v:* {behavior:url(#default#VML);}
o:* {behavior:url(#default#VML);}
w:* {behavior:url(#default#VML);}
.shape {behavior:url(#default#VML);}
/* Style Definitions */
table.MsoNormalTable
{mso-style-name:”Table Normal”;
mso-tstyle-rowband-size:0;
mso-tstyle-colband-size:0;
mso-style-noshow:yes;
mso-style-priority:99;
mso-style-parent:””;
mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt;
mso-para-margin:0cm;
mso-para-margin-bottom:.0001pt;
mso-pagination:widow-orphan;
font-size:10.0pt;
font-family:”Calibri”,”sans-serif”;
mso-bidi-font-family:Arial;}
ميدل ايست اونلاين: عدنان الفضلي:
قد يستغرق الشاعر في ترتيب مائدة مفرداته بوليمة شعرية لا يجيد انتاجها سواه، وربما يوغل اكثر في ان يختار المدعوين لتلك المائدة على اساس ان الحاصل يكفي لان يستمتع الاخرون بما تجود به الذائقة الشعرية واللغوية، لكن دوماً لا يحق لغير المتلقي او المتناول لتلك الوليمة حق الحديث عن فضل الشاعر ومدى كرمه في العطاء.
اسوق هذه المقدمة، وقد انتهيت للتو من تناول وجبة شعرية عبر قراءة ثانية للمجموعة الشعرية الجديدة للشاعر ريسان الخزعلي والموسومة “طريقة في الغناء” والصادرة مؤخراً عن دار ميزوبوتاميا، حيث قدم لنا السخي شعرياً الخزعلي قصائد لا يستطيع ان يغنّي مفرداتها، الا من يجيد طريقة الغناء الجنوبية، تلك الطريقة التي اذا اردت ان تتعلمها فعليك ان تضعها يسار القلب، وتوشحها بأحمر الحرية.
• اغنية للماء
في قصائد ريسان الخزعلي ثمة انقلابات مستمرة على الذات، وثورات تقوم بها مفرداته على السائد والمتداول، لذلك حين تمعن في قراءة نصوصه الشعرية تجد ذلك الزخم الكبير من الصور المتداخلة، الصور التي ما ان تومض في مخيلته حتى يعمّدها بدجلة الخير، ومن ثم يبعثها لنا مضافة بطعم الطين والقصب، فهو لا ينسى ابداً انه ابن القصب ووريث الالواح السومرية، التي حتى في انتقالته الزمكانية لم يستطع مغادرة منظومتها التي بثت له وهو (الصبي الميساني)، اللحن السومري الذي يرافقه خرير الماء وهديل (حمامات الدوح) المحلقة ابداً في فضاءات جنوب الندى والحرائق.
“في مدن الجنوب / يكون النهار اوضح .. / والليل اعمق ../ والماء في المستقر الأخير”.
من هذا المنطلق بدأت اغاني الخزعلي تخترق الاسماع لتصل الى مستقر اخير عمقه ذائقة، وجنباته استرخاء يشوبه خدر، فالعمق الذي يريده الشاعر هو الانتماء الخالي من عقد التشكّل الانساني للشخصية الجنوبية، فالماء الذي في مستقره الاخير هو اللمسة الحقيقية للانسان الجنوبي الملتصق ببيئة لا تشبهها اية بيئة عراقية اخرى، ولا امتداد لها الاّ باتجاهها حتى وان شاخت ملامحها، وهاهو يؤكدها: “على عجل تركنا النهار هناك ..، / يلّوح للوجوه التي استضافت حزنها / وماعاد من حسنها غير خيط من تجاعيد .. تعلله المرأة الناحلة / وترسله مع الريح الى جنة في الصبا”.
• اغنية لليسار
وانت تعيد قراءة قصائد الخزعلي من اجل تعلم طرق الغناء تستبطن اشتغالا شعريا مسدته روحه وانامته على حجر الذاكرة، فالخزعلي الموجوع عن بكرة انتماءاته الفكرية، لا يعترف بغير هاجس لازمه وسايره وربما شاطره حتى الفراش، فهو المخبأة روحه عند يسار قلبه، لذا هو الاكثر رقة حين يثمل بذكريات الوجع، حيث الاضطهاد الموغل بالتعذيب لا ينفك يطارده حتى في لحظة الاسترخاء داخل حانة لا يدخلها الا الذين آمنو بفكر يغذي كل مسامات الصدق: “سرجون منتجع اليساريين ليلاً / ومرآة الوجوه قبل المساء .. / استدارت سمرة ..، / والغناء الذي يوصل / النهر / بالشوارع المتقاطعة”.
سرجون المكان هو ذاته سرجون الذاكرة التي تجلد ذاكرة الخزعلي، الخزعلي الشيوعي حد النخاع، لا يزال وحتى في هذيانه العشقي يستدعي طرق الغناء اليسارية، ويستغرق في رصّ المفردات الحمر على قارعة الشعر، فمن ذلك المكان تدحرجت لغة الشعر، ودحرجتها كانت الى علو، وذاك العلو هو الايحاء المبتعد عن المباشرة في صنع قلادة شعرية تليق بعنق الشيوعيين الذين عطروا امكنة الخزعلي: “كم كانت الاحلام تطيح بالسماء .. / في جمرة الكأس ../ وكم كان الطريق يضيق ..؟! / في سرجون ../ شممنا رائحة / السلمان / ..، / تلصق بالاصابع الناحلة”.
هذه واحدة من استدعاءات الخزعلي للذاكرة، لكنه في الثانية غيّر مسار حديثه وصرخ: “في سرجون ../ راودتنا رغبة في الجنون ..، / وقد كنا / صغاراً على الخمر / .. واللعبة الباسلة / غير انّا .. / فرادى الى الشنق اقتدنا .. / فرادى في السجن اودعتنا .. / وفي المنفى .. / فرادى ..، / ونصف النوم في الحلم تراسلنا”.
• غناء مواز
بجوار غناء الخزعلي ثمة غناء آخر يتمثل بالنص الموازي، وهو النص الذي يقول عنه جيرار جينت بأنه العنوان الأساس والعنوان الفرعي، فبعض النصوص وان اختلفت ثيمات اشتغالها فانها تبقى على مقربة من العنوان الرئيس، سواء كان ذلك بالمضمون او الايحاء او حتى باقتراب المعنى، والخزعلي وفي اكثر من زاوية يدسّ لنا نصاً موازياً، فيه من الاغاني ما تطرب له روح المتلقي، فهو تارة يغني لاصدقائه: “في نادي الادباء / .. / كان النادل يداهمنا / وحين يداهمنا منصتاً ..، / لغناء شجي نرتله لايام حسرتنا ../ كانت ظلالنا .. / تلوذ قرب الجدار / وكان الغناء حضورا يستضيف السماء .. / وقد تسلل القمر / يقدم البياض للبياض”.
وتارة يغني بحزن رافضاً للحروب: “الماء الذي عمّد ايامنا .. / بمسرات الطفولة / ماكان له ان يكون رصاصاً / وما كان للاماني ../ ان تكون لغة في المنام”.
حتى الامكنة التي مرّ بها الخزعلي تحولت لاغنيات يترنم بها شعرياً، فحسه العالي بجمال الامكنة واختناق ذاكرته بالصور يجعل من الشاعر مصوراً بارعاً، ومقارناً متميزاً، وتشهد له بذلك قصيدته “خواطر .. بعيداً عن السهل” التي جاء فيها:
“كنت تعبره على الخارطة .. / وها انت تعبره في السماء / ان المسافة بين البحر و(الهدّام) .. / اوسع ما تكون / والماء ابعد ما يكون”.