صاحب الامتياز
رئيس التحرير
عبدالرضا الحميد

خفايا انقلاب 30 تموز 1968 — القسم الاولهادي حسن عليوي

البكر يعرض 150 الف دينار على ضابط كبير للمشاركة في الانقلاب

 

 

اعتبر حزب البعث إن عبد الرزاق النايف اندس الى ثورتهم.. وان إبراهيم الداوود حنث اليمين الذي اقسمه أمام البكر واخبر زميله النايف بموعد العملية.. واتهام الأخير بالعمالة للأجنبي.. فكان لابد من عزلهما وتنظيف الثورة من العملاء والمندسين.. كما أشار بيان البكر عصر يوم الثلاثين من تموز 1968..
ويشرح القيادي في البعث صلاح عمر العلي والمعارض لثورته لاحقاً هذه الإحداث.. خلال مقابلته لجريدة الحياة التي تصدر في لندن في عددها المرقم 14593 الصادر في 8 / 3 / 2003.. حيث يقول: (إن احمد حسن البكر وبعد كسبه إبراهيم الداوود (آمر الحرس الجمهوري).. أخضعه البكر للقسم بان لا يخبر صديقه الحميم وشريكه في حماية سلطة عبد الرحمن عارف السيد عبد الرزاق النايف (مدير الاستخبارات العسكرية) بالعملية بالاتفاق الذي تم مع البكر).. ويضيف العلي قائلاً: (إلا إن الداوود خرق القسم واخبر زميله النايف بموعد العملية).. ويكمل العلي حديثه: (وفي ليلة 16 تموز وبعد إبلاغ الجهاز الحزبي المكلف بالاستعداد وإخراج الأسلحة والملابس العسكرية عقد اجتماع لقيادة الحزب في الثامنة مساء في بيت البكر لوضع اللمسات النهائية بانتظار ساعة التنفيذ.. وعند الساعة الثانية والنصف.. وفجأة طرق الباب وفتح البكر الباب.. وعاد حاملاً ورقة صغيرة حملها ملازم يعمل مرافقاً للنايف.. وهو بعثي دون أن يعلم رئيسه عبد الرزاق النايف ذلك.. والذي جاء في رسالته (لديً معلومات إنكم ستقومون هذه الليلة بالعملية أضمُ صوتي الى صوتكم وأنا معكم جاهز لتنفيذ أية مهمة وتوكلوا على الله).
وبعد مناقشة طويلة لكل الاحتمالات كما يقول العلي قرر المجتمعون السير في التنفيذ.. وبعثنا الى عبد الرزاق النايف بالجواب الآتي: (تعمدنا عن قصد عدم إبلاغك.. والسبب وجودك في موقع حساس وخوفنا عليك.. إننا ابلغنا الأخ إبراهيم الداوود كي لا نبلغك مباشرة تجنباً للإحراج.. واعتبرنا إن هذه الطريقة هي الأجدى والأنفع.. وكنا نعرف انه سيبلغكً.. لقد اتخذنا قرارنا بالسير في العملية.. وستكون رئيسا لوزراء العراق إذا وفقنا الله
( يجدر بالذكر إن حامل الرسالة هو الملازم احمد مولود مخلص.. وقد عينه النايف مرافقاً له بحكم التحالف القائم بين النايف والبعث.. كما يقول النايف).
ـ علق إبراهيم الداوود على هذا الاتهام عندما التقته الجريدة نفسها بعد تسفيره بقوله: (اغدر واكذب.. لقد كان النايف يجتمع بهم أكثر من اجتماعاتي معهم.. وكان هو الذي يبلغني بما يتم الاتفاق بين البكر وحردان التكريتي وصالح مهدي عماش.. ثم كان البكر يزود النايف بقوائم الضباط البعثيين كي يقوم بنقلهم الى قطاعات قريبة من بغداد).. ويتساءل الداوود: ومن قام بتحريك لواء حماد شهاب المدرع العاشر من كركوك الى الرمادي قبل الحركة بشهرين؟.. يجيب الداوود: طبعاً النايف وبناء على طلب البكر نفسه.. وهو ما اعترف به.. كذلك من سلم
النايف قوائم بأماكن أوكار البعث المضاد (اليسار) وأسماء ملاكه ليتم اعتقالهم.. ويضيف الداوود قائلاً: (لقد كان النايف مصيباً عندما رفض التعاون مع البعثيين.. وحذرني من غدرهم.. لكن سامح الله حردان الذي ضغط عليّ لإقناع النايف بالتعاون معهم).
ـ وعن غدر البعثيين بحلفائهم ورفاقهم يتحدث اللواء الركن سعيد الصليبي (آمر موقع بغداد) بأنه زار اللواء الركن الطيار عارف عبد الرزق (قومي ناصري) الذي كان قد اعتقل بعد محاولته الانقلابية الفاشلة ضد عبد الرحمن عارف العام 1966.. وعرض صليبي عليه فكرة التعاون معه ومع البعثيين (جماعة البكر) للقيام بانقلاب ضد عبد الرحمن عارف قبل عودته الى العراق وطلب منه عارف عبد الرزاق إعطاءه بعض الوقت لاستشارة جماعته في التنظيم القومي.. لكن صليبي أكد له إن الوقت لا يحتمل الانتظار لان زيارة عبد الرحمن عارف لإيران لن تدوم طويلاً.. وأكد له إن البعثيين غدارون وانه (أي صليبي ) يريد قوة تدعمه توازي قوتهم.. وقرر صليبي أن يعود لعارف عبد الرزاق في اليوم الثاني.. لكنه لم يعد !! ..
وكان مع عارف عبد الرزاق في المعتقل العديد من كوادر تنظيمه القومي الناصري ومنهم صبحي عبد الحميد.. وفي لقاء ليً (أنا كاتب هذه الدراسة) مع صبحي عبد الحميد في العام 2005.. قال ليَ: (سألني عارف عبدالرزاق في الموضوع.. فقلتُ له: (إذا كان البكر سيصبح رئيساً للجمهورية وسعيد صليبي رئيساً للوزراء.. فهذا يعني إننا سندعم البعث الذي سيستغل الصليبي ويستغلنا.. ثم يرفسنا بعد ذلك ونفقد سمعتنا).
المهم إن سعيد الصليبي لم يأت في اليوم الثاني.. وعندما سأله عارف عبد الرزاق بعد ذلك عن سبب عدم عودته قال: انه لم ينم تلك الليلة وتوقع أن يغدر البعثيون بالجميع وانه أخبر البكر عن عدم استعداده للتعاون معه.. وفي 30 تموز 1968 بعد أن أقصى البعثيون عبد الرزاق النايف.. كان سعيد الصليبي في لندن والتقاه صبحي عبد الحميد.. ويقول صبحي قال ليً صليبي بأنه وعارف عبد الرزاق كانا على حق حين قررتم عدم التعاون مع البعثيين ..
ـ إن موضوع غدر البعثيين بحلفائهم صار معروفاً لدى أوساط كبار العسكريين والسياسيين آنذاك.. حتى إن اللواء الركن بشير الطالب الملحق العسكري في بيروت عند سماعه بنبأ الانقلاب قال: (لقد كنتُ أعرف إن ذاك سيحصل.. فقد فاتحني البكر عندما كنتُ قائداً لقوات القصر الجمهوري.. طالباً مني التعاون معه للقيام بانقلاب.. وكان معه صالح مهدي عماش ووعد أن يدفع ليً (150) ألف دينار واختيار المنصب الذي أريده عدا رئاسة الجمهورية).. ويضيف الطالب قائلاً: انه لمحَ البكر وهو “يغمز” بعينه لعماش إثناء الحديث.. فتوجس خيفة من التعاون معهما.. واخبرهما إن الداوود والنايف أقدر على تنفيذ ذلك منه وانه سينسحب لفسح المجال لهما).. ويضيف بشير الطالب قائلاً: (إنني حاولتُ بشتى الطرق التأثير على الرئيس عبد الرحمن عارف لنقلي ملحقاً عسكرياً في بيروت.. حيث إن الملحق شكيب ألفضلي قد انتهت مدته ونجحتُ في مساعي ).. وأكد الطالب انه لم يبلغ عبد الرحمن عارف بما جرى مع البكر ..
ويذكر الملحق الثقافي في بيروت: (إن بشير الطالب استدعيً الى بغداد في 30 تموز 1968.. وفي المطار أخبره قائد الطائرة المقبلة من بغداد: بان الوضع غير طبيعي وهناك تحركات دبابات.. إلا إن الطالب سافر الى بغداد.. ويقول عجاج الحمد )عديل البكر): (إن بشير الطالب زار القصر الجمهوري.. وهو يشتم النايف والداود لانهما حاولا الانقلاب على البكر.. وكانت هذه محاولة من الطالب لإنقاذ نفسه).
ويبدو إن البكر كافأه لعدم إبلاغ عارف بما دار بينهما.. حيث سمح له بالعودة الى بيروت.. ثم تعيينه سفيراً في ليبيا.. لكن صدام قتله هو وابنه فيما بعد !! ..
التنافس والخلافات :
ـ الواقع إن التنافس بين الطرفين والخلافات بدأت قبل قيام الانقلاب.. فقد حاول البكر إقامة نظام رئاسي أي أن يكون رئيسا للجمهورية ورئيساً للوزراء لكنه فشل في ذلك.. ثم حاول السيطرة على قوة الجيش لكنه فشل أيضاً.. حيث أصرً الداوود أن يكون هو القائد العام للقوات المسلحة.. وأخيراً أصبح الداوود وزيراً للدفاع ..
وحاول البعثيون تعويض ذلك فاكتفوا بمنصب رئيس أركان الجيش وقيادة سلاح الجو وشغل المنصبين كليهما حردان التكريتي.. ووافق الداوود لأنه تربطه بحردان علاقة حميمة.. كذلك السيطرة على قوى الأمن الداخلية بتعيين صالح مهدي عماش وزيراً للداخلية ..
ـ ومن الخلافات المهمة الأخرى بين البكر والنايف انه في اليوم الأول للانقلاب “17 تموز” عمد البكر وعماش الى إعادة 117 ضابطاً بعثياً مسرحاً الى الجيش دون يصدر مجلس قيادة الثورة قرارا بذلك.. فيما كانت كتلة النايف – الداوود تطالبهم بتسريحهم من جديد ..
ـ كما لم يحصل البعثيون ومؤيدوهم سوى ثمانية مناصب وزارية من أصل ستة وعشرين وزارة.. وبدأ البعثيون التحضير للخطوة الثانية وذلك بإبعاد النايف والداوود عن مراكز قوتهما.. فانتقل الداوود لوزارة الدفاع تاركاً قطعات القصر الجمهوري تحت إشراف سعدون غيدان الذي كسبه البعثيون.. وانتقل النايف من دائرة الاستخبارات الى بناية المجلس الوطني رئيساً للوزراء.. حيث أغرقهما البكر بالمسؤوليات منذ اليوم الأول ..
أما البكر (فكان يترك اجتماعات مجلس الوزراء بعد افتتاح الجلسة).. كما ورد في مذكرات الدكتور ناصر الحاني وزير خارجية الانقلاب.. وانشغل البكر في تهيئة ضباطه وأنصاره ليوم 30 تموز ..

 

Facebook
Twitter