صاحب الامتياز
رئيس التحرير
عبدالرضا الحميد

صدام والسعودية والكويت من تبادل الاوسمة ومليارات الدولارات الى الحرب – القسم الثانيمشيخات الخليج ترفض تأسيس (الفيلق العربي) من جيوش مصر والعراق والاردن لحمايتها

 

لماذا رفض مبارك طلب صدام والملك حسين بتوحيد الاجهزة الامنية والاستخبارية في مصر والعراق والاردن؟

  

وبعد ستة أشهر من طرح فكرة الملك حسين، تلقى الرئيس حسني مبارك رسالة مكتوبة، من ملك الأردن، تتضمن تفاصيل مشروع “الفيلق العربي”، الذي اقترح الملك حسين إنشاءه، من قَبْل! ورداً على هذه الرسالة، أرسل الرئيس حسني مبارك إلى الملك حسين، يسأله عدة أسئلة محددة:

أ. ما هو الهدف من إنشاء الفيلق العربي؟

ب. هل وافق رؤساء دول الخليج على فكرة الفيلق؟

ج. ما هو الموقف السوري؟ وهل يُسعد سورية إنشاء مثل هذا الفيلق؟

د. ما هو موقف العراق، وهو، الآن، في حرب ضد إيران؟

            وجاءت إجابة الملك حسين من عمّان، تقول: “إن الهدف من إقامة الفيلق العربي، هو مساعدة دول الخليج، عسكرياً. وقد وافق زعماء هذه الدول على المشروع، وكذلك العراق وسورية.

            وفي أول جولة للرئيس حسني مبارك، في دول الخليج، بعد استلامه رد عمّان، طرح سؤالاً واحداً على زعماء تلك الدول: “هل توافقون على قيام الفيلق العربي، الذي اقترحه الملك حسين؟”. وكانت الإجابة واحدة، وإنْ كان بعضها مباشراً، والآخر حيِيّاً: “لسنا في حاجة، الآن، يا سيادة الرئيس، إلى مثل هذا الإجراء”! هكذا، رفضت جميع دول الخليج الفكرة. ويقول الرئيس مبارك: “قلت للملك حسين، إنني لم أجد أحداً موافقاً. والمفاجأة أنه لم ينزعج، حينما قلت له، إن الرؤساء أجابوني بعدم الموافقة.

            وبعد ستة أشهر أخرى، جدد الملك حسين مساعيه. وكانت، هذه المرة، من أجْل إنشاء مجلس للتعاون. في البداية، لم يتحمس الرئيس حسني مبارك للعرض. وعاد الملك حسين، يركز، بإلحاح واضح، على فكرة المجلس. ووافق الرئيس حسني مبارك عليها، بشرط أن يكون مجلساً للتعاون الاقتصادي. فقد كان الملك حسين، هو الوحيد الذي كان يطرح الفكرة، التي رشح لها مصر والعراق والأردن، حتى إن صدام حسين، لم يفاتح الرئيس حسني مبارك في موضوع إنشاء مجلس التعاون، إلاّ يوم توقيع الاتفاق في شأنه! حتى لا يفهم أنه وراء هذه الفكرة.

            وقبل توقيع الاتفاق، طرح الملك حسين فكرة ضم اليمن، حينما قال للرئيس حسني مبارك: “لماذا لا نضم اليمن إلينا؟ إن علي عبدالله صالح، رجل طيب، يا فخامة الرئيس”. وكان رد الرئيس حسني مبارك: “أعتقد أن اشتراك اليمن في مثل هذا التجمع، سوف يزعج المملكة العربية السعودية. فهل أخذت رأي الملك فهد؟”. فكان رد الملك حسين: “حقيقة، لم يحدث. ولكنني سوف أفعل”.

            ورجا الرئيس مبارك الملك حسين، أن يشرح للملك فهد بن عبدالعزيز، في أول زيارة له إلى المملكة العربية السعودية، أن مجلس التعاون العربي، لم يُنشأ كرد فعل للنشاط المتزايد، لمجلس تعاون دول الخليج العربية. كما أن انضمام اليمن، في اللحظة الأخيرة إليه، ليس عملاً موجّهاً ضد المملكة العربية السعودية.

            وسافر الملك حسين إلى المملكة العربية السعودية، والتقى الملك فهداً. لكن فهدا، تجنب، لأسباب رآها، أن تقترب مناقشاته مع الملك الأردني من هذا الموضوع. إذ إنه في اليوم المقرر لمغادرة الملك حسين المملكة العربية السعودية، طلب من الملك فهد تحديد فرصة لقاء، لأمر مهم، يريد أن يحدثه فيه، قبل أن يغادر المملكة. وكان الملك فهد، في هذا اليوم، مقيداً بحضور حفلة تخريج دفعة جديدة من الطيارين السعوديين، فدعا الملك حسيناً إلى حضورها؛ لأنه يعرف شغفه بالطيران. واقترح الملك فهد، أنه بعد انتهاء حفلة تخريج الطيارين، يستطيع الملك حسين، أن يتحدث في أي موضوع يشاء، وهما في الطريق إلى المطار.

            وانتهت حفلة تخريج الطيارين، وركب الملكان في سيارة واحدة. وأبدى الملك حسين ملاحظة، قال فيها: “إنه كان لديه ما يريد أن يحدث الملك فيه. ولكن الجو، الآن، غير مناسب”. ورد الملك فهد، أن “هناك فرصة للقاء قادم بينهما، يبحثان فيه، على مهل، كل ما يعن لأي منهما”.

            وفي اتصال بين الملك حسين والرئيس حسني مبارك، قال الملك الأردني، إنه لم يستطع مصارحة الملك فهد بموضوع مجلس التعاون، لأن فهدا، كان مشغولاً.

            ورأى الرئيس حسني مبارك، ألاّ يترك الأمر عند هذا الحد، فقرر إرسال وزير خارجيته، الدكتور عصمت عبدالمجيد، إلى المملكة العربية السعودية، حاملاً رسالة منه، شارحاً موضوع انضمام اليمن إلى مجلس التعاون العربي.

            وعرض الدكتور عصمت عبدالمجيد الرسالة على الملك، الذي لم يكن مقتنعاً. وكان في كلامه ما يوحي بالإشارة إلى أنه لا يرى أن مصر مسؤولة عن انضمام اليمن، وإنما هو يضع المسؤولية على غيرها. وأكد، في نهاية اللقاء، أن مصر لم ولن تشارك في عمل، يشكل محوراً ضد أحد؛ وأنه مطمئن اطمئناناً تاماً بتحركات الرئيس حسني مبارك.

            وفي بغداد، بدأت خطوات التنفيـذ. وفي البداية، طرح الملك حسين مسودة اتفاقية تأسيس المجلس، على الرئيس حسني مبارك، والتي تضمنت، ضمن نقاطها، نقطتَين أساسيتَين:

أ. اتفاقية دفاع مشترك، يصبح، بموجبها، أي عضو في المجلس مشاركاً في أي حرب، سواء كانت هجومية أو دفاعية، يشترك فيها أو يقدِم عليها أي طرف من أطراف المجلس.

ب. إدماج جميع أجهزة الاستخبارات، العامة والعسكرية، وأجهزة الأمن القومي، في جهاز واحد، تحت قيادة مجلس التعاون.

            ومن الفور، قرر الرئيس حسني مبارك رفض مسودة هذه الاتفاقية.

            وعند الموعد المحدد لتوقيع تأسيس المجلس، في 16 فبراير 1989، عاد الثلاثة (الملك حسين، صدام حسين، علي عبدالله صالح)، يحاولون، من جديد، طرح فكرة اتفاقيتَي الدفاع المشترك وإدماج أجهزة الاستخبارات. وفي تلك الليلة، استمر الحوار حتى بعد منتصف الليل، وحاول الملك حسين، جاهداً، تمرير الاتفاقيتَين، ولم ينجح، لرفض الرئيس حسني مبارك القاطع لهذه الفكرة. ونتيجة لإصرار الرئيس حسني مبارك على موقفه، وافق الزعماء الثلاثة على أن يكون مجلس التعاون في إطار اقتصادي فقط، فوُقِّعت وثيقة تأسيسه، في قصر المؤتمرات، في بغداد، يوم الخميس، 11 رجب 1409هـ، الموافق 16 فبراير 1989م، من دون إدراج فكرتَي الدفاع المشترك وإدماج أجهزة الاستخبارات والأمن القومي في جهاز واحد. وفي 19 فبراير 1989، أعلن إنشاء مجلس التعاون العربي.

            وفي 15 يونيه 1989، في قصر المنتزه، في مدينة الإسكندرية، كان، لقاء آخر، ومحاولة أخرى، يقول عنها الرئيس حسني مبارك: “جاءوا للإسكندرية في شهر يونيه 1989، حاملين نفس النقطتَين. وهنا، بدأت الوساوس تساورني، خاصة عندما طلب منّي علي صالح الجلوس معاً، لنناقش الموضوع. فقلت له إن مثل هذا الأمر مستحيل، بل أضفت أن الاتفاقية الدفاعية، تضرك أنت، قبْل أي طرف آخر، وتفسد علاقتك مع المملكة العربية السعودية، وتوقف مساعداتها لك. وفي اليوم التالي جاءوا بوثيقتَين للتوقيع، إحداهما تتضمن البندَين، والأخرى خالية منهما. وصممت على موقفي. وحاول صدام حسين أن يصل إلى حل وسط. فرفضت، وقلت له: إن مثل هذه الاتفاقية، يرفضها البرلمان، والرأي العام، في مصر. وقد تستطيع أنت تمريرها في العراق، لكن هنا، الرأي العام له وضعه”. وأضاف الرئيس حسني مبارك: “والواضح أنه كان يسعى لهذا الاتفاق، حيث تكون للدول الأربع قوات في العراق، يستخدمها في الغزو. وهذا ما أكده غزوه للكويت. ولهذا، رفضنا، وإنْ كانت الصورة لم، تكن بهذا الموضوع”.

            وبدا واضحاً، أن مصر تريد أن تحصر مجلس التعاون العربي كله، في إطار المنافع الاقتصادية، فلا يتجاوزها. أمّا بالنسبة إلى الأمن، العسكري والسياسي، فإن رؤاها كانت تناقض رؤية بقية الشركاء.

            هكذا، يتضح أن إنشاء مجلس التعاون العربي، هو، في الأساس، إنشاء مجلس تعاون عسكري، يخدم نيات الرئيس العراقي المستقبلية. وقد وصفه الرئيس حسني مبارك، في خطابه، يوم الخميس، 27 سبتمبر 1990، في الإسكندرية، أمام ضباط وجنود الفرقة الثالثة المشاة الآلية وجنودها، المتوجهين إلى المملكة العربية السعودية بأنه مجلس تآمر عربي، إذ قال: “ده ليلة ما روحنا نمضي في بغداد، طلبوا اجتماع، الساعة الواحدة، علشان النقطتَين دول (الدفاع المشترك، وإدماج أجهزة الاستخبارات). وفهمت، طبعاً، في النهاية، أن همّه دول الركيزتَين بتاع مجلس التآمر… مجلس التعاون… مهو مجلس تآمر فعلاً. أنا كنت حاسس بهم. وأنا بأقولها بصراحة. عمل إيه مجلس التعاون. دي مقصود بها، في النهاية، التآمر على الكويت. ومن الكويت، كان حا يخش على الخليج العربي. واحد عاوز يسيطر على البترول، علشان، بعد كده، يمسك مصر من رقبتها…”

خامساً. التمهيد العراقي، العسكري والسياسي، لاجتياح الكويت

            حينما شعر صدام حسين، أن حربه ضد إيران، لم تحقق له الأهداف التي سعى إليها، يوم أعلن، في 17 سبتمبر 1980، إلغاء اتفاقية الجزائر (6 مارس 1975)، وبدء الاجتياح العسكري العراقي الأراضي الإيرانية، في الساعة 1400، من يوم 22 سبتمبر 1980 ـ وجد نفسه مرغماً، أن يظل، لثماني سنوات كاملة، مشغولاً بهذه الحرب، ما استدعى تأجيل خطوات جدية، لتنفيذ المشروع القومي العراقي.

            وعقب قبول إيران قرار مجلس الأمن، الرقم 598، الصادر في 20 يوليه 1987، التقط صدام أنفاسه، وطفق يعد العدة للمشروع القومي العراقي، مرة أخرى. واستغل مجلس قيادة الثورة العراقية، كل دقيقة، منذ ذلك الوقت؛ فعقد اجتماعاً في أواخر يوليه 1988، وضع خلاله الخطوط العريضة لملامح “يوم النداء”، الذي يسفر، في النهاية، عن ضم الكويت إلى العراق. وتوالت الاجتماعات، التي انبثق منها:

اللجنة العسكرية:     بقيادة الرئيس العراقي، صدام حسين. وتنحصر مهمتها في إعداد القوات المسلحة العراقية، وتعويض النقص في عدد الجنود؛ وتزويدها مزيداً من الدبابات، التي تستطيع السيطرة على الكويت، كونها السلاح الفعال، نظراً إلى الطبيعة الجغرافية بين العراق والكويت.

اللجنة السياسية:      تداول الإشراف عليها عدد غير معروف، من قادة البعث العراقي. وكانت مهمتها:

1. إثارة النزاع القديم، المتعلق بمسألة الحدود.

2. تجديد المطالبة بتأجير جزيرة بوبيان، لتحقيق مشاركة القوات البحرية العراقية، المحدودة العدد، وذات الأسلحة الأقل تطوراً، في الخليج العربي.

            واتفق أعضاء اللجنتَين، أن يظل المشروع طي الكتمان، فلا يطلع عليه سوى عدد محدود من قادة مجلس الثورة. كما اتفقوا، كذلك، على أن تنجز كل لجنة المهام المكلفة، بشكل متوازن مع عمل الأخرى. وحُدد أواخر يوليه وأوائل أغسطس 1990، موعداً للتنفيذ. واختِير اسم حركي لعملية الاجتياح: “يوم النداء”.

Facebook
Twitter