تبدأ رواية وداعا يا زكرين، الصادرة مؤخرا عن دار الآداب للكاتب الفلسطيني رشاد أبو شاور، مع انهيار الإمبراطورية العثمانية، وتتشابك أحداثها مع الاحتلال البريطاني، والتسلل الصهيوني في ظلّ هذا الانتداب الى فلسطين.
عاد أبو شاور إلى مسقط رأسه ذكرين، اسم القرية المعروف لفلاحي فلسطين، ليروي حكاية قريته في رواية تعود إلى تاريخ دام وجارح، عانى أهلها خلاله القهر والجوع والظلم في ظل الاتراك العثمانيين الذين اقتادوا شباب القرية الى الحرب فيما عرف بسفربرلك.
الكاتب يروي هذا الجزء من تاريخ قريته من خلال سرد حكاية عمه سلمان وصديقه حرب الذين عادا، ضمن من بقي على قيد الحياة بعد هزيمة العثمانيين، وبعد سنين من المعاناة والاهوال والجوع، ليتعاهدا على الحياة والموت معا ليكونا بعد سنين طويلة معا في قبر واحد. القصة تحكي الوفاء والمحبة الخالصة بين قرويين بسيطين، كل ما أراداه عيشا كريما في أرض قريتهما، بين اهلهما، يعتمدان على عملهما الشاق والممتع بين حقولهما وفي ظل أشجارهما.
على امتداد صفحات الرواية يعيش القارئ التاريخ السياسي والاجتماعي والثقافي لزكرين، كنموذج لبقية قرى جنوب فلسطين وما جرى لها في ظل العثمانيين والاستعمار البريطاني الذي تلاه وصولا إلى بداية الغزو الصهيوني لأرض فلسطين وإنشاء المستوطنات بدعم الانجليز الذين أجبروا أهل زكرين والقرى المجاورة لها على قبول “الضيوف” اليهود المهجرين الذين يريدون العيش المؤقت ليعودوا الى ديارهم بعد انتهاء الحرب، كما زعم الضابط الانكليزي بعنجهية المحتل.
الضابط يضرب بعرض الحائط هواجس أهل القرية وجوارها، واستنكارهم لفرض “ضيوف” عليهم جبرا بقوة السلاح، فتنشأ “كبانية موسى” التي يعيش سكانها من خيرات أرض فلاحي القرى، ويتدربون و يتسلحون سرا ليشاركوا عندما حان الوقت في تشريد اهل القرى المحيطة وليكونوا طليعة العصابات الصهيونية في القتل والذبح والتشريد لأهل البلاد الذين منعهم فقرهم وظلم المحتل من اقتناء السلاح، فدافعوا عن أرضهم بما تيسر لهم شراؤه من مالهم القليل.
تستفيد الرواية من السيرة والتاريخ، ولكنها تبقى رواية قلوب ومصائر، تفيض بالحب، وتتألق بالعلاقات الإنسانية العميقة، والعيش في طبيعة وادعة تبدو راكدة، ولكنها تمضي مع الحياة متشوّفة الى المعرفة، ورؤية الدنيا، تمتزج في الرواية رائحة التراب بالبرتقال بزرقة البحر، بدموع الأحبّة، ولوعتهم من الفراق.
رشاد محمود أبو شاور قاص وروائي فلسطيني من مواليد عام 1942 في قرية ذكرين قضاء الخليل، فلسطين.
انخرط في صفوف المقاومة الفلسطينية واستلم عدة مناصب في مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، عمل نائباً لرئيس تحرير مجلة الكاتب الفلسطيني الصادرة عن اتحاد الكتاب العرب والصحفيين الفلسطينيين في بيروت، وهو عضو في جمعية القصة والرواية.
ومن مؤلفاته “ذكرى الأيام الماضية” قصص 1970، “أيام الحرب والموت” رواية 1973، “بيت أخضر ذو سقف قرميدي” قصص 1974، “البكاء على صدر الحبيب” رواية 1974، “مهر البراري” قصص 1974، “الأشجار لا تنمو على الدفاتر” قصص 1975، “العشاق” رواية 1978، “عطر الياسمين” قصص للأطفال 1978، “أرض العسل” قصة للفتيان 1979، “آه يا بيروت” 1983، “الرب لم يسترح في اليوم السابع” رواية 1986، كما صدر له مجلد الأعمال القصصية عام 1999 عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، وصدر له عن دار الآداب، الى جانب “وداعا يا زكرين”، روايتي “سأرى بعينيك يا حبيبي”، و”شبابيك زينب”.