رأي – الاستلهام والدلالات لقصة يوسف في الشعرالعربي الحديثداود سلمان الشويلي

 ((عادة ننطلق

من العقل

أما باتجاه الجنون

أو باتجاه الأسطورة

أي تعدد المعاني

لهذا السبب

نحتاج لأن نتذكر

أنما يتجدد

الوضوح)).

في هذه القصيدة  ( معاناة المعصوم ) يحتفي الشاعر هاشم معتوق بدور العقل الذي يتجه باتجاهين لا ثالث لهما عندما يريد ان يعمل ، اما باتجاه الجنون ، حيث يفقد اتصاله بالواقع المعاش ، ويفتح امامنا باب اللامعقول ، او ان ياخذ طريقا اخر ، وهو طريق المخيلة التي تصور له الاسطورة بناء سويا له معان عديدة يجب اتخاذ احدهما اسلوبا وطريقا في الحياة ، وهو كذلك يفتح طريق اللامعقول ايضا ، ونحن هنا في هذه السطور سنفحص هذا العقل في اتجاهه نحو الاسطورة .

الرمز في الكثير من الاحيان يفهم من قبل المنتج او المتلقي على انه غموض في النص ، فيما ان الغموض ليس معناه الابتعاد عن الوضوح في التعبير عن التجربة الحسية والشعورية والمعنوية ، وانما هو معناه تكثيف الصورة الشعرية من خلال استخدام وسائل كثيرة اهمها او احدها هو استخدام الاىسطورة في نقل التجربة تلك .

الاسطورة في تعريف بسيط لها ، هي : (( تعبير ادبي عن انشطة الانسان القديم الذي لم يكن قد طور بعد اسلوباً للكتابة التاريخية يعينه على تسجيل احداث يومه ، فكانت الاسطورة هي الوعاء الذي وضع فيه خلاصة فكره)). (راجع : الاسطورة والتاريخ في التراث الشرقي القديم – د . محمد خليفه حسن احمد –  دار الشؤون الثقافية العامة – 1988 – ص 23 ).

    كثيرا ما اعجبتني قصة يوسف – كقصة – منذ صغري، عندما كنت استمع اليها بصوت قاريء القرآن، ان كان ذلك في مجالس العزاء الحسينية ، او كان ذلك في مجالس الفاتحة ، حتى بتنا انا واترابي وقتذاك نتفكه بالطريفة التي تذكر: ان شخصا غريبا زار مدينتنا الجنوبية في شهر محرم الحرام (عاشوراء) واندهش من كثرة مجالس العزاء (الحسينية)، اذ كانت اغلب المجالس تلك – وقبل بدء الملا ( قاريء التعزية) بقراءة التعزية – يُتلى فيها القرآن ، وكانت السورة القرآنية التي تُتلى عادة (بواسطة آلة التسجيل) هي سورة يوسف ، وقيل ان هذا الشخص عندما عاد لمدينته سأله معارفه عما رآى في سفرته لمدينتنا ، فقال لهم: ان اهالي المدينة نصبوا مجالس عزاء كثيرة على طفل صغير قد اكله الذئب.(راجع كتابنا : تجليات الاسطورة – قصة يوسف بين النص الاسطوري والنص الديني – منشور على مواقع الانترنيت). 

 ثم بدأ جيلنا يختصر القصة على انها قصة طفل ضاع من عائلته و عثروا عليه بعد سنوات.

هذه قصة يوسف التي عرفناها في فترة الصبا ، وهي اسطورة وقصة ، حيث ذكرت في التوراة والتلمود والقران ، فيما راحت قبل الاسلام تتداول في الجزيرة العربية وما حولها كأسطورة تزجى بها مجالس ليالي الصحراء الطويلة.

تذكر القصة القرآنية التي اساسها مذكور في التوراة والتلمود اليهوديتين ، يوسف انه كان صبيا يعيش مع عائلته ، يرى في المنام أحد عشر كوكبا والشمس والقمر يسجدون له ، فيقص حلمه على والده ، فيقول له والده: يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا .

لقصة يوسف نكهة خاصة لكل من قرأها في القران بالنسبة للاجيال التي جاءت بعد ورودها فيه ، اما قبل ذلك ، فانا على يقين تام بأنها كانت تجد صدى في نفوس عرب الجزيرة ، او العرب الذين سمعوا بالقصة من خلال التوراة او ( التلمود) التي سطرت فيهما، او سمعوا بملحمة جاجامش السومرية ، وهذه النكهة متأتية مما تقدمه القصة من موتيفات كثيرة تهم الناس ، مثل الحسد ، والغرام ، والحلم ، والمؤامرة ، وغير ذلك من الموتيفات التي حفلت بها الاسطورة / القصة ، وقد ادعى الخوارج ( طائفتي العجاردة والميمونية )  انها ليست من القرآن ، وذلك لان القرآن كان جديا في كل شيء ، وقصة يوسف ضمت قصص الحب والعشق والهيام.

واستخدمت مثل هذه الموتيفات الاسطورية في الشعر ، بطرق عدة ومختلفة ، وفيه – ايضا – يجري تحويلها وتحويرها لتعبر عن مغزى معين ، فراح الشعراء يعيدونها بعد ان ينتجوها ، وهي تختلف عما جاءت به في النص الاصلي .

مهما تكررت موضوعات الشعر المستند على هذه الاسطورة / القصة ، وما ترمز له ، رغم صعوبتها ، يبقى هناك جديدا في الانتاج الشعري ، في الرؤى والصور الشعرية والتناول ، لانها قصة لا تستهلك نفسها ، بل تجدد موضوعاتها في كل يوم .

تقسم القصة حسب تناولها شعريا الى مجموعة من الموتيفات التي يتخذها الشعر الحديث كرموز، حيث ان كل موتيفة تجد نفسها قد لبست لبوس القصيدة المكتملة – لا اقصد من حيث طولها – لان شاعر تلك القصيدة رأى ان هذه الموتيفة كافية لان تخدم غرضه الشعري ، وايضا انه وجد ان القصيدة بهذا الطول كافية لان توصل المعنى الذي رغب الى المتلقي .

يمكن تقسيم الشعر الذي ستتناوله هذه الدراسة الى مجموعة من الاقسام ، وكل قسم مسؤول في تناوله عن واحدة او اكثر من موتيفات القصة الاصلية .

هذه الموضوعات التي ناقشتها في كتابي ( تجليات الاسطورة – قصة يوسف بين النص الاسطوري والنص الديني  ) ما زالت عامرة بين الناس ، تدور بينهم حيث توجد علاقات اجتماعية تربطهم ، مهما كان نوعها ، تفضي في الكثير من الاحيان الى مثل هذه الامور.

إذ تستدعي النصوص الشعرية الى ذاكرة المتلقي العراقي والعربي ايضا ، احوال شعب العراق ( والشعب العربي ) والمآسي التي وقعت عليه منذ الحصار الظالم عام 1991 وحتى يوم كتابة كل قصيدة من هذه القصائد بعد عام 2003 – تستدعي – قصة / اسطورة يوسف ( التوراتية والقرآنية )  وما حدث ليوسف جراء موقف اخوته منه كأساس لمواقف اخرى .

والذاكرة الانسانية هي الاخرى تستدعي هذه القصة / الاسطورة في تجلياتها العديدة التي صيغت بها ، عندما تحدث امور غير صحيحة بين الاخوة والاشقاء ، وحتى الاصدقاء ، ليس فقط العلاقة العدائية ، وانما يستدعيها الحسد الواقع بينهما ، ويستدعيها كذلك وصول هذا الابن الى درجات عليا من الرقي ، فيما اخوته ينزلون الى الحضيض ، وتستدعيها الخيانة الزوجية ، والوقوع في عشق الاخر ، والتآمر عليه ، وكل هذه الاستدعاءات ترمز الى امر ما .

القصة / الاسطورة الاصل تقدم معادلة غير سوية في احد طرفيها شخص قد انصفته هذه القصة / الاسطورة ، وفي الطرف الثاني هناك من يسعى وراء الحضوة والمجد الزائف ، يحوكون المؤامرات الواحدة تلو الاخرى ، ان كانوا افرادا او جماعات ، علهم يستطيعوا الايقاع به.

في هذه الدراسة سنقدم مجموعة من الموتيفات المستلهمة من اسطورة / قصة يوسف واستخدامها كرمز في الشعر العربي .

***

ان اسطورة / قصة يوسف الاصلية – ان كانت في التوراة او التلمود او القرآن – تنبني على ثنائية الشخصية ، هما :  يوسف وابيه الذي قص عليه حلمه ، والذي حزن وابيضت عيناه على فقده ، وعلى يوسف والاخوة ، ويوسف والذئب الذي اتهم بافتراسة حيث يتحمل الذئب وزر ذلك ، وبعدها يوسف وامرأة العزيز ، ويوسف والسجينان ، وكل ثنائية من هذه الثنائيات تؤسس موتيفة معينة تبنى عليها القصيدة موضوعاتها ، فترمز القصيدة المعتمدة عليها الى امر ما.

هذا الرأي هو المقدمة التي بدأت بها دراستي (قصةيوسففيالشعرالعربيالحديث  … الاستلهاموالدلالات) والتي نشرت في مجلة (الثقافي).

Facebook
Twitter