما انتشرت أخبار توقيف رئيس الشركة، أقسم مسؤولون عراقيون بانهم سيبدأون التحقيق بالموضوع، ومنهم لجنة الامن في البرلمان التي قال اعضاؤها انهم سيتحققون حول من الذي انشأ الطلب ومن منحه الصلاحيات ومعرفة ان كانت هناك رشاوى. وفي 2009، مارس البرلمان قليلا من الإشراف على الوكالات الأمنية للدولة، لكنه كان خاملا تقريبا لسنة لأن النواب انهمكوا في مفاوضات تشكيل حكومة.
ووقف وزير الداخلية وقفته واخبر قناة العراقية الحكومية في كانون الثاني ان عصي التفتيش كشفت اكثر من 16 ألف قنبلة. وحتى الان لم تفصح الحكومة عن الشخص الذي اجاز الطلبات. وفي ذلك الوقت قام مسؤولو وزارة الداخلية باجراء كشف موقعي حول عمل عصي الكشف. وقال ملازم اول شرطة يقف بالقرب من نقطة تفتيش يستعمل رجاله فيها اجهزة الكشف قريبا من الحي الذي تقع فيه الكنيسة التي تعرضت لهجوم “لقد قلنا لهم انها تعمل بصورة حسنة، فذلك ما ارادوا سماعه. انهم يريدون اعطاء المواطنين انطباعا بان قوات الامن لاخطأ فيها”.
وذلك الموقف يغيظ العديد من الضباط الأميركيين الذين قاتلوا في العراق. اذ يقول المقدم دنيس يايتس وهو من الذين انتقدوا هذه الاجهزة “اجد انه من الصعب والاصعب اكتشاف اية مزحة هذه، فهذه القطعة من الزبالة عملت وساهمت بشكل ملحوظ ومثير للشفقة في احيان كثرة في خسارة ارواح بريئة. ويجب ان يتعفن الشخص الذي اشتراها في السجون الرديئة التي تنتشر في بغداد”.
ترجمة عبد علي سلمان
عن الواشنطن بوست