صاحب الامتياز
رئيس التحرير
عبدالرضا الحميد

صفقة مريبة تبرئ الجبوري من الفساد وتضع العبيدي في دائرة الاتهام محاكمة الجبوري سيناريو بلا حبكة يسقط مصداقية واستقلالية القضاء العراقي

 

تسريب جلسة الاستجواب السرية خرق امني يوجب محاسبة المسربين

 

 

 

لم تستغرق الفترة بين رفع الحصانة عن رئيس البرلمان سليم الجبوري وإصدار قرار براءته أكثر من ساعتين. إذ أكد القضاء أنّ الادلة التي قدمها وزير الدفاع للجبوري “غير كافية”.

وبعد أن قدّم طلباً لرفع الحصانة عنه قبيل مثوله أمام القضاء الذي أفرج عنه، عاد الجبوري إلى منصبه مرة أُخرى ضمن “صفقة” عقدها مع كتلته (اتحاد القوى) مقابل تغييرات تطول حكومتي الانبار ونينوى المحسوبتين على الحزب الإسلامي، بحسب بعض التسريبات.

وسرّبت، بعض المواقع الالكترونية عددا من التسجيلات الصوتية، التي تبدو أنها جزء من “الأدلة” التي قدمها وزير الدفاع الى “القضاء” لدعم موقفه من الاتهامات التي فجرها خلال جلسة استجوابه.

وقال القاضي عبد الستار بيرقدار، المتحدث باسم السلطة القضائية، إن “الهيئة القضائية التحقيقية المكلفة في ما ورد بأقوال وزير الدفاع خالد العبيدي بالاتهامات التي وجهها خلال جلسة استجوابه قررت الإفراج عن رئيس مجلس النواب سليم الجبوري لعدم كفاية الأدلة”.

وكان الجبوري  قد حضر، الثلاثاء أمام الهيئة التحقيقية المكلفة بالتحقيق في ما ورد من اتهامات على لسان وزير الدفاع، بعد أقل من ساعتين على رفع الحصانة عن رئيس البرلمان.

وصوّت البرلمان في بداية جلسة الثلاثاء على رفع الحصانة البرلمانية عن رئيسه بناء على طلبه. وتوجه الجبوري الى القضاء مباشرة، ليصدر قرار “البراءة” في الساعة 2.30 ظهراً.

كما صوّت البرلمان على رفع الحصانة عن النائبين محمد الكربولي وطالب المعماري. والثلاثة وردت أسماؤهم في اتهامات وزير الدفاع.

وعن طلبه برفع الحصانه، قال الجبوري أمام البرلمان أمس، ان “هذا الاجراء جاء رغبة في اتمام التحقيقات المتعلقة بجملة من الاتهامات التي أُطلقت بحقه وعدد من النواب ..”.

وأكد رئيس البرلمان، في بيان تلاه إثر رفع الحصانة عنه، أنه سيثبت براءته للشعب العراقي، مؤكدا بالقول “سوف أتحدث بصراحة تامة…وسوف تنكشف الحقائق قريباً ويتبين للجميع أننا كنا حافظين للأمانة التي أقسمنا بها في عملنا النيابي”.

وتراجع موقف “اتحاد القوى” مؤخراً، من استبدال الجبوري بمرشح آخر عن الكتلة. واعتبر مصدر سياسي مطّلع في الكتلة ان “تبدل نبرة أُسامة النجيفي حول رئيس البرلمان وراءها صفقة سياسية”.

وأضاف المصدر، ان “اتحاد القوى اتفق على دعم الجبوري مقابل ان يرفع الأخير دعمه عن محافظَي نينوى والأنبار، تمهيداً لتغييرهما”.

وينتمي محافظ الانبار صهيب الراوي الى “الحزب الإسلامي” الذي يشغل فيه سليم الجبوري منصب نائب الأمين العام. وكان الراوي قد عاد مؤخرا الى منصبه بقرار من المحكمة الإدارية رغم تصويت مجلس الانبار على إقالته الشهر الماضي.

بالمقابل يعرقل ثلاثة أعضاء في مجلس محافظة نينوى، تابعين الى الحزب الاسلامي، من اصل 39 عضوا، استجواب المحافظ نوفل العاكوب، أو إقالته.

واعتبر المصدر، وهو نائب بارز في كتلة تحالف القوى، ان “تصريحات النجيفي الاخيرة عن ترك الخلاف بين الجبوري والعبيدي الى القضاء، كان ضمن اتفاق التهدئة بين الطرفين”.

ومؤخرا، قال زعيم ائتلاف متحدون أُسامة النجيفي، في حوار صحفي، انه بحث أمر رئيس البرلمان خلال اجتماع حضره الاخير: “اتفقنا على تعليق قضية إقالة أو استقالة الجبوري بانتظار ما يقرره القضاء”.

إلى ذلك اعتبر النائب عن اتحاد القوى عبدالرحمن اللويزي ان “عدم كفاية التهم الموجهة الى الجبوري تضعف موقف وزير الدفاع”.

وأكد اللويزي، ان كل الكتل السياسية باستثناء جناج النجيفي، الذي يقول بانه ممثل بنائب واحد فقط، “ضد ما فعله العبيدي في البرلمان”.

وعزا النائب عن الموصل تأجيل البت باستجواب وزير الدفاع الى “انتظار ما ستنتج عنه التحقيقات في القضاء، التي قد تؤثر على قناعات النواب”.

ولفت اللويزي الى ان “بعض الكتل السياسية مازالت واقعة تحت تأثير الشارع الذي تعاطف مع كلام وزير الدفاع من خلال ماكنته الاعلامية”.

وقدم آرام الشيخ محمد، نائب رئيس مجلس النواب ورئيس الجلسة، مقترحين بشأن التصويت على اجوبة وزير الدفاع خالد العبيدي خلال جلسة استجوابه.

وكان المقترح الاول يتضمن “التصويت على قناعة او عدم قناعة بأجوبة الوزير وسحب الثقة منه”. فيما كان المقترح الآخر ينص على “تأجيل التصويت لحين استكمال التحقيقات بخصوص ادعاءات الوزير اثناء استجوابه”.

بدوره قلل النائب اللويزي من قيمة التسجيلات الصوتية التي قدمها العبيدي الى اللجان التحقيقية التي تسرب جزء كبير منها الى المواقع الإلكترونية. وأكد “انها جلسات اعتيادية، وكان الوزير مرتاحا في كلامه ولم يتوجس من المتحدثين معه في التسجيلات باعتبارهم فاسدين، كما جاء في اتهاماته في مجلس النواب”.

وعن مصير رئيس البرلمان بعد إسقاط التهم عنه، قال اللويزي ان “الحصانة ستعود تلقائيا الى رئيس البرلمان بعد ان يكتسب القرار القضائي الدرجة القطعية”، مؤكدا ان “الامر لايحتاج الى تصويت من النواب”.

عودة الحصانة النيابيّة

ولفت النائب عن الموصل الى أن “النائب لا يمكنه ان يمثل أمام القضاء وتدوين افادته دون رفع الحصانة بالتصويت خلال فترة عمل البرلمان، او بموافقة رئيس البرلمان خلال العطل التشريعية”. وبين ان “النائب يمكن ان يقف امام المحكمة او اي جهة تحقيقية مشتكياً او شاهداً دون الحاجة الى رفع الحصانة”.

من جانب آخر قال النائب محمد كون، عضو لجنة النزاهة البرلمانية، التي استمعت للجبوري مرتين، ان “لجنة النزاهة لاتتدخل في قرارات السلطة القضائية، وبأنها تحترم الفصل بين السلطات”.

وأضاف محمد كون، في اتصال مع (المدى) أمس، ان “سرعة إصدار أمر براءة لرئيس البرلمان يعود لتقديرات المحكمة التي نظرت بالقضية”، لكنه لفت الى ان “للمتضرر اللجوء الى القضاء. والقرار الاخير يمكن تمييزه من أي طرف”.

ويرجح كون ان “يكون العبيدي قد قدم الى القضاء التسجيلات الصوتية نفسها التي تسرب بعضها منها”، نافياً ان أيكون وزير الدفاع قد قدم أدلة اخرى.

و بعد ان بثت “الجلسة السرية” لاستجواب وزير الدفاع خالد العبيدي، التي جرت العام الماضي من قبل النائبة حنان الفتلاوي، تبين ان الاسئلة التي وجهت له، في هذا الاستجواب، وفي الاستجواب الاخير الذي جرى قبل ايام من قبل النائبة عالية نصيف، تتعلق بامور قبل توليه الوزارة.

إذ كشت جلسة استجواب العبيدي من قبل الفتلاوي، ان الاسئلة التي طرحتها تتعلق بفترة كان رئيس الحكومة السابقة نوري المالكي، هو من يدير وزارتي الدفاع والداخلية، مع وجود وكلاء وزارة، وجميعها اجاب عنها العبيدي بصورة دبلوماسية ومقنعة لمجلس النواب، حيث صوت على اقتناعه بالاجوبة ولم تسحب الثقة عنه.

هذا السيناريو تكرر من قبل النائبة عالية نصيف في الاول من اب الجاري، حيث طرحت ايضا اسئلة تتعلق بالفترة التي سبقت تولي العبيدي الوزارة، اما مضمون الاسئلة، فكانت الفتلاوي ادق و”اقوى” من نصيف.

استجوابان بفترة قياسية لذات الوزير، وبحسب المعطيات، فان نصيف والفتلاوي، كانتا من الموالين للمالكي، وما زالت هناك علاقات “خفية” تجمع بينهم، رغم الانشقاقات التي جرت، ما يطرح اسئلة عدة حول مدى ارتباط المالكي بـ”تسقيط” العبيدي والتركيز على ملفات وزارة الدفاع دون الوزارات الاخرى، خاصة وانه، كما ذكر، اسئلة الاستجواب لم تكن ضمن فترة عمل العبيدي في الوزارة، ما يشير الى “اتفاق” سياسي ليس اكثر، لعدم وجود أي أدلة وحجج على “فساد” العبيدي “بشخصه”.

وبهذا السياق، اعلن العبيدي عقب استجوابه في المجلس، في حوار تلفزيوني مع قناة العراقية “من الأولى بالاستجواب، الذي حرر 70 من الاراضي العراقية من سيطرة داعش، أم الذي سلم ثلث العراق لداعش، ويجلس معزز مكرم”.

سؤال طرحه العبيدي في الاعلام، بعد ان تمت عمليات التحرير في عهده، واستعادة القوات الامنية والحشد الشعبي لمعظم الاراضي من سطيرة داعش، التي سقطت خلال تولي المالكي للحكومة والوزارات الامنية، هل سيجيب البرلمان على هذا السؤال؟. 

من جهته اعلن وزير الدفاع خالد العبيدي، عن عزمه على مقاضاة من سرب جلسة استجوابه من قبل النائبة حنان الفتلاوي التي كانت “سرية” لما تحويه من معلومات عسكرية، عادا الامر “المساس” بهيبة المؤسسة العسكرية وتعريض حياة الجنود للخطر.

وقال المكتب الاعلامي للعبيدي في بيان صحفي “بثت احدى القنوات الفضائية اليوم (5 آب 2016)، وقائع الجلسة السرية لمجلس النواب التي عقدت بتاريخ (3 تشرين الاول 2015) لاستجواب الدكتور خالد العبيدي وزير الدفاع”.

واضاف “وبرغم إن رئيس اللجنة القانونية في حينها القاضي محمود الحسن، قد أعلن ان الجلسة سرية ولايجوز إطلاقا عرضها أمام الجمهور لمنع تسرب المعلومات الواردة فيها الى الارهابيين، لاسيما وان ماذكر فيها هي وقائع عسكرية تمس صميم سلاح ومعدات وهيكلية وإدارة الجيش العراقي، إلا أن تسريبها لوسائل الإعلام في هذا الوقت بالذات يثير أكثر من علامة استفهام عن مغزى وتوقيت التسريب والمسؤول عنه”.

وبين “بل وهو يثبت ماذهبنا إليه من وجود أيادٍ تسعى الى تدمير المؤسسة العسكرية وإلحاق الضرر بها (ما أستطاعت إليه سبيلا)، لذلك فإننا لن نتنازل عن حق المؤسسة العسكرية القانوني في مقاضاة ومحاسبة من أمر في تسريبها الى وسائل الإعلام”.

وتابع “كما نؤكد، إننا ولغرض قطع الطريق على بعض الأطراف المشخصة لدينا ممن ارتضى لنفسه العمل والسعي الى إضعاف المؤسسة العسكرية والنيل من هيبتها وهيبة قوادها وآمريها وضباطها ومراتبها وجنودها، فقد قررنا أن نعيد الإجابة على كل الأسئلة التي وردت بالإستجواب وعرضها في الوقت المناسب أمام الشعب العراقي (عدا مايمس بأسرار جيشنا ويهدد حياتهم)، ليعرف الجميع مدى الإجحاف الذي لحق بنا من رئيس الجلسة حينها الذي منعنا من الإسترسال في مواجهة الحجة بالحجة والسؤال بالإجابة الشافية، ولتوضيح اللبس والإبتزاز الذي سبق تلك الجلسة”.

ولفت الى ان “هدفنا من هذا الإجراء هو لصد كل من يحاول المس بسمعة المؤسسة العسكرية العراقية، والنيل من معنوياتها والتأثير على قدرتها في تحرير كامل أرض العراق وفي مقدمتها مدينة الموصل الحبيبة التي ما أن إنطلقت أولى صفحاتها، حتى بدأت المحاولات تترى لإشغالنا عن واجباتنا الوطنية في توفير المستلزمات المادية والمعنوية الملائمة لتحقيق النصر”.

Facebook
Twitter