سهى الاطرقجي تلوُّن بغداد بأحلامها الطفولية

ميدل ايست اونلاينك : محسن الذهبي: شيدت الفنانة التشكيلية العراقية سهى الاطرقجي أحلام مدينتها بمعرضها التشكيلي الثالث “أحلام المكان” الذي اقيم مؤخرا في بغداد.

وتحدت سهى الاطرقجي جميع مظاهر التشويه الجمالي الذي عصف بالمكان والإنسان من جراء الحروب ومخلفاتها.

وبشفافية الحلم الجمالي الموغل في ذاكرتها وبفرح الطفولة والامل، انشغلت الفنانة في بحثها الانطباعي الحداثوي بتجسيد حلمها الطفولي الملون، لكنه بقي يشوبه بعض الضبابية.

فمنذ أبصرت الضوء في احدى حواري بغداد والدهشة لا تفارق عيونها وكأنها ترى الاماكن بعين الدهشة للمرة الأولى.

واسترجعت مقولة حكيم قديم “أن تتعلم القراءة فهذا شيء حسن، أما الأحسن فتعلم كيف ترى”.

وعاشت سهى الاطرقجي في حلم طفولي ملون يحاول حفظ تأثير الاماكن المحيطة بها من مباني وأزقة وشوارع في ذاكرتهان لكنها لم تنسى اقلامها الملونة وفرشاتها والوانها البسيطة.

واستمرت في تجربة فنية متفردة في نقل اجواء البناء المعماري وجمالية المكان عبر استنطاق عوالم ذاكرة المدينة ككيان يعيش وينمو وتتبدل ملامحه عبر التطور الطبيعي للحياة.

وجعلها ولعها بالالوان تشعر بأهمية الزمن وتجليات مروره السريع وانعكاس فعله على الانسان والمكان لتبتكر لغة اخرى في التواصل بين ذاتها كفنانه تبدع الجمال وبين المتلقي، عبر لوحات فنية تبدو محايدة او بريئة لكنها مؤثرة.

ويكمن تأثير لوحاتها في كونها تضيء في النفس هواجس متعددة الرؤية، بل تفجر زخما من التوتر عبر قراءة توجب تفكيك المدلول الفني لديها.

وتعتمد الفنانة العراقية بشكل اساسي على دلالات الذاكرة الجماعية، عبر فهم مميز لعلاقة الانسان بالوجود والحياة من خلال المكان كوحدة دالة على وجوده وتطوره.

فالأمكنة في لوحاتها تتشكل مترابطة مع الازمنة بين الماضي المنصرم بكل براءته والحاضر الصعب المشوه بالحرب مما يؤثر على القيمة الجمالية لروح المكان.

وتخرج الكاتبة العراقية الى منطقة اوسع من المعاصرة المستقبلية للتكهن بالمتغيرات والتطور الوجودي للمكان.

وعين الفنانة راصد جيد للزمن واثره في حياة المدينة، ولان العالم من حولها يتغير بسرعة فانها تحاول ان تهيء ارث الذاكرة.

فمع كل لوحة تحكي لنا الف حكاية تحتمل التأويل الممزوج بسكون الحياة الحالمة من حولها.

ولخصت الكاتبة العراقية لوحاتها في روح تلك الزوايا التي لا تلتفت اليها الا عين الفنان المتمرس، المستند الى وعي وادراك عالي للاشياء العادية واليومية برؤية مفعمة بالحب ومولعة بقيمة الارث المعماري والتاريخي، انها عين العارف لقيمة المكان بعشق الفنان المرهف.

واعطت الاطرقجي لبغداد كمدينة تاريخية بكل ازقتها وروحها الشعبية المتوارثة سعادة المبدع الذي اوجد لنفسه اسلوبا خاص مكنه من تحويل المعمار الجامد الى حركية تمزج بين الظل والضوء واللون، ومنحتها القدرة على توزيع اللون وهندسة بناء اللوحة التفاعلية بشكل متوازن مع روح المعايشة.

وتنم لوحاتها عن ثقافة بصرية محلية ترقى الى المنجز العالمي، حيث يتأثر أسلوبها في نقل الواقع بالانطباعية التأثيرية ذات سمة حداثوية معاصرة.

وتحاول سهى الاطرقجي بمثابرة ان تجدد روح التراث وتعطي مضمونا تشكيليا، فيه من الماضي وجها ومن الحاضر حوارا لا ينقطع، لتفتح لنفسها طريقا متميزا بين أقرانها من التشكيليين، متأثرة بمورث التشكيل العراقي المعاصر من خلال اساتذتها في كلية الفنون.

وتحاول الاطرقجي بوعي استيعاب روح العصر ولغته بعد هضمها وتطويعها لاسرار الواقع، مستفيدة مما في الانطباعية من الضوء وقزحية اللون. ومن قدرة على تحليل عناصر الشكل في بناء الشكل، لتبني من خلالها رؤاها البغدادية الصميمة مضيفة حسا من القوة والرصانه والتماسك لروح المشهد الحلم.

إنها تحاول جاهدة أن تقيم توازنا بين الموروث والمعاصرة كضرورة جمالية، فتبقى عينها شاهدة على عصرها وناقلة امينة لتراث مدينة عظيمة.

وهي لا تقوم بنقل الواقع الميت بل تعيد له بهاء الحياة، فاللوحة لديها، احالة الى قوة ومنظور جمالي يختزل الواقع بخطوط وإيقاعات لونية ومساحات متناغمة ليقترب بها من الموسيقى البصرية وكأنها تدعو المتلقي ان ينصت الى اللوحة عن طريق النظر كي يستمتع بنغمات حلم قاسي مر ويصوغ آفق حلم جميل قادم.

Facebook
Twitter