تحوّل حيدر بين ليلة وضحاها من ابن عائلة فقيرة يسكن في حي بسيط وسط مدينة الكوت، إلى مصنّعٍ للطائرات المسيّرة بأنواعها المختلفة، ولا عجب، فالعبقرية اجتهاد وموهبة، هكذا بكل بساطة يقول الفيزيائي الشهير “البرت انشتاين”.
في ورشة صغيرة في أطراف بيته العتيق، وبفترة زمنية لا تتجاوز الشهرين، استطاع حيدر الطائي ذو (24 عاماً) من حي الشرقية وسط الكوت، أن يصنع طائرته المسيّرة بوسائل بسيطة وبإمكانات متواضعة، لتحلِّق عالياً في سماء المدينة، ولو توفرت له الوسائل والامكانيات لكان انتاجه أفضل من هذا، هكذا بكل ثقة يقول المخترع حيدر.
وبينما ينشغل المخترع الشاب في ربط أجزاء منظومة الاحتراق الداخلي للطائرة استعداداً لإقلاعها يقول لــــ” نقاش”: ان “هذه الهواية عشقتها منذ الصغر واحببت أن أطورها، وفعلا تم ذلك بفضل الله وتشجيع المحبين الذين لولاهم لما استطعت الوصول إلى ما أنا فيه”.
وحول المواد الداخلة في صناعة بدن الطائرات من الخارج، يقول المخترع الشاب “هذه المواد تختلف تبعاً لنموذج التصنيع، فقد يصنع بدن الطائرة الخارجي من الخشب بينما تصنع أجنحتها من مادة الفلين وموادأخرى شديدة المتانة وعالية المرونة، وفي هذه الحالة يجري ربطهما بطريقة علمية تمنع من تحطم الاجنحة أو سقوطها”.
وعن تفاصيل صناعة طائرته المسيّرة يتابع قائلاً “محرك الطائرة وبعض من الأجهزة الالكترونية الأخرى تم استيرادها على حسابي الخاص من خارج العراق، كما تم استيراد خشب البلسا الذي يستخدم في صناعة أضلاع الجناح، وكذلك جهاز (Simulator) السمليتر، الذي يستخدم في تعليم قيادة الطائرات المسيّرة عن بعد”.
وفي الأيام الأولى من بدء مشروع تصنيع الطائرة، لم يخفِ الشاب الواسطي مخاوفه من إمكانية فشله والحيلولة دون تحقيق حلم التصنيع، لكنه استطاع أن يواجه تلك المخاوف بثقة عالية في النفس وينتهي من تصنيع طائرة مسيرة استطاعت أن تحلق عالياً في السماء وسط تصفيق وذهول المعنيين.
ولم تكن محاولات المخترع الواسطي هي الأولى من نوعها، فقد سبقتها محاولات مماثلة في عدد من المحافظات العراقية، كانت منها محاولة مواطن من محافظة البصرة في العام 2011 صنع طائرة مروحية اعتماداً على تصاميم استقاها من شبكة الانترنت، وجهزها بمحرك يعود لسيارة من نوع قديم، إضافة إلى خزان وقود سعة (24 لتراً )، انتزعه من مولدة منزلية.
حيدر استخدم في صنع هيكل الطائرة خليطاً من قطع معدنية من الحديد والألمنيوم، جمعها من مناطق صناعية في البصرة ومحافظات عراقية أخرى، أعقبه شاب يبلغ من العمر (25 عاما) تمكن من تصنيع طائرة تعمل بمحرك نفاث وبإمكانها حمل راكبين في نينوى في شهر أيار 2014، إلى غير ذلك من المحاولات التي تكلل بعضها بالنجاح، لكن “جميع هذه المواهب لم يتم احتضانها ورعايتها من قبل الحكومة” يقول المخترع الشاب.
وعن المدة الزمنية التي تستغرق صناعة الطائرات قال حيدر الطائي “تتطلب صناعة الطائرة مدة زمنية تمتد من شهر إلى شهرين، لكننا في بعض الأحيان نحتاج وقتا أطول، كوننا نواجه مشكلة عدم الحصول على المواد الأولية الداخلة في صناعة الطائرة، فنضطر لصناعة مواد بديلة”.
ويضيف “يختلف طول ووزن الطائرات المسيّرة من نموذج إلى آخر، وتصل إلى أطوال وأوزان مختلفة، أما مدة تحليقها في الأجواء فيستمر لمدة ساعة وبالإمكان تطوير مدة التحليق مدداً أطول، وتبلغ سرعة الطائرة حوالي (40 كلم) في الساعة، وهي تعمل كهربائيا أو بواسطة البنزين المحسن”.
وتابع “يجري عمل الطائرة والسيطرة على حركتها وهي في الجو من خلال جهاز تحكم خاص، ويمكن التحكم بارتفاعها وانخفاضها، ولذلك يمكن الاستفادة منها في الأغراض البحثية والعلمية وعمليات المراقبة الجوية بعد تزويدها بكاميرات خاصة”.
ويُبدي المخترع الشاب عتباً على المؤسسات الحكومية المعنية مؤكداً أن “هذه المشاريع إذا ما رُوعيت وحظيت باهتمام الدولة العراقية، فأنها تنمو وتكبر وتصبح مشاريع عملاقة في مجال الابتكارات العلمية”.
وبينما يواصل المخترع حيدر الطائي حديثه، يطالب زميل له “الحكومة العراقية باحتضان هذه الطاقات ورعايتها، خصوصاً وأن انجازاتها بدأت تكبر يوماً بعد آخر” حسبما يقول.
المهندس علي خلف يقول انه في كل دول العالم يوجد مثل هؤلاء الموهوبين ويتم احتضانهم ورعايتهم وتوفر كل السبل لإنجاح ابتكاراتهم، إلا في العراق فالأمر مختلف تماماً.
مهند عزيز الدلفي واحد من الموهوبين في الكوت يقول “الموهوبون يعتمدون على امكانياتهم الخاصة ويشكلون فرقاً خاصة في كل محافظة ونشاهد بين الحين والاخر مسابقات لعرض الابتكارات العلمية المختلفة في محافظات عديدة من البلاد”.