عندما صرح وزير الخارجية الأمريكي دونالد ترامب ريكس تيلرسون قبل نحو أسبوعين أن أولوية الاستراتيجية الجديدة للرئيس دونالد ترامب تجاه سورية هي مكافحة الإرهاب ،وأن مصير الرئيس الأسد يحدده الشعب السوري،ثارت ثائرة المعارضة السورية والدول الداعمة لها،وعلى رأسها تركيا.فتصريح تيلرسون هذا شكل القشة التي قصمت ظهر الحلم التركي الاستعماري في سورية وقطعت الطريق على عملية “درع الفرات” التي توقفت بأمر مباشر من واشنطن.
ولطالما اعتدنا على الجنون السياسي للرئيس التركي رجب طيب أردوغان ،لذا لم نفاجأ برد فعله الانفعالي ، المتمثلة بمسرحية الهجوم الكيماوي في بلدة.خان شيخون بريف إدلب الذي ليس إلا واحدة من نوبات جنون أردوغان دفعته للتخطيط والتنفيذ السريع بغية اللعب على وتر العواطف والضغط على واشنطن لتعديل تصريحاتها الدبلوماسية وتغيير ترتيب أولوياتها .
خان شيخون بلدة تقع تحت سيطرة الفصائل الإرهابية المسلحة المدعومة عسكريا ولوجستيا من تركيا ،وقريبة من حدودها جغرافيا،مايجعل تنقل السلاح والمسلحين من تركيا إليها أمرا غاية في السهولة،ولاشك المواد الكيماوية السامة التي قتلت أطفال ونساء خان شيخون تركية او منقولة بوساطة تركيا،ونشير هنا إلى أن تلك المواد كانت مخزنة في مستودع لتصنيع القنابل اليدوية التي تستخدمها الفصائل المسلحة الناشطة إرهابيا في تلك المنطقة. إذ أن سلاح الجو السوري بالفعل قصف ذاك الهدف دون أن يدري أنه يحوي مواد سامة محرمة دوليا .من أعطى إحداثيات الهدف؟ لاشك تركيا ،فهي دخلت في تحالف مع روسيا وإيران لمحاربة الإرهاب في سورية على العلن ،ولعبت ولاتزال دور الضامن لوقف إطلاق النار في سورية ،أيضا في العلن فقط ،أما سرا فكان الأمر مختلف تماما ،والأجدى أن يوصف دورها بالتضليلي .ومن هنا يأتي الشك في الدور التركي في ذاك الحادث الكيماوي ،لربما تركيا هي من أعطت المعلومات المضللة للحلفاء الروس والإيرانيين الذين بدورهم أبلغوها للسوريين لينفذ سلاح الجو السوري تلك الضربة وتبدأ تداعياتها تطفو على السطح .
أما عن أسباب الشك بتحضير هذه المسرحية قبل وقوع الحادثة فيكمن في عدة عوامل منها السرعة في نشر فيديوهات المصابين والتركيز فيها على الأطفال .الحملة الإعلامية الشرسة والمبالغ فيها التي رافقت الحادث من قبل وسائل إعلام الدول الراعية للإرهاب.والتصريحات النارية التي قفزت فوق كل أسس ومعايير التحقيقات الدولية ،واستبقتها بتكهنات أضفت عليها صفة النتائج مدعمة بأدلة دامغة وقطعية ،لم تذكر ولم تستعرض من قبل المصرحين،وكان على رأسهم أردوغان نفست ورئيس حكومته بن علي يلدريم ،اللذين قالا جازمين “إنهما يملكان أدلة تجرم الطيران الحربي السوري ” بعد دقائق فقط من وقوع الحادثة الكيماوية المذكورة.تلاهما تصريح لوزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون الذي قال “إن كل الأدلة التي اطلع عليها تدين الحكومة السورية”. ودون أن يطلعنا على تلك الأدلة سارعت بلاده وجارتها الفرنسية إلى صياغة مشروع قرار إلى مجلس الأمن الدولي يدين العملية ويجرم الحكومة السورية .
سيناريو بكثير من تفاصيله يذكرنا بما جرى في العراق إبان الغزو الأمريكي ،والذي بني على كذبة امتلاك السلاح الكيماوي ،وماتصريحات أردوغان وجونسون إلا تكرار لتصريح وزير خارجية بريطانيا وقتها والذي قال “إن بلاده تملك أدلة دامغة على امتلاك العراق للسلاح الكيماوي “.وما أن انتهت الحرب حتى خرج علينا الأخير يعتذر عن تلك الكذبة الغلطة.
ما يجري اليوم في سورية أكذوبة هدفها واضح من خلال بنود مشروع القرار الذي تقدمت به الدول الراعية للإرهاب ومنها:
*التهديد بإدراج القرار تحت الفصل السابع ،وهو ما طالبت به المعارضة السورية فور وقوع الحادثة .
* مشروع القرار يطالب منظمة حظر الأسلحة الكيماوية بإعداد تقرير سريع وفوري عن الحادثة يتضمن ما خلصت إليه بشأنها ويطالب الحكومة السورية بتسليم المحققين خطط الطيران وكل المعلومات المتعلقة بالعمليات العسكرية التي كان يقوم بها حين وقوع الحادثة.
*أيضا يطالب مشروع القرار بتزويد المحققين بأسماء قادة أسراب المروحيات وأن يسمح للمحققين بفتح القواعد العسكرية التي يمكن أن تكون استخدمت لشن الهجوم .
كل هذا يعني بالمحصلة توجيه ضربة عسكرية على أهداف للجيش السوري وفرض حظر طيران ،وهنا بيت القصيد.
فتركيا تريد إنشاء منطقة آمنة وعلى الأغلب في إدلب ،بعد خسارتها لحلب ،الأمر يحتاج لفرض حظر طيران وقرار دولي ،باتت مقوماته جاهزة مع حادثة خان شيخون. فضلا عن أن الحادثة قد تغير اولويات.دونالد ترامب ويطالب برحيل الأسد بداية ثم يأتي الحديث عن مكافحة الإرهاب. لكن هل من مصلحة واشنطن حصول ذلك؟ يبدو أن الجواب بالنفي بدليل الضربة الأمريكية التي استهدفت مطار الشعيرات في ريف حمص قبيل التصويت على مشروع القرار . هو عدوان لا شك ،لكن ربما هو أهون الشرين،بمعنى أن ترامب أراد الهروب من حفرة حفرتها له تركيا فاختار تضليلها بتلك الضربة المنفردة ،عله ينزل عن الشجرة ويستمر في استراتيجيته الجديدة ،بدليل تصريحات وزير خارجية بلاده تيلرسون عقب الضربة عينها والتي أكد فيها “أن أولوية بلاده مكافحة الإرهاب”. مضيفا أن ” الحل في سورية سياسي” . تلتها تصريحات مندوبة بلاده في الأمم المتحدة نيكي هيلي أن “أولوية بلادها داعش وإيران والأسد”. مايعني أنها ماضية في استراتيجيتها التي يمكن ،إن صدقت، أن تفضي إلى نهاية الأزمة السورية.
- info@alarabiya-news.com