ذلك العضو الناطق


عالية محمد حسن

لسانك هذا العضو الصغير بضعفه وموقعه يدير شؤون الانسان غالبا ويقضي له المهم من اموره وليس الغرض منه شكله الخاص فأن ذلك موجود في سائر الحيوانات الصامتة .ان قوة البيان وفصاحة اللسان ، وحسن المنطق ، والقدرة على التأثير في السامع مع رجاحة العقل تكسب الانسان شخصية ، وتجعل له منزلة بين سامعيه ، واننا لا نريد بالفصاحة الثرثرة والتشدق ، والتوعر في الكلام ، كما لا نريد بها ان يزيد كلام الانسان على عقله ، بل نريد حسن التعبير عما في النفس ، وقوة التأثير في المستمع ، والتكلم من غير تهيب او تخوف بحيث يكون الكلام حلوا رشيقا ، سهلا عذبا مؤثرا .اما العي والحصر واللجلجة والتمتمة والفأفأة وكثرة التردد في القول والخجل في اثناء التكلم فتقلل من تأثير الشخص في سامعيه وما اجمل الكلمة الصائبة في اللحظة المناسبة . وكما ينبغي حسن التكلم والخطاب كذلك ينبغي حسن الاصغاء والاستماع للمتكلم . وقد تكون لدينا الافكار السامية ولكننا نحتاج الى شجاعة في اظهارها حتى ينتفع بها غيرنا. فالغرض اذن هو الآله الربانية التي يقع فيها الأفصاح الالهي فتتحرك بحركة خاصة حسب يقصده من اغراضه وشؤونه وهذه هي النعمة الكبرى التي اختص بها الأنسان عن سائر المخلوقات وليس لهذا اللسان غاية ينتهي اليها ولا حد يقف عنده بل هو رحب البيان واسع المجال كما قال فيه الأمام علي /ع ( الا ان اللسان بضعة من الانسان فلا يسعده القول اذا امتنع ولا يمهله النطق اذا اتسع ) يشير/ع ان الانسان تارة يسعد بالنطق لسعة ذهنه واخرى يمتنع عليه لقصور ذهنه . وهناك ثالث وهو الرجل الثرثار اي كثير الكلام بلا قانون اوحد يسيرعليه فهو صادر عن عيب في الدفاع او تربية فاسدة .
فالرجل الكامل هو الذي يتمكن من ان يحفظ لسانه عن الزيادات التافهة والسقطات المملة فلا لسانه الا عند الحاجة والضرورة : قال الامام علي /ع (وليحزن الرجل لسانه فأن هذا اللسان جموح بصاحبه والله ما ارى عبدا يتقي تقوى تقعه حتى يخزن لسانه وان لسان المؤمن من وراء قلبه وان قلب المنافق من وراء لسانه لان المؤمن اذا اراد ان يتكلم بكلام تدبره في نفسه فأن كان خيرا ابداه وان كان شرا واراه وان المنافق يتكلم ما اتى على لسانه لا يدري ماذا له وماذا عليه . وذلك لان المؤمن هو الذي يمثل باعماله جميع ما جاءت به الشريعة المقدسة وقد كان من ذلك قول النبي ((ص)) (لا يستقيم ايمان عبد حتى يستقيم قلبه ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه ) ولا معنى للاستقامة الا ان يكف الانسان لسانه عن الغيبة والنميمة والفحش والكذب وغير ذلك من الامور المحرمة فانها غالبا لا تتحقق الا باللسان فكان ترك هذه الامور محققا لاستقامة الايمان فبهذا كان المؤمن لسانه وراء قلبه .
واما المنافق فهو الذي يدور حول غاياته الشخصية فلا يبالي بما قيل ان كان من نبي مرسل او حكيم صادق فهو لا ينظر لكلامه ان قل او كثر بل ينظر الى ماتهوى اليه نفسه ولذا كان قلبه وراء لسانه فكان موردا للذم ومصدقا للرذالة والسقوط .. هذا وربما يصادف ان العاقل يفوه ببعض الكلمات البذية الساقطة فيتأثر منه الانسان وينفر . ولكن لا عجب في ذلك فان فلتات اللسان كثيرة جدا لا يسلم منها الا من عصم من الزلات .ومن اجل ذلك حثت العلماء والحكماء على الصمت وذكرت محاسنه شعرا ونثرا ومما جاء قولهم ( لو كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب ) وقوله ((ع)) (اللسان سبع ان خلي عنه عقر ) اي لا بد من تقييده بالصمت وقوله ((ع)) (هانت عليه نفسه من امر عليه لسانه).
ان الانسان متى ترك العنان لمقوله ولم يقيده بالصمت جر الهوان والويل لصاحبه .. هذا وليس المراد بالصمت ان يكف الانسان لسانه ولو عن الحق او الأمر بالمعروف او غير ذلك من الامور التي فيها الفائدة والاصلاح بل المراد منه هو ان يكفه عن الامور الزائدة كما مرت اليه الاشارة . اما التكلم بما فيه الفائدة والنفع والصلاح والاصلاح فان ذلك قد حث عليه .
ان الانسان الكامل هو الذي يتمسك بالحالة الوسطى من هذه الامور اي لا يكون جامدا مقتصرا على السكوت فحسب ولا يكون مبذارا متشدقا في كلامه يريد ان يظهر لنفسه الاخلاق والكمالات بكل ما يقدر عليه فاذا تكلم احد ولو بكلام عادي تراه لا ينظر الا الى السقطات من كلامه كخلل نحوي او خطأ لغوي ، او سوء في التعبير   او غير ذلك من الجهات الكثيرة .
وفي الحقيقة ان هذا انما ينشأ عن تولد الاخلاق الفاسدة في الشخص كالانانية ، والحسد وحب الجاه . والتعزز بالفضل وغيرها

Facebook
Twitter