دكة لجواد الشكرجي علي السوداني

مُتعبٌ قلبك الليلة أيها الدرويش ، مثل شقيقك مهرّج السيرك الذي انزرعت عيناه في بطنهِ، كي لا ترى الناس منازل دمعاته الساخنات. يوزّع المهرج الضحاك نظراته النعسانة على جمهور الصالة ، فيسمع صفيراً وطرقاً بالأرجل فوق البلاط . يقترحُ المكلوم المهدود الحيل والحيلة، على النظارة سلة حكايات مستلات من دفتر الوجع، فتهبُّ عليه عاصفة من العياط المعمول من حروف قاسيات مخجلات . يقول لهم إنّ بغداد الآن مريضةٌ ، فلنبكِ معها ونواسيها ونجبر خاطرها المكسور، فيجيبه الحشد الهائج أنهم دفعوا سعر تذاكر للضحك وليس للوجع .
يرنُّ هاتفه المشيول فوق مؤخرته، ويأتيه النبأ اليقين بأنّ أمّه قد ماتت، فيشهق ويمنح صوته المخنوق للجمهور ويعتذر عن تقديم وصلة الضحك. تزداد هستيريا الصياح لدى كائنات القاعة، ويخرج عليه واحدٌ منهم ويصفعه بجملة أنّ المرأة التي ماتت الآن هي أمّك وليست أم أيّ واحدٍ منّا، فإن أردتَ البكاء عليها، فإفعلْ لكن بعد أن تقدم لنا حصتنا المقسومة من الضحك . يتشاطر المسكين ويعلن ببقايا ثقةٍ أنه الليلة سيغنّي لهم سلّة مقامات من بيبان الصبا والنوى واللامي والمدمي والدشت والرست ، فتعجّ الصالة بالقهقهات الهازئات الشامتات ، وتنطّ عليه واحدةٌ مكسورة قواطع أسنانها الصفر، وتخرج بوجهه لسانها الطويل فتصير القاعة ضحكة عملاقة. يستحضر المهرج المجروح وجهَ امّه ، ويتحول من موضع التوسل إلى موضع الهجوم، ويطلق حنجرته القوية بتنويمة دللّول يالولد يا ابني دللول ، لكن هذا الشجن المميت لم يبدّل شيئاً في عناد الجمهور ، فتقوم شلةٌ منهم وتزحف صوب دكة المسرح وتخلع أحذيتها وتقصف بها جسد البهلوان. من عمق المسرح، يأتي راكضاً مالك الصالة دافعاً قدامه كرشه الشاسع، وبلغة مهزومة يطلب من الجمهور الهدوء ، لكنه يتلقى موجة جديدة من القنادر التي تناثرت على كلّ وجه الخشبة ، مثل حامض حلو أخير السنة.
مرج وهرجٌ ودبقٌ وعرقٌ وغبار، وصعّادات نارية تنبش أثاث الدكة. ألمهرج قائمٌ على طوله مثل رقم واحد . منسوب الكراهية يصعد إلى قمة اليافوخ وينتجُ واحداً غاضباً يرتقي كتف صاحبه الواقف في خاصرة الصالة . يصوّب الغاضب مسدسه نحو المهرج النابت على مرقاتهِ ويطلق طلقةً تنزل على عتبة قلب البهلوان ذي الخشم الأحمر . يتحايل المهرج على ألمه، وقبل أن يسقط، يطلق بوجه الجمهور ضحكة متصلة تشبه قنبلة مدفع .
تنزل الستارة ببطء شديد مزفوفةً بضحك الجمهور، ثم ترتفع ثانيةً على منظر جديد.
منظر بلادٍ يبدو أنّ ستارتها ستبقى لصق السقف، وجمهورٍ غير مكترث.

 

Facebook
Twitter