سياسي بالصدفة يركب ظهر (الطائفية) ليتحول الى (تاجر سياسة) و(بائع كلام)
كانت خسارة النائب سلمان الجميلي، في انتخابات 30 نيسان /ابريل محسومة، بعد ان اعتمد طيلة حياته البرلمانية على التصريحات “الطائفية”، وعرقلة الحوار الوطني عبر دس سم الفتنة في عسل المصالحة، ظنا منه، ان ذلك سيكسبه تأييد مكون عراقي معين.
وذهب الجميلي في غيّه السياسي الى أبعد من ذلك، فألّب قوى الارهاب، بصورة مباشرة او غير مباشرة، بوعي منه او من دون قصد، على الجيش العراقي والقوات الامنية، وكذّب وجود التنظيمات المسلحة التكفيرية في الانبار، واعتبر قصة “داعش” مجرد “فبركة حكومية” للتأثير في الانتخابات. ففي شباط/ فبراير 2013، كُشِف النقاب عن مذكرتي القاء قبض بحقه بتهمة التحريض على العنف وفق المادة 4 من قانون مكافحة الارهاب، حتى بات اعتقاله قاب قوسين أو أدنى بعدما طوّقت قوة عسكرية خاصة، بيته.
وهكذا فان من المتوقّع، ان يقول مواطن في منطقة حزام بغداد، ان “الجميلي لم يقدم انجازاً للناس، ولم يكلّف نفسه زيارة المناطق التي يعتبرها حيوية لنفوذه السياسي الا وقت الانتخابات، فيما كانت الوعود التي اطلقها خلال حملته الانتخابية الماضية مجرد كلام في الهواء”.
بل الجميلي، المريض بطائفيته المقيتة، نسي حتى الدور العشائري في كسب الاصوات، لان “الحقد المذهبي” جعله يعمى حتى عن مصالحه، فراح يطلق كل ما يتسبب في الفرقة بين العراقيين، ما جعله ضحية لنفسه، فلفظه ابناء قومه ذليلا من الساحة الانتخابية.
ولم يلعب الجميلي دوراً برلمانياً وطنيا في مظاهرات الانبار، يقول أحدهم، بل متحيزاً لصالح الذين يعوّل عليهم في الانتخابات، ليتهّم الحكومة “بمحاولة عزل المنطقة الغربية وإعطائها وضعاً خاصاً مثل جنوب السودان”، فيما وصف تأجيل الانتخابات في محافظتي نينوى والانبار بأنه يهدف الى “إيصال حلفاء رئيس الوزراء نوري المالكي إلى تلك المحافظتين”.
ركّز الجميلي الذي ارتدى ربطة العنق التقليدية بدلا من زي العشيرة التي كانت سببا في صعوده السياسي، على “التغيير” السياسي، وهو مصطلح مُبهْم تداولته مختلف الاحزاب والكتل السياسية في سعيها الى ايهام الجماهير بانها لن تبقي على الاوضاع الفاسدة، في وقت هي جزء لا يتجزأ منها.
لكن هذا “التغيير”، اول ما طال، الجميلي نفسه الذي وجد نفسه امام وجوه سياسية جديدة، استطاعت من تجاوزه وقطف ورقته الصفراء من الشجرة السياسية.
وعلى رغم ان الجميلي كان نائبا لرئيس للجنة العلاقات الخارجية البرلمانية، الا انه لم يعر اهتماما لهذه المهمة مركزا على الاجندة الداخلية الطائفية، ضمن أفلاك الصراعات والاتهامات المتبادلة.
ولم ينس العراقيون وهم ينتخبون فضاضة اخلاقه، وهم يصوتون لغيره، يوم اطلق كلماتٍ نابية تجاه زميلة برلمانية رمته بـ( حذائها ) وأنسلّت، بعدما اتهمته بإجبار نواب على الخروج من جلسة التصويت على الموازنة.
وتوثّق ذلك في مقطع فيديو في آذار/ مارس 2013، يتداوله العراقيون باسم معركةُ (الحذاء) ما ساهم ذلك ايضا في التأثير على رصيده الانتخابي.
والجميلي من مواليد الفلوجة العام 1963، وحصل على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة النهرين، وهي شهادة يحرص كل من ولج السياسة من باب الانتخابات على حملها والتباهي بها، حتى وانْ افتقد الى المؤهلات الاكاديمية في علم السياسة، حتى باتت عنواناً استهلاكياً، يغطي على مركّب النقص الذي يشعر به كثيرون.
يقول سياسي خبر سلوكيات الجميلي السياسية، بانها تقوم على منطلق سَلْبَ الذَّبيحةَ، وأخذ جلدَها وأحشاءَها كمغنم خالص، ذلك ان الجميلي منذ انطلاق احتجاجات الرمادي، يلوذ بعباءة العشيرة اكثر منه بقوة (القائمة)، شأنه شأن الكثير من النواب، الذين يرتمون في احضان القوم لاسيما ايام الانتخابات بغية التحشيد العشائري ليصبح البرلماني والمسؤول رجل العشيرة والقوم في المنصب او البرلمان، قبل ان يكون ممثّلا لكل العراقيين.
لكن موقفه هذا، يُشاد به في الضفة الاخرى من قوم يعتبرونه متجانسا مع نفسه اولاً ومع اهله وقومه ثانياً، غير ان ذلك لم يمنع نخباً من المنطقة الغربية نفسها، يرون في مواقفه وإظهار نفسه بين المتظاهرين واعتلائه منصة الخطابة، دعايةً انتخابية وتعصّباً عشائرياً وطائفياً، وريبة من منافسين يفوقونه اليوم شعبية يؤيدون بقوة الحوار مع الحكومة، التي يتهمها الجميلي بأنها “تمنع نوابا من العراقية من دخول بغداد او الخروج منها”.
وفي تفاصيل التبريرات التي يطلقها المهزومون في الانتخابات، برّر الجميلي خسارته في الانتخابات بالقول ان عمليات تزوير وبيع وشراء اصوات جرت بين مهجّري الانبار، واصفاً اياها بـ “المجزرة الانتخابية”، مطالبا بإعادة عد وفرز أصوات المهجرين فضلا عن تقديم طعون قضائية لعمليات تزوير لصالح احد المرشحين قام بها احد مدراء المفوضيات”.
اعتقد الجميلي على الدوام انه يستطيع ان يطل ممثلا لشعبه، عبر استفزاز الاخرين من مكونات الشعب الاخرى من الذين لا يتوقع منها صوتا، فنشر على صفحته في “فيسبوك” عشية التصويت، خطاباً حصرياً الى اهالي الانبار باعتبارهم امله الوحيد في استمراره في منصبه البرلماني، فيقول “أَهلي وعزّوتي في محافظة الأَنبار إِنَّ خصمكم ظٰالم يُريد أَنْ يكسر إِرادتكم ويغيبَكُم ليُمَهِد الطريق للضعَفاء والرويبضة المحسوبين على محافظتنا، فَلا تمنحوه هذه الفُرصَة، وأَثبتوا أَنكم لن تُهزموا وإن الأنبار قَدرها أَنْ يمثلها رجال صادقون لا أَذناب وتابعين”.
وهو بهذا يستغفل ابناء الانبار الذي ثبت فيما بعد انهم رموه في “قمامة” صناديق الاقتراع بعدما حافظ على حضوره ضمن الصف الاول بين الزعامات السنية ما بعد 2003.
وبحسب سياسي عراقي، له تجارب في العمل النيابي مع الجميلي فان الوجوه السياسية الجديدة التي اختارتها جماهير الانبار تجاوزت حقبة الجميلي التي لم تجر عليهم سوى الحقد بين مكونات الشعب والدسائس والمؤامرات التي كان يقودها الجميلي ، بعد ما ارتبط الرجل بعلاقات مشبوهة مع خميس الخنجر، ممول “العراقية”، وقتها والمشكك اساسا في العملية الديمقراطية في العراق.
ويتابع القول ايضا “لقد انهت اصوات الشعب سطوة الجميلي على نواب ينتمون الى قائمته بعدما مارس الاقصاء والتهميش بحقهم لفترة طويلة ولهذا السبب فليس ثمة دهشة في ان نواب وسياسيين من المكون السني شعروا بالراحة والسعادة من غياب الجميلي.
وبحسب نخب سياسية فان اكبر دسيسة قام بها الجميلي هو تحريضه نواب “العراقية ” على زعيمها اياد علاوي ولأسباب طائفية بحتة، حيث كان يدعو الى زعيم “سني” بدلا من اياد علاوي “الشيعي” على رغم “علمانية” الاخير.
ان من ابرز الاسباب التي ادت الى افول نجم الجميلي بحسب، يعود الى تحوله رمزاً للطغيان والاثراء غير المشروع عبر عمليات فساد، واللهاث وراء مغانم الوزارات، حيث كان التنافس على اشده بين كتلتي الجميلي وجمال الكربولي كأسرتين سعيتا الى الاستحواذ على اصوات الانتخابات عبر شراءها بالمال والوعود بالمناصب.
وبلغ اوج الصدام بين آل الجميلي وآل الكربولي حين خطف الجميلي، وزارة الكهرباء من يد عائلة الكربولي التي تدير وزارة الصناعة والمعادن.
وهكذا شعر المواطن العراقي ان قدره بات في يد فاسدة، ما يتوجب قطعها في اقرب وقت ممكن، وكان يوم الاقتراع الفرصة السانحة لتحقيق ذلك.