صدام ورفاقه: سيرة خوف وموت — الحلقة الخامسةجمال عبدالناصر لوزير عراقي: الواد صدام، إحنا عارفينو، ده طايش، وبلطجي

كيف تحول عبدالكريم نصرت من قائد وطني الى جاسوس صهيوني؟

 

 

صالح مهدي عماش ولد في بغداد عام ١٩١٤ وعاش في الأعظمية ,دخل الكلية العسكرية ليتخرج منها ضابطا. انخرط في صفوف حزب البعث وبالتنسيق مع أحمد حسن البكر، ساهم في الأعداد لانقلاب عام ١٩٦٣ وتولى حقيبة وزارة الدفاع، وبعد انقلاب عارف على البعث اختير عضوا في القيادة السرية للبعث، وكان له دور في ألتهيئة لانقلاب عام ١٩٦٨.
وبعد الأنقلاب عين عماش بمنصب نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية برتبة فريق ركن.وكما عرضنا في حلقات سابقة كان عماش هو الأحق بمنصب نائب رئيس مجلس قيادة الثورة لكن البكر قام بتلك المناورة التي رواها صلاح عمر العلي وذلك باتهام عماش بالتامر ليتم تمرير ترشيح وأنتخاب قريبه صدام حسين لذلك المنصب.
وكما ذكر جواد هاشم في كتابه ” مذكرات وزير عراقي مع البكر وصدام “فان جمال عبد الناصر كان مستغرباً تعيين صدام في هذا المنصب بدلاً من عماش حيث ذكر
“سألني عن صدام حسين كثيراً، وعن صحة الإشاعة التي مفادها أن صداماً لم يكن مرشحاً لأن يكون نائباً لرئيس مجلس قيادة الثورة، وأن المرشح كان صالح مهدي عماش، فكيف حصل أمر اختيار صدام؟ وهل هذه بوادر خلافات في القيادة العراقية، أم مناورات جديدة لأحمد حسن البكر باعتباره قريباً لصدام؟
ذُهلت، كيف يعرف عبد الناصر هذه التفاصيل الدقيقة عن اختيار صدام لمنصب النائب دون عماش الذي كان مرشحاً لذلك المنصب فعلاً، في حين لم يعرف أن من سيقابله هو جواد هاشم وليس حازم جواد؟
قلت له إن معلوماتي هي أن اختيار صدام حسين لمنصب نائب رئيس مجلس قيادة الثورة، كان قد تم في الأيام الأولى للثورة، ولم يكن صالح عماش مرشحاً. قلت ذلك مع أنني كنت أعرف أن الحقيقة هي عكس ذلك.
الحقيقة أن صالح مهدي عماش، كان قد رُشح لمنصب نائب الرئيس، وأن موضوع اختيار النائب كان مدرجاً على جدول أعمال القيادة، وكان يؤجَّل بحث الأمر في كل اجتماع منعاً لبعض الحساسيات التي قد يثيرها العسكريون من أعضاء القيادة، وخاصة حردان التكريتي.
وقد أكد لي، في حينه، أحد أعضاء القيادة القطرية ومجلس قيادة الثورة، أن صالح مهدي عماش، قد أُوفد إلى الأردن لتفقد القطعات العسكرية العراقية هنالك. وقد استغل البكر وصدام غيابه، وبحثت القيادة أمر اختيار النائب، وتم التصويت «ديمقراطيا»، وفاز صدام حسين.
كانت تلك الحقيقة التي أنكرتها لعبد الناصر، ولكن يبدو أن معلوماته كانت دقيقة حول هذا الموضوع إلى حد بعيد. وقد علق قائلاً: (إن اختيار نائب رئيس مجلس قيادة الثورة أمر يعود إلى الإخوة في العراق، ولكن الواد صدام، إحنا عارفينو، ده طايش، وبلطجي).
“وعلى الرغم من ان عماش لم يعين في منصب النائب ، فأنه لم يبد أي تذمر علني بالرغم من أنه كان عضواً في القيادتين القومية والقطرية للحزب ، وعضواً في مجلس الثورة، ونائباً لرئيس الوزراء ومن أقدم الحزبيين ضمن تلك المجموعة القيادية. وقد سألته مرة عن سبب تعيين صدام بمنصب النائب ، فحاول عماش التبرير بأن الأمر تم في أطار القيادة الجماعية ومتطلبات المرحلة ، من دون أن ينتقص من قدر صدام وكفاءته ، بل بالعكس ، أكد لي أنه ملتزم بما يراه الحزب وانه لا مانع لديه حتى لو عينه الحزب عريفاً في الجيش. ولكن كما اتضح فيما بعدئذ، فقد بقي عماش متألماً من تلك المناورة ، وكان يعرف تماماً ما سيحدث بالعراق لو انفرد صدام بالحكم”.
بعد اقصاء النايف والداوود بقي ثلاثة أشخاص يمثلون عقبة في وصول صدام الى المركز الأول وهم حردان وعماش والبكر. وساهم البكر نفسه في أبعاد حردان وعماش حيث صدر قرار مجلس قيادة الثورة في ٣ نيسان بتعيين كل من عماش وحردان بمنصب نائب رئيس الجمهورية واعفائهما من مناصبهم الأخرى ( وزارة الدفاع ووزارة الداخلية). وبعد اعفاء حردان من جميع مناصبه في تشرين الاول عام ١٩٧٠ ومن ثم اغتياله عام ١٩٧١ كما عرضنا أعلاه جاء دور عماش حيث اعفي من جميع مناصبه في أيلول ١٩٧١ وعين سفيرا في الخارج . وذكر جواد هاشم في مذكراته ” للصداقة التي تربطني بعماش، فقد ذهبت لزيارته في داره ، واصطحبني عماش الى حديقة الدار وكأنه يخشى الكلام داخلها . استفسرت منه في الحديقة عن أسباب اعفائه ، فقال وهو في حالة عصبية بالحرف الواحد : هذه مناورة من صدام التكريتي لأنه يريد أن ينفرد بحكم العراق. وسوف أقولها صراحة لك يادكتور جواد ، لو انفرد صدام بالحكم فستسيل الدماء انهاراً. أنه شخص دموي خطير ، رئيس عصابة لا أكثر ولا أقل.
ولكن اطمئن ، فأنني سأعود الى العراق بعد أشهر قليلة بمنصب رئيس الوزراء وهذا اتفاق بيني وبين البكر. وعند مغادرتي الدار قال عماش :تذكر هذا الكلام واحفظه سراً بيننا. لو حكم صدام العراق فأن الدماء ستسيل انهاراً!!

وقد اثبتت الأيام صحة ما توقعه عماش حول صدام ، وليس ما توقعه حول عودته الى العراق رئيساً للوزراء”.
وفي عام ١٩٧٩ بعد أن أفلح صدام في الوصول الى سدة الحكم وبعد أن تمت عملية تصفية ثلث القيادة القطرية تحدث عن عماش وحردان فقال
“كيف بنا لو نرجع الى عام ١٩٦٨ واعوام ١٩٦٩ ، ١٩٧٠, ١٩٧١ ، حيث كان وراء كل واحد من المتآمرين والمغامرين داخل الحزب والثورة جنوده من الرجعيين واليمينيين والمشبوهين من خارج الحزب ، وهم في الحسابات التقليدية أقوى من الحزب. فصالح عماش كان قوة لا يستهان بها بالحسابات التقليدية ، لأنه كان فريق أول ركن ونائباً لرئيس الوزراء ووزيرا للداخلية ، وعضواً في القيادة القومية ألا أن الشجاعة كانت تنقصه، فلو كان شجاعاً ربما كان أخذ الحكم رغم وجود صدام حسين وطه الجزراوي وعزة الدوري والرفاق الأخرين..لكن حردان كان شجاعاً ، ألا أنه بلا غطاء داخل الحزب ، ولو كان لديه غطاء من داخل الحزب ربما كان أخذ الحكم”…
وعن ردة فعل عماش على هذا الحديث الذي طبع ووصل له قال صلاح عمر العلي في حديث مع جريدة الحياة
“كان صدام حاقداً عليه. قبل وفاة عماش بنحو عامين تحدث صدام إلى الكادر الحزبي، وقال إن عماش حزبي لكنه جبان، في حين إن حردان التكريتي غير حزبي لكنه شجاع. طبع الحديث في كراس صغير ووصل إلى الشخص المعني. كتب عماش رسالة إلى القيادة القومية لحزب البعث قال فيها: هل ترضى القيادة القومية أن يكون أحد أعضائها موصوفاً بالجبن. فإذا كانت تعتقد بصحة التهمة يجب أن تتخذ قراراً بفصله. وبعث برسالة إلى القيادة القطرية يعترض فيها على الكلام ويطلب التصحيح.
رداً على ذلك، استدعى صدام قيادات سابقة من مجلس قيادة الثورة وقيادة الحزب في ١٩٦٣ لتقويم عماش، وكنت بين المدعوين. طلب صدام من الحاضرين تقويم عماش الذي قال أيضاً في رسالته: هل يصح أن توجه تهمة الجبن إلى من كان مسؤولاً عن المكتب العسكري في الحزب في ١٩٦٣ حين تسلَّم البعثيون السلطة ثم خسروها. كان صدام يصر على أن عماش لم يكن مسؤولاً عن المكتب العسكري في ١٩٦٣. كان بين الحاضرين شخص يدعى محسن الشيخ راضي، وهو كان عضواً في القيادة القطرية في ١٩٦٣ ومن البارزين وما يزال حياً ويقيم في العراق. تحدث أعضاء في القيادة القطرية التي باتت بزعامة صدام، فشنوا هجوماً عنيفاً على عماش. وحين وجه السؤال إلى محسن الشيخ راضي رد مؤكداً أن عماش كان مسؤول المكتب العسكري في القيادة وأنصف الرجل. طبعاً كانت جرأة منه. ذلك أن قول الحقيقة كان عملية شاقة يمكن أن تدفع صدام إلى ارتكاب أي حماقة يمكن المرء أن يتصورها.
نظر صدام إلى عماش كخطر محتمل وراح يقلل من شأنه وعيّنه سفيراً في فنلندا، وهي دولة ذات دور محدود، إلى أن استدعي إلى الجبهة ومات مسموماً.
كيف قتل عماش؟
يقول المقربون جداً إن تشريح جثته أكد أنه قضى مسموماً. والقصة هي الآتية: استدعي عماش إلى بغداد للمشاركة في ما كان يسمى المعايشة، أي إرسال عدد من السفراء إلى الجبهات خلال الحرب العراقية – الإيرانية. طبعاً لا يحتاج عماش إلى مثل هذه المعايشة، فهو عسكري كبير ومعروف، أمضى سنوات طويلة في الجيش. وعلى رغم ذلك أشركوه في الدورة وأمضى بين شهرين وثلاثة أشهر ثم عاد إلى فنلندا. بعد عودته بدأ يعاني مشكلات صحية وتوفي خلال فترة قصيرة، علماً أنه كان رياضياً ولم يكن يعاني من أي مرض. المقربون يجزمون أنه مات مسموماً.
***
العقيد الركن عبد الكريم مصطفى نصرة قائد معركة وزارة الدفاع في ٨ شباط وعضو مجلس الثورة والمكتب العسكري , عن حادث مصرعه ذكر حازم جواد في مقابلة معه في جريدة الحياة في ٩/٢/٢٠٠٤
“هذه الجريمة لا تقبل الجدل فهي كانت مرتبة, والسبب في ذلك, واذكرها للمرة الاولى, انني كنت طرفاً فيها.
ففي احد ايام اواخر سنة ١٩٦٨, وصل الى بغداد الصديق طلعت صدقي السوري الاصل, وكان يشغل في ذلك الوقت مكتب الشؤون العربية في رئاسة الجمهورية العربية المتحدة, وكان بيته ومقره قريبين من بيت الرئيس عبدالناصر, وكان مبعوثاً للاستطلاع او لكتابة تقرير, وهو صديق شخصي لي ويعرف عبدالستار عبداللطيف منذ ايام ثورة ١٤ تموز وثورة ١٤ رمضان, وله علاقات ايضاً مع صالح مهدي عماش والبكر وعلي صالح السعدي, وعلى رغم انه شخصية ناصرية الا ان له علاقة متشابكة مع البعث العراقي, هي علاقة ود ان لم تكن علاقة تعاطف. دعاه عبدالستار عبداللطيف, الذي كان متقاعداً في ذلك الوقت, الى عشاء في الساعة السابعة والنصف. وكان من المدعوين انا وعبدالكريم مصطفى نصرة وضابط او اثنان من معارفه. نصرة معروف بين اصدقائه وزملائه بدقته في المواعيد الى درجة عجيبة, فاذا كان موعده في السابعة, فلا يمكن ان يأتي بعدها بدقيقة او قبلها بدقيقة, وهو يسكن قريباً من بيتي, فأنا كنت اسكن في المنصور وهو في مدينة اليرموك. وكان من المفروض ان يمر علي, ونذهب الى الجانب الشرقي من بغداد الى بيت عبدالستار عبداللطيف, وعند الساعة السابعة بالضبط تلقيت هاتفاً من عبدالستار عبداللطيف يتوسلني كي اذهب الى فندق بغداد لجلب طلعت صدقي الى داره, ويبدو انه لم تكن هناك سيارة رسمية مخصصة لطلعت صدقي, قلت له وماذا عن عبدالكريم؟
قال اترك له خبراً عند السيدة الوالدة ليتوجه مباشرة الى هنا. حاولت الاتصال به مرتين وثلاثاً ولم يكن هناك اي رد منه, عندها تركت له رسالة عند امي, ان يلحق بنا.
ذهبت الى فندق بغداد واخذت معي طلعت صدقي, وتوجهنا بعدها الى بيت عبدالستار عبداللطيف الكائن في منطقة الصليخ المشهورة, وبدأنا نتسامر مع بقية المدعوين والآخرين, وفجأة انتبهنا الى ان عبدالكريم تأخر على غير عادته, فاتصلنا به في بيته الا ان الهاتف بقي يرن ولا من يجيب. فاتصلنا بأمي نسألها ان كان قد جاء, فقالت لا, وبقينا الى حد الساعة العاشرة ننتظره ليأتي ويتعشى معنا, ولكن الهاتف ما زال يرنّ بلا جواب, عندها اعتقدنا ان شيئاً ما قد حدث قطعاً.

Facebook
Twitter