صديقي يشبه المتنبي علي السوداني

عندي ألف صديق وصديقة، لكنّ واحداً منهم لا شبيهَ له وهو من الصنف الذي ينبثق قدّامك وقتَ الضيق، ويموسق على مسمعك أنْ شبّيك لبّيكَ صاحبك المخلص بين يديك. أُحبّه لأنه يشبهني حدّ انطباق الشيء على تمامهِ. هو ليس أقرب إليَّ من حبل الوريد، بل إننا بوريدٍ واحدٍ من المنبع حتى المصبّ. يأكل ويشرب ما أأكلُ وأشرب.

أتشاطرُ عليه أحايين وأنطّ صوب الحانةِ وأنتبذُ منها كرسياً موحشاً، وقبل أن تشاكسَ شفتاي شفاهَ الكأس الأولى، أسمع ترنيمته التي تشبه ترنيمتي، فنرنَّ الكأس بالكأس ونكرعها بصحة أُمّنا العليلة بغداد.

يشمُّ رائحة حزني فيصيح بي أن لا تحزنْ يا شقيق الروح لأنني معك. مرةً حلق شرطيٌّ غليظٌ لحيتي الأزلية، فبكيت بكاءً شديداً لم يوقفهُ سوى صاحبي الذي جاءني حالقاً لحيتهُ مثلي. ساعة ننزل إلى الشارع فإنّ الناس تنظر إلينا كما لو أنها تنظر واحداً لا يثنّى، من ربطة قيطان القندرة حتى عدد شيبات الرأس واللحية والصدر. محاولاته الشحيحة في فراقي، تشبه مجاهداتي البائسة في فراقه.

قبل سنة، نسيَ حراس خزنة المدينة العظيمة إغلاق بابها. فكّرتُ بسرقة كمشة دسمة من دنانيرها وذهبها، وحيث انزرعتُ على فم الخزنة المفتوح، وجدتُ سميّي وشبيهي نابتاً بنفس العتبة. تبادَلْنا نظرات العتب والزعل، وعدنا إلى الدار نحمل فوق ظهرنا قوة الشرف. لم أغضب منه يومَ سرقَ قصتي، ولم يغضب منّي ليلة سرقتُ قصتهُ. أُناجيه فيناجيني وأدغدغهُ فيدغدغني. ألحبُّ بالحبّ والحرف بالحرف. هو يذهب إلى نفس البيوت التي أُريح فيها ركابي وراحلتي، فتحتفي به الناسُ بمثل ما تحتفي بي. يكره ما أكره ويعشق ما أعشق. لا فرقَ بيني وبينه حتى بالتقوى.

أتمصّر وأتصابى وأتشبّب وأدندنُ بسرّي تلك الحليمية الشامية الطيبة المعسّلة الشفيفة مثل أول قبلة، فيردُّ عليَّ بمثلها: ويا ريت الّلي كتير وصفوكِ/ كانوا ياخدوا عينيَّ يشوفوكِ. كانوا بقلوبهم حبّوكِ/ زيِّ ما حبّيتك أنا وقلبي. قدّكَ الميّاس يا عمري/ أيقظَ الإحساس في صدري. أنتَ أحلى الناس في نظري/ جلَّ من سوّاك يا عمري.

 

Facebook
Twitter