سيّدي ومولاي المتنبّي العظيم علي السوداني

سأزرعكَ الليلةَ على شاشة الذاكرة . أراكَ مُخيّماً بباب الخمسين وقد فتَكَ بكَ آلُ ضُبّة .
كان الهربُ تحتَ يمينك ، لكنّ غلامَكَ قد طعنكَ بسؤال الشرف العظيم . أتهربُ وأنت المُنشد المرتّل المجوّد
الخيلُ والليلُ والبيداءُ تعرفُني
والسيفُ والرمحُ والقرطاسُ والقلمُ
ملتبساً معتدّا قوياً محسوداً محسّداً حاسداً ، مذ ولدتك أمّكَ حرّاً أوّل مرة . قتلتْكَ نفسكَ ، فسَنَنْتَ لمريديكَ وأتباعكَ ، سنّةَ الموتِ النبيل . كنتَ علّمتهم الشعرَ وما كانوا بشاعِرين .
سأخلقُ لك جداريّةً عظمى من حروفٍ وألوانٍ ، وستتناهبها جُدُر القلوب من ظهر الكوفة ، حتى مَطمَسة كافور الاخشيديّ بأرض مصر وما حولها . لعنتُكَ الموجعة ما زالتْ تركضُ وراءَ أحفادِكَ المعذّبين في الأرض
بَمَ التعلّلُ لا أهلٌ ولا وطنٌ
ولا نديمٌ ولا كأسٌ ولا سكَنُ
كنتَ بلْبلْتَ العقول وجعلتها تسهر وتختصم ، وأنت تنام ملء جفونك عن شواردها ومباهجها .
أنا لا أُصدّقكَ يا أبتي العزيز . أنتَ لم تذق حلاوةَ نومٍ أبداً . نصُّكَ يشي بك ويعرّيك أيها المَهيبُ الجبّار ، ومن جمالهِ يكادُ يصيح ، على قَلَقٍ كأنَّ الريحَ تحتك .
أشتهي أنْ أُزيّن لوحةَ فتىً من أهلِ بغداد اسمهُ مهدي صالح قدّوري ، وجدّهُ كان جليسَ أبي نواس ، هامَ على وجهه في جزرٍ بعيدة ، بقراءةٍ كائنٍ قويّ من عتاةِ محبّيكَ هو الصائح العائط المبتكر يوسف عمر ، وقد تناوَح بها وبكَ ، فناحتْ عليه أُمُّ البلاد بين الرصافةِ والجسرِ .
في هذا الآن الموحش ، تقفُ ثلةٌ من مُريديك الجلجامشيّين ، قدّام قبرك الواقف بخاصرة الواسطيّ ، كي تتيقّن من أنكَ لم تعدْ تتململ في سريرك البعيد .
إحملني بعبّكَ الرحيم ، واخلعْ عليَّ بُردَتَك ، كي تصيرَ لي تميمةً تَقيني شرَّ إنْ تخبّلتِ الدنيئةُ وراوَدَتْني عن عسلِها الحرام ، فأصيحُ بها اذهبي يا ابنة الماخور يا سلطانة الغواية ، فعمّي يشتهيني طاهراً أبدياً . أقيسُ خطوتي بوقْعِ خطوتك ، وأتقصّى عطْرَأثرٍ شاميٍّ ، فأبكي وأحسُّ حرفك القويّ يضربُ الحشى
نَحْنُ أدْرَى وَقد سألْنَا بِنَجْدٍ ، أطَوِيلٌ طَرِيقُنَا أمْ يَطُولُ .
أنا أبكي ولم أكنْ يوماً للبكّائين نسيبا . أُريدُ أن أتشرّبكَ كلّكَ . غضبكَ وشِعركَ وكأسك والغلام والحانة والجارية والحُمق والضعف والجبروت ، لكنني أتعثّر بسوء تأويلك كلما هممتُ بك .
لقد بلبَلتَني يا معلّمي بغير موضعٍ وموقعة ، وأسألك بمن خلقكَ وسوّاك ومَيّزَكَ ، ما كنت تريدهُ من ذهابك مذهبَ تفسير الظلم والظالم إذ قلتَ
والظلمُ من شيَمِ النفوسِ فإنْ تجدْ ، ذا عفّةٍ فلِعِلّةٍ لا يظلمُ .
سفُنُكَ مثلُ سُفُني يا شقيق . رياحها تأتي بما لا تشتهي الشراعُ والقلبُ.

 

Facebook
Twitter