صدام ورفاقه: سيرة خوف وموت – الحلقة الثالثةصدام يصفي جماعة البكر ثم يعزله ويقتله بسم الثاليوم

جماعة صدام يقتلون محمد أبن البكر بحادث سيارة وزوج بنت البكر مظهر المطلق باغراق سيارته في دجلة

 

 صدام يحذر من اعادة انتخاب البكر اذا ما تم اغتياله في الحرب العراقية الايرانية

 

 

المذيع: نكمل هذا المفصل تفضل.

صلاح عمر العلي: اسمح لي أن.. أن أشرح هذه المسألة لأن حقيقة هي هاي..

المذيع: هذا مفصل تاريخ العراق طوال..

صلاح عمر العلي: هاي المحطة اللي هي انطلقت من عندها كل الكلام اللي فات، فأصبح صدام نائب رئيس مجلس قيادة الثورة، وأحمد حسن البكر هو رئيس مجلس قيادة الثورة، الاثنين من نفس الأسرة ومن نفس العشيرة، خير الله طلفاح اللي هو خال صدام وابن عمة أحمد حسن البكر بدأ يلعب على وتر أو هو قبل الآن حقيقة كان يلعب على وتر تخويف أحمد حسن البكر من المستقبل، البكر..

المذيع: كان وضع خير الله طلفاح أيه؟

صلاح عمر العلي: خارج السلطة وخارج الحزب، ما له علاقة، كان محافظ في بغداد.. محافظ بغداد، بس بدأ يتدخل.

المذيع: كانت مؤهلاته تسمح له أن يكون محافظ؟
صلاح عمر العلي: والله هو عسكري قديم وكمِّل حقوق أيضاً فيما بعد بوقت متقدم وكان مدير بالتربية والتنمية..

المذيع: كان صدام تزوج من ابنته آنذاك؟
صلاح عمر العلي: هو متزوج من ٦٣ حينما كان في القاهرة، فالمهم أنه البكر.. خير الله طلفاح بدأ يخوف أحمد حسن البكر، لأنه أحمد حسن البكر كما معروف أنه أول ضابط  من الضباط الأحرار يُعتقل على يد عبد الكريم قاسم بعد ثورة ٥٨ ، ثم أحمد حسن البكر هو الذي خطط لما سُمي بثورة ١٤ رمضان عام ٦٣ ، وطبعاً أُطيح به على يد عبد السلام عارف اللي جابه من بيته وحطه رئيس جمهورية، ثم هذه المرة الثالثة فكان خير الله طلفاح يضرب على هذا الوتر.. الوتر الحساس أنه عليك أن تستفيد من تجاربك السابقة، وعليك أن لا تكرر الأخطاء والفشل، وعليك أن لا تصبح أضحوكة أمام الآخرين، يجب أن تكون هذه فرصتك الأخيرة وحتى تكون فرصتك الأخيرة عليك أن تعتمد على الأسرة وليس غير، وشوف.. شوف حولك، كل النظم المستقرة هي النظم اللي تعتمد على الأسرة، وبالتالي إذن من حسن الحظ أنه وياك عضو في القيادة كأنه ابنك تقدر تربيه على إيدك وتُهيِّئه في الوقت المناسب ممكن يكون هو بديلك، فأحمد حسن البكر تركبت في رأسه هذه.. هذه الفكرة خشية وخوفاً من أن تتكرر التجربة، فبدأ ينسق مع صدام، وتقاسموا السلطة وأصبحنا من الناحية الواقعية مجرد موظفين لدى صدام حسين وأحمد حسن البكر.
المذيع: متى بدأ نفوذ صدام بعد هذا التعيين في ٦٨ ؟

صلاح عمر العلي: فوراً رأساً انتقل إلى بناية المجلس الوطني وأحمد حسن البكر في بناية القصر الجمهوري، وتقاسموا السلطة وبدأ كلاهما يمارس السلطة فوراً. إحنا طبعاً..

المذيع: نريد أن نعرف الآن.. سأعود يعني ستأتي كل هذه الأشياء تباعاً، ولكن نريد أن نعرف مصير صالح مهدي عمَّاش المتهم بالتآمر ماذا كان مصيره؟
صلاح عمر العلي: نعم، صالح عماش بعد فترة.. بعد أن انتهت مهمته عاد إلى بغداد، ونزل في المطار العسكري الرشيد.

المذيع: كم امتدت مهمته تقريباً؟
صلاح عمر العلي: والله تقريباً عشرة أيام أو أكثر، فالرئيس البكر اتصل فيَّ وطلب من عندي أن أخرج إلى المطار لاستقباله وطلعت لاستقباله..
المذيع: لم يُطرح مرة أخرى قضية إعدامه والعقاب وبعد اختيار صدام؟
صلاح عمر العلي: أبداً، لم يُطرح نهائياً أنا خليته عندي بسيارتي الشخصية، وكنت أنا أسوق وهو جالس جنبي، حتى وصل البيت، وفي الطريق حكيت معه حول الاجتماع وما دار به، طبعاً قبل أن أطرح الموضوع، أنا بجو من الظرافة أو النكتة أو كذا، يعني تطلعت في صالح وقلت له يا صالح كيف أنت تسمح لنفسك أن تتآمر على الحزب وعلى الثورة؟ فهو صُدم، يعني فوجئ بالقصة، قال لي يعني شو ما القصة يعني، أنت جاد بالموضوع أم تمزح؟ قلت له حصل اجتماع وحكيت تفاصيل الاجتماع، فحضر رأسك للإعدام صالح تطلَّع فيَّ، تطلع فيَّ جيداً فسألني قال لي: أتمكن أن أعرف شو اللي حصل بعد، يعني فترة غيابي؟ حكيت له كثير من الأمور، يعني أصدقك القول أنه تقريباً نسيت مسألة اختيار صدام كنائب رئيس مجلس قيادة الثورة، كرَّر السؤال علىَّ أكثر من مرة، فقلت له: والله عُين صدام نائب لكذا، فابتسم بوجهي، قال لي: إذن مؤامرتي انتهت، قلت له شو بتقصد مؤامرتك انتهت؟ قال لي هي مؤامرة صدام وأحمد حسن البكر على صالح مهدي العماش، وليس العكس وراح تشوف أنه هذا الموضوع انتهى وبالفعل في أول اجتماع نحضر، ويحضر صالح عماش معنا.

المذيع: إذن كانت المؤامرة هدفها الأساسي هو تمرير وصول صدام حسين، ليصبح نائباً لرئيس مجلس قيادة الثورة، حتى لو أدى هذا إلى إعدام شخص أو قتل آخر من الأشخاص، شعرت أيه وقتها؟

صلاح عمر العلي: هذا صحيح، والله ما أكذب عليك يعني منذ تلك الجلسة بدأنا.. ليس أنا فقط إنما يمكن أنا أكثر واحد بهم شعرت بأني أنا خارج هذه اللعبة، خارج كل العمليات، خارج الحزب، خارج العمل السياسي، خارج مسؤولياتي، أصبحت أشعر بغربة شديدة جداً تجاه رفاقي”.

 

كما يظهر من حديث صلاح عمر العلي أن الرئيس البكر لعب دوراً في تصعيد قريبه صدام وربما عملا بنصيحة خيرالله طلفاح فنصب صدام بذلك المركز و همش دور كل من صالح مهدي عماش وحردان التكريتي كي لاتفلت السلطة منه مرة أخرى.

وبعد ذلك التعيين كان هناك تعاون وتفاهم ما بين البكر وصدام على تقسيم الأدوار فيما بينهما ، فمسؤولية صدام كانت الحفاظ على سلطة البكر وبقائه في الموقع الأول ولتحقيق ذلك الغرض تمت عملية تصفية وابعاد الكثير من العسكريين والحزبيين وبموافقة البكر نفسه كأبعاد عماش وحردان ومن ثم اغتياله واعدام رشيد مصلح واغتيال عبد الكريم نصرت وفؤاد الركابي وسجن طاهر يحيى وعبد الكريم فرحان وعبد العزيز العقيلي كلها تمت في أوائل حكم البكر حيث كان يتمتع بسلطة لاشك كانت أكثر من صدام وتلك العمليات تمت على الأكثر بموافقة البكر ورضاه.

ويعتقد الدكتور علي كريم سعيد في كتابه ٨ شباط أن البكر أعتقد أن نائبه صدام كان مقتنعاً بالمركز الثاني وان تصفيات الخصوم كانت تصب في مصلحة البكر نفسه للحفاظ على السلطة. لكن في النهاية صبت تلك التصفيات في مصلحة النائب بتقوية موقعه وبالسماح له بالسيطرة على الأجهزة الأمنية والمخابراتية الخاضعة لسيطرة النائب في نفس الوقت الذي تم فيه أضعاف الجيش وبالتالي مصدر قوة البكر وسلطته.

بعد تلك التصفيات التي ذكرناها وضع النائب صدام الرئيس البكر نفسه تحت مراقبته بأحلال طارق حمد العبدالله محل شفيق الدراجي كرئيس الديوان الذي أبعد كسفير للسعودية، ثم قام باضعافه بتصفية رجال البكر حيث قتل محمد أبن البكر بحادث سيارة، وتصفية الأخوين مظهر ومنذر المطلق زوجي بنتي البكر ، الأول باغراق سيارته في نهر دجلة وموته بداخلها والثاني بابعاده سفيراً الى الأرجنتين.
وعين عدنان خير الله كوزير للدفاع وهو المنصب الذي تولاه البكر بعد مصرع حماد شهاب .
ونتيجة لذلك ضعفت سلطة البكر ولم يبق له من سلطة سوى الكرسي وهو على الأكثر شعر بذلك حيث ذكر الدكتور جليل العطية في كتابه فندق السعادة
“في تموز ١٩٧٧ عدت الى بغداد نهائياً بعد انتهاء مهمتي.
ومرة أخرى التقيت الرئيس البكر.
تمت المقابلة في دار أحد الأصدقاء :
وفجأة سألني:
 -لماذا عدت؟
-انتهت المدة الرسمية يا سيدي.
عندها شتم طارق عزيز الذي كان مسؤولا عن الأعلام.
ثم اعترف لي بما يشبه الهمس قائلاً :-الأمور فلتت، ولم أعد أملك ألا الأسم! قال هذا بأسى متطلعاً الى صورة تتصدر الصالة التي كنا نجلس فيها!
)كانت الصورة تضمه مع نائبه صدام(
نصحني البكر بالعودة الى الخارج بأي ثمن ووعدني بالمساعدة وتم ذلك فعلاً”.
كيف ومتى شعر البكر أن دور التنحي عن السلطة قد حان هو شي غير معروف ، عدا ما ذكره الدكتور جواد هاشم في كتابه مذكرات وزير عراقي عن عقد اجتماع في دار البكر حضره “البكر وهيثم بدعوة من خير الله طلفاح لبحث أمر هام: استقالة البكر وتنحّيه عن جميع مناصبه، وإحلال صدام حسين محله في تلك المناصب.
اعترض البكر على هذه الطريقة في التعامل، ولم يوافق على ما اقترحه صدام وعدنان خير الله ابن خال صدام وشقيق زوجته وزوج ابنة البكر.
تأزم الموقف، وسحب هيثم مسدسه وأطلق رصاصة واحدة أصابت عدنان خير الله بخدش بسيط في يده.
تدخل طلفاح لتهدئة الحالة، وبقي البكر رافضاً الاستقالة، لكنه رضخ أخيراً بعدما أفهمه صدام أنه لم يعد يمتلك أي سند أو شفيع لا في الجيش، ولا في أجهزة المخابرات، ولا حتى في الحرس الجمهوري.
كانت كل تلك الأجهزة والتشكيلات قد أُفرغت من مؤيدي البكر وأعوانه.
قبل البكر ووقّع على خطاب كان قد أُعد له ليذيعه شخصياً عند الساعة الثامنة مساء اليوم نفسه من إذاعة بغداد وتلفزيونها”.

لم يذكر أحداً سيرة ذلك الأجتماع سوى جواد هاشم ولم يذكر مصدر معلوماته في ذلك الكتاب.

في عام ١٩٨٢ حين توالت الهزائم العسكرية انتشرت اشاعة أن البكر قد يعود للسلطة حيث كانت أحد شروط ايران لايقاف القتال هي تنحية الرئيس صدام عن السلطة وعلى الأكثر أن صدام وصلته هذه الأشاعة وربما كان هذا سبباً لمهاجمته للبكر في المؤتمر القطري التاسع لحزب البعث عام ١٩٨٢ حيث ذكر تايه عبد الكريم وزير النفط السابق
” فى ذلك الاجتماع لأول مرة اشعر بان صدام حسين يعبر بطلاقة وبكل صراحة عن موقفه ضد المرحوم أحمد حسن البكر.. قال قولاً لم اكن اتوقعه كان فى حالة اشبه بالانهيار، وكان يشعر بان الامور بدأت تسير فى غير صالح العراق في الحرب، قال: اخاف اروح انا ديروا بالكم ما تنتخبون احمد حسن البكر، احمد حسن البكر ليس , ما له دور فى الثورة، وتحدث حديث غير لائق وقاسي بحق احمد حسن البكر، واستدرك قال ان شاء الله انا ما اروح باق.

المحاور: هل سب فى حق احمد حسن البكر؟

تايه عبد الكريم: اكبر النيل منه كرئيس دولة وله دور بارز بالثورة ما كان لائقا برئيس دولة ان ينال من رئيسه السابق بهذا الحقد والغضب وهو في حالة اشبه باليأس”.
انعكس موقف صدام من البكر والذي ذكره تايه عبد الكريم بتعظيم دور صدام واهمال دور البكر بل حتى لم يذكر أسمه في تقرير المؤتمر القطري التاسع حيث أشار الى البكر ” بالرفيق الذي يحتل الموقع الأمامي” ، فعن دور صدام ورد الأتي ” هو صاحب الدور القيادي في تحقيق الأنفجارات التاريخية ، خالق الجبهة الوطنية وقائدها، ومصمم بيان اذار التاريخي والقائد الفعلي لعملية تأميم النفط، والمخطط الأول لعملية التنمية الشاملة،وواضع أستراتيجية البحوث النووية، والقائد الموجه في حقل الفكر والثقافة والاعلام”.وهو”لأول مرة في تاريخ الحزب وضع بدقة وبأسلوب خلاق ومتجدد نظرية العمل البعثية في ميادين السياسة والاقتصاد والاجتماع والتنظيم”.
وعن التقليل من شأن البكر وخصوصاً بدوره في انقلاب ١٩٦٨ ورد مايلي

“في التحضير ل ١٧ تموز كان الرفيق صدام حسين العقل المخطط ، والمدبر والمحتاط وفي صبيحة ١٧ تموز كان ، وهو المناضل المدني ، يقود الدبابة الأولى التي اقتحمت القصر الجمهوري واعلنت شرارة الثورة. ولكن في يوم ٣٠ تموز ، كان صدام حسين هو قائد الثورة حقاً ، فهو الذي أصر على تصفية قوى الثورة المضادة وبسرعة وهو الذي وضع الخطة وهو الذي اختار ساعة التنفيذ وهو الذي وزع الأدوار وهو الذي قام بنفسه بالضربة الحاسمة وبذلك ولدت الثورة ولادة حقيقية .
أن هذا الدور القيادي الأول، في كافة الميادين، كان يتم من خلال موقع الرجل الثاني من الناحية الرسمية والبروتوكولية، في الحزب والدولة.وفي أغلب الأحيان كان الرفيق صدام حسين ينسب هذه الأدوار والانجازات الى الرفيق الذي يحتل رسمياً الموقع الأمامي أو الى صيغة القيادة الجماعية ناكراً ذاته”.

بعد أستقالة البكر فرضت عليه عزلة سياسية كاملة حتى وفاته. بعد ذلك باعوام ذكر حسين كامل بعد خروجه الى الأردن وانشقاقه على سلطة صدام أن البكر مات مسموماً بالثاليوم.

(يتبع في العدد المقبل)

Facebook
Twitter