رمضـــــــان ذاكرة الزمان والمكان

يهلّ شهر رمضان الفضيل على ديار الإسلام، ليحمل الخير والبركات للمسلمين كافة، وليجزي الله العزيز القدير عباده الصائمين العابدين المُبتهلين خلاله خصالاً عديدة لم يعطها لأمة غير أمة المصطفى المختار. يقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ” أتاكم شهرُ رمضان خير وبركة يغشاكم الله فينزِّل فيه الرّحمة ويحطُّ الخطايا، ويستجيب الدّعاء، فأروا الله فيه من أنفسكم خيراً فإنّ الشقيَّ مَن حُرِمَ فيه رحمة الله عزَّ وجل”.
    وقد نالَ اسم رمضان والصوم العديد من الاهتمامات التي سطرها المُؤلفون العرب في مؤلفاتهم التي تركوها خلال العصور الإسلامية، لاسيما في كتب التاريخ والتراجم وفي دواوين الشعراء، وفي معاجم اللغويين والكُتّاب وأصحاب البلاغة والبيان.  وهنالك اختلاف في اسم رمضان عند علماء اللغة السمحة. فيعني الفعل رَمَضَ: الحجارة، والرَمْضَاء هي: الأرض الشديدة الحرارة من وهج الشمس. وقال النبي محمد صلى الله عليه وسلم: ” صلاة الأوّابين إذا رَمَضَتْ الفصال “، أي إذا أحرقت الرمضاء لِخِفَافِها فَبُورِكت من شدة الحرِّ. وتكون صلاة الأوّابين في وقت الضحى. وقد شاءت المصادفات أن كان الوقت حاراً عندما أرادت العرب تسمية الشهور فسميّ الشهر ذاك بشهر رمضان. ويقال رَمَضَتْ النصل، إذا دفعته بين حجرين لِيَرُّقَ، وسميَّ رمضان لأن العرب كانوا يَرْمِضُوْنَ فيه أسلحتهم استعداداً للقتال في شهر شوال الذي يسبق الأشهر الحرم. وقد أطلق رَمَضَانُ على شهر الصيام لأنه يَرْمِضُ الذنوب أي يحرقها أما عند الخليل بن أحمد الفراهيدي فإنه: مشتق من الرمضاء وهو: مَطرٌ يأتي قبل فصل الخريف.
   أما الصوم فقد اشتُقَ في العربيّة من المصدر، صامَ يصوُمُ ومن مصادره: الصيام فتقول: رجل صائم وصَوْمَان على الوصف بالمصدر، وهو ما يوصف به المذكر والمؤنث والمفرد والمثنى والجمع. ويجمع الصائم على: صُوّام وصِيّام وصُوَّم وصِيَّم وصَيامَى، وتدور جميعها حول الأصل، ففي قولنا: صامَ الرجل، امتنع وفي قول الحق تعالى على لسان مريم في سورة مريم/26 :” إنّي نَذَرْتُ للرَّحْمَنِ صَوْمَاً فَلَنْ أُكَلِّمَ اليَوْمَ إنْسِيَّا”، بمعنى امتنع، لأن المراد بالصوم بالآية المباركة هو الصمت والامتناع عن الكلام.
   إنّ لشهر الصيام طعماً يتذوقه المسلمون الصائمون طيلة أيامه الكريمات. ولهُ عند السلف الصالح في ماضي أيامه أثار عن فضائله وتفرده عن سائر شهور السنة كلها. فقال وكيع في تفسير قوله تعالى: ” كُلُوا واشْربُوا هَنِيْئاً بِمَا أَسْلَفْتُم في الأيَّام الخالية”. إنّها أيام الصوم تركوا فيها الأكل والشرب. وروي عن قتادة انه كان يقول:  “مَنْ لم يغفر له في شهر رمضان فلن يغفر له في غيره”.
   وبرز في التراث الجغرافي العربي وعبر القرون الإسلامية المتعاقبة رحالة مسلمون جابوا الآفاق ودوَّنوا بقلمهم ما وصلوا إليه من مدن وبلدان تجاوز بعضهم فيها رقعة الخلافة العربية الإسلامية، فسجلوا لنا تفاصيل عديدة عن عادات وتقاليد الحياة الاجتماعية لتلك الأقوام والمِلَل والنِحَل التي وصلوا إليها. ودوّن أولئك الرحالة الذين قصدوا جزيرة العرب ما شاهدوه من احتفالات تقام خاصة في استقبال الأشهر العربية، وحكوا في رحلاتهم للقرّاء بصور ناطقة حيّة عن احتفالات المسلمين بشهر رمضان المبارك في كلٍ من مكة المكرمة والمدينة المنورة، ونتوقف في هذا المقام عند رحالتين عربيين هما” ابن جبير، وابن بطوطة”.
    أما مادة الكتاب” رمضان ذاكرة الزمان والمكان”، الصادر عن سلسلة كتاب المجلة العربية بالسعودية، فقد عقدناه من اثني عشر فصلاً، تناولنا فيها سيرة شهر رمضان الكريم في رحاب الأدب والتراث العربيّ، حيث جاء الفصل الأول بعنوان” التهنئة بشهر رمضان” أولئك الذين هنئوا الحكام والولاة والأصدقاء بمقدم الشهر الكريم بينما عرض الفصل الثاني لـ: “رمضان مكة المكرمة في أدب الرحلات”، أعقبه الفصل الثالث للحديث عن: “رمضان دمشق والقاهرة عند الرحالة”، في حين أفردت الفصل الرابع لتناول:” المجالس الرمضانية”، والفصل الخامس عن: ” الطعام عند العرب”، أعقبه الفصل السادس الذي أشرنا فيه إلى” التراويح وفوانيس رمضان”، تلاه الفصل السابع للحديث حول:” السحور في ليالي الصيام”، كما عرضنا في الفصل الثامن لموضوع:” الحُلويّات الرمضانيّة”، وألحقته بالفصل التاسع عن” “مُفاكهات الصائمين”، أعقبه الفصل الحادي عشر للحديث حول ” شهر رمضان خليجياً”، بينما خُتمت فصول الكتاب بالفصل الثاني عشر عن” عيد الفطر السعيد”، بعدها ألحقنا  الفصول بقائمة المصادر والمراجع التي إعتمدناها من التوثيق العلميّ.

 

Facebook
Twitter