تقديم
مساء الثلاثاء الماضية رحل الشاعر العربي الكبير سميح القاسم ، بعد صراع مرير مع المرض.
يرحل سميح القاسم في عز معاناة غزة والشعب الفلسطيني، وبعد صراع طويل مع السرطان، يرحل “سميح القاسم” ، شاعر فلسطين وتاريخها ومقاومتها ” .
كتب سميح القاسم قصائد معروفة تغنى في كل العالم العربي، منها قصيدته التي تحولت الى اغنية يغنيها كل أطفال فلسطين وتغنى في كل مناسبة قومية “منتصب القامة أمشي.. مرفوع الهامة أمشي.. في كفي قصفة زيتون.. وعلى كتفي نعشي، وأنا أمشي وأنا أمشي”.
ولد سميح القاسم في 11 أيار 1939 في بلدة الرامة شمال فلسطين، ودرس في الرامة والناصرة، واعتقله الإسرائيليون مرات عدة ، وفرضوا عليه الإقامة الجبرية بسبب مواقفه الوطنية والقومية، وقد قاوم التجنيد الذي فرضته إسرائيل على الطائفة الدرزية التي ينتمي إليها.
شكل القاسم مع الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش ، عصب أدب المقاومة الفلسطينية، و توأم مسيرة حافلة بالنضال والإبداع والحياة .
تنوعت أعمال القاسم بين الشعر والنثر والمسرحيات، وبلغت أكثر من سبعين عملا، كما اشتهر بكتابته هو والشاعر محمود درويش الذي ترك البلاد في السبعينيات “كتابات
شطري البرتقالة”. ووصف الكاتب عصام خوري هذه المراسلات بأنها “كانت حالة أدبية نادرة وخاصة بين شاعرين كبيرين قلما نجدها في التاريخ”.
من أقول سميح القاسم في الموت :
“يا أيها الموتى بلا موت ؛
تعبت من الحياة بلا حياة
وتعبت من صمتي
ومن صوتي
تعبت من الرواية والرواةِ
ومن الجناية والجناة
ومن المحاكم والقضاة
وسئمت تكليس القبور
وسئمت تبذير الجياع
على الأضاحي والنذور”
بطاقات معايدة إلى الجهات الست
سميح القاسم
أُسْوَةً بالملائكةِ الخائفينَ على غيمةٍ خائفهْ
في مَدى العاصفهْ
أُسْوَةً بالأباطرةِ الغابرينْ
والقياصرةِ الغاربينْ
في صدى المدنِ الغاربَهْ
وبوقتٍ يسيرُ على ساعتي الواقفَهْ
أُسْوَةً بالصعاليكِ والهومْلِسّ
بين أنقاضِ مانهاتن الكاذبَهْ
أُسْوَةً بالمساكينِ في تورا بورا،
وإخوتِهم، تحت ما ظلَّ من لعنةِ التوأمينِ،
ونارِ جهنَّمها اللاهبَهْ
أُسْوَةً بالجياعِ ونارِ الإطاراتِ في بوينس إيريسْ،
وبالشرطةِ الغاضبَهْ
أُسْوَةً بالرجالِ السكارى الوحيدين تحت المصابيحِ،
في لندنَ السائبَهْ
أُسْوَةً بالمغاربةِ الهائمينَ على أوجه الذلِّ والموتِ ،
في ليلِ مِلِّيلَةَ الخائبَهْ
أُسْوَةً بالمصلّينَ في يأسهم
والمقيمينَ ، أسرى بيوتِ الصفيح العتيقْ
أُسْوَةً بالصديقِ الذي باعَهُ مُخبرٌ ،
كانَ أمسِ الصديقَ الصديقْ
أُسْوَةً بالرهائن في قبضةِ الخاطفينْ
أُسْوَةً برفاقِ الطريقْ
أُسْوَةً بالجنودِ الصِّغار على حربِ أسيادهم ،
وعلى حفنةٍ من طحينْ
أُسْوَةً بالمساجين ظنّاً ،
على ذمّةِ البحثِ عن تهمةٍ لائقَهْ
أُسْوَةً بالقراصنةِ الميّتينْ
بضحايا الأعاصيرِ والسفنِ الغارقَهْ
بالرعاةِ الذين أتى القحطُ عاماً فعاماً
على جُلِّ إيمانهمْ
وعلى كُلِّ قُطعانهمْ
أُسْوَةً بالشبابِ المهاجرِ سرّاً ،
إلى لقمةٍ ممكنَهْ
خارجَ الجوعِ في وطنِ الفاقةِ المزمنَهْ
أُسْوَةً بالفدائيِّ أَوقَعَهُ خائنٌ في كمينْ
أُسْوَةً بالنواصي التي جزَّها النزقُ الجاهليّ
والرقابِ التي حزَّها الهَوَسُ الهائجُ المائجُ الفوضويّ
أُسْوَةً بالمذيعِ الحزينْ
مُعلناً ذَبْحَ سبعينَ شخصاً من العُزَّلِ الآمنينْ
باسم ربِّ السماءِ الغفورِ الرحيمْ
والرسولِ العظيمْ
والكتابِ الكريمْ
وصراط الهدى المستقيمْ
أُسْوَةً باليتامى الصغارْ
بالمسنّينَ في عزلةِ الزمنِ المستعارْ
بينَ نارٍ وماءٍ.. وماءٍ ونارْ
أُسْوَةً بالجرار التي انكسرتْ ،
قبلَ أن تبلغَ الماءَ ،
في واحةٍ تشتهيها القفارْ
أُسْوَةً بالمياهِ التي أُهرقتْ في الرمالِ ،
ولم تستطعْها الجرارْ
أُسْوَةً بالعبيد الذينْ
أَعتقتْهم سيولُ الدماءْ
ثمَّ عادوا إلى رِبْقَةِ السادةِ المترفينْ
في سبيلِ الدواءْ
وبقايا بقايا غذاءْ
أُسْوَةً بالقوانين ، تقهرها ظاهرَهْ
بالبحارِ التي تدَّعيها سفينَهْ
بالجهاتِ التي اختصرتْها مدينَهْ
بالزمانِ المقيمِ على اللحظةِ العابرَهْ
أُسْوَةً برجالِ الفضاءِ وحربِ النجومِ اللعينَهْ
أُسْوَةً بضحايا الحوادثِ في الطرقِ المتعَبَهْ
وضحايا السلامْ
وضحايا الحروبِ وأسرارِها المرعبَهْ
وضحايا الكلامْ
وضحايا السكوتِ عن القائلينَ بحُكم الظلامْ
وبفوضى النظامْ
أُسْوَةً بالمياهِ التي انحسرتْ ،
عن رمادِ الجفافْ
والجذوعِ التي انكسرتْ ،
واستحالَ القطافْ
أُسْوَةً بالشعوبِ التي أوشكتْ أن تبيدْ
واللغات التي أوشكتْ أن تبيدْ
في كهوفِ النظامِ الجديدْ
أُسْوَةً بضحايا البطالَهْ
يبحثونَ عن القوتِ في حاوياتِ الزبالَهْ
أُسْوَةً بالطيورِ التي هاجرتْ
ثم عادتْ إلى حقلِهَا الموسميّ
في الشمالِ القَصِيّ
لم تجدْ أيَّ حقلٍ.. ولا شيءَ غير المطارْ
والفراشاتُ ظلُّ الفراشاتِ في المشهد المعدنيّ
ظِلُّ نفاثةٍ قابعَهْ
خلفَ نفّاثةٍ طالعَهْ
بعدَ نفّاثةٍ ضائعَهْ
خلفَ نفّاثةٍ راجعَهْ
لم تجدْ غير دوّامةٍ من دُوارْ
أُسْوَةً بغيومِ الشتاءِ على موتها مُطبِقَهْ
بالبراكينِ في آخرِ العمرِ.. مُرهَقةً مُرهِقَهْ
بالرياحِ التي نصبتْ نفسها مشنقَهْ
وتدلَّتْ إلى قبرِهَا
بين قيعانِ وديانها الضيّقَهْ
أُسْوَةً بالشعوبِ التي فقدتْ أرضَها
بضحايا الزلازلِ والإيدز والجوعِ والأوبئَهْ
أُسْوَةً بالبلادِ التي خسرتْ عِرضَها
ومواعيدَ تاريخها المُرجأهْ
في سُدى هيئةِ الأُمم المطفَأَهْ
أُسْوَةً بي أنا
نازفاً جارحا
غامضاً واضِحا
غاضباً جامحا
أُسْوَةً بي أنا
مؤمناً كافراً
كافراً مؤمِنا
أُسْوَةً بي أنا
أرتدي كفني
صارخاً: آخ يا جبلي المُنحني
آخ يا وطني
آخ يا وطني
آخ يا وطني !