حمزة مصطفى
ظهرت عندنا معزوفة مؤخراً أستطيع وصفها بكل جدارة بأنها معزوفة مشروخة وهي أن التظاهر حق مكفول دستورياً. وطبقاً لهذه المعزوفة التي بتنا نسمعها ليل نهار هذه الأيام فإن من حق المواطنين التظاهر ليل نهار إذا شاءوا طالما انهم لم يخالفوا الدستور وليس أيام الجمع فقط على الطريقة المصرية. وطبقا لهذه المعزوفة المشروخة أيضاً فإن وضعنا يختلف عن وضع الآخرين. فنحن إستناداً لهذه المعزوفة المشروخة ليس لدينا مشكلة توريث. ودستورنا الذي نال رضى الغالبية من الشعب العراقي طبقاً للمعزوفة المشروخة لايمنح رئيس الجمهورية الأستمرار بالسلطة مدى الحياة. وتريد المعزوفة المشروخة أن تقول لنا أن جميع أبناء الطبقة السياسية وصلوا الى السلطة عبر صناديق الاقتراع. كما تريد المعزوفة المشروخة أن “تخش بعيوننا” قائلة أن الأخوة المتظاهرين ـ ماعدا المندسين طبعا وهذه إسطوانة مشروخة أخرى ـ يستطيعون بكل سهولة أن يسقطوا نظامنا الديمقراطي ولكن عبر الآليات الدستورية. الطبقة السياسية هنا تريد أن تتذاكى على الجمهور الذي تحدى الأرهاب والأرهابيين وبالمناسبة هذه أيضاً إسطوانة ولكنها هذه المرة ليست مشروخة وتقول أنها جاءت عبر الأنتخابات ومن يريد أن يغيرها فأمامه السنوات الأربع القادمة وبإمكانه دخول الأنتخابات التي تجري بكل نزاهة وشفافية. الطبقة السياسية إذن تشجع الجمهور على تحدي الأرهاب والأرهابيين والتوجه الى صناديق الأقتراع بصرف النظر عن الضحايا الذين سوف يسقطون جراء الأحزمة الناسفة والعبوات اللاصقة والسيارات الأنتحارية .. هنا الأمر يختلف حيث تصبح الحكاية حكاية تضحيات من أجل الوطن والبناء والنهوض وما أتعس الامة التي ليس فيها شهداء كما قال تلميذ غاليلو. ولكن الطبقة السياسية ذاتها ما أن تسمع بتظاهرة حتى “تدق اليتيمة” للمواطن الكريم من قبيل نحن نخشى عليك من الأرهاب والأرهابيين. وهي لاتكتفي بذلك بل تنصح المواطن الكريم عدم التظاهر في أوقات معينة بالرغم من أن التظاهر من حقوقه التي كفلها الدستور ودجاج الكفيل. ولأن التظاهر مكفول دستوريا ودجاجيا فإنها تعطي لنفسها كل الحق في أن تنشر نصف قوات حلف الأطلسي من الجيش والشرطة لحماية المظاهرات الالفية وفي بعض الأحيان “العشراتية” .. ألأتقول بعض الوكالات خرج عشرات المتظاهرين في هذا المكان او ذاك مطالبين بحقوقهم؟. أخوان مفهوم التظاهرات في العالم لايعني ان يخرج الناس عن بكرة ابيهم وامهم وجيرانهم.. اعتصام مواطن واحد في بلد يحترم الحريات ويكفلها مثلما يكفل دجاج الكفيل سلامة الدجاجة من الذبح السليم فانه يمكن ان يؤدي الى ما تحمد عقباه في تلك البلدان وليس بالضرورة ما لاتحمد. أعود الى حكاية الديمقراطية والأنتخابات النزيهة والآليات الدستورية وهذه كلها لاغبار عليها لكن من حيث المبدأ فقط. وهنا لابد من طرح سؤال هام وهو .. هل أن كل إنتخابات نزيهة تعني أنها سليمة؟ ربما هناك من يطرح سؤالا مضاداً وهو ماذا تسميها اذن أو ماذا تريد أن تقول طالما أن النزيهة ليست سليمة؟ اعتقد ان مشكلة الشارع العراقي تكمن في عدم وجود موجهات صحيحة للراي العام والسبب في ذلك عدم وجود مؤسسات وقوى ضغط ذات طابع مدني فضلا عن ان مفهوم حرية الصحافة والاعلام لدينا مكفول و”كبل”. فنحن لنا الحق في ان نصدر 90 صحيفة لاصحيفة واحدة و50 فضائية لا فضائية واحدة. ولكن ماهي الفائدة طالما ان معظم هذه الصحف والفضائيات لاهي مهنية على وجه ولامحترفة على وجه. والغالبية العظمى منها اما حزبية فاشلة او ترقص على انغام الممول وفي كل الاحوال هي اما مع الحكومة ظالمة ام مظلومة او ضدها ظالمة ام مظلومة. وبالتالي فانها غير قادرة على التوجيه بشكل سليم وهو ما جعل الطبقة السياسية الحالية على قناعة تامة بان الشارع معها. ولعل السيد رئيس الوزراء نوري المالكي كان محقا من وجهة نظره على الاقل عندما قارن بين اعداد المتظاهرين الذين لايتجاوزون بضعة الاف بينما حصل هو على 650 الف صوت في بغداد فقط؟ وربما الأمر نفسه ينطبق على رئيس البرلمان اسامة النجيفي وشقيقه أثيل محافظ نينوى الذي رفض طلب رئيس الوزراء بإستقالته لأنه منتخب من نصف مليون؟ الدكتاترة علاوي والهاشمي والجعفري ممن حصلوا على مئات الآف الأصوات أيضا؟ الأمر بالنسبة لهم تفويض من قبل الشعب وهو أمر صحيح لكن من الناحية المبدأية فقط. فلو ارتكزنا على مجرد الانتخابات ونزاهتها فإن هتلر وصل هو الاخر طبعا مع عدم التشابيه بين هتلر وجماعتنا فؤهلاء وطنيون ومسالمون مهما اختلفنا معهم ولكن اذا كان الحديث يجري عن نزاهة الانتخابات فهو وصل الى زعامة الرايخ الألماني عبر انتخابات حرة ولكنه لم يكتف بتدمير المانيا بل دمر العالم كله. ولاشك أن كل من إنتخبه ندم الى يوم الدين. نتمنى أن تكون التظاهرات التي تجري في بلادنا الآن جرس إنذار لأبناء طبقتنا السياسية ممن مازالوا يرون انهم يملكون الشرعية الكاملة بصرف النظر عما يقوله زيد او فاخر “المفروض عمر” عسى أن يقتنعوا أن كون الأنتخابات نزيهة لاتعني سليمة لاسباب كثيرة لم يعد مجال المقال يتسع لها .. إذا شئتم نناقشها في مقال آخر أو إذا تريدون يمكن أن نعود الى حكاية .. الأسطوانة المشروخة مرة اخرى.