خطوات ليبية تونسية عملاقة نحو مرافئ الوحدة

ما يجمع بين تونس وليبيا أصيل ونبيل وجليل، فالبلد واحد والشعب واحد واللغة واحدة والدم واحد والأحلام والطموحات واحدة والأرض واحدة والنبت حيث يينع ويزهر ويثمر يعم خيره من الكاف إلى غات ومن قفصة إلى طبرق ومن غار الدماء إلى السلوم.
والتاريخ المشترك في محطاته المختلفة من ليبية قديمة وفينيقية ورومانية وعربية إسلامية وفاطمية وغيرها، ومن نضال مشترك ودماء مختلطة، يؤكد أن الانعزاليين المراهنين على القطرية الضيقة كانوا دائما الخاسرين، أما أصحاب المبادئ والقيم الوحدوية فقد كانوا المنتصرين على الدوام، يجمعون ولا يفرقون، يقربون ولا يبعدون، يصونون ولا يبددون، يحمون الذاكرة الواحدة كما يحمون الحاضر والمستقبل.
وما تم الإعلان عنه يوم الجمعة الاسبق من خطوات وحدوية واندماجية عملاقة بين تونس وليبيا، جاء بشارة للملايين ممن يؤمنون بأن لا بديل للأخ عن أخيه ولا للشقيق عن شقيقه، وجاء داعما لثوابت سياسية واجتماعية وحضارية، هي بمثابة الروابط التي تأبى الانفصام، ومعبرا عن رؤية مستقبلية واضحة وعن الحلم العربي الواحد، حلم الأمة الذي مازالت جذوته يقظة في فكر وعقيدة وإيمان وروحية كل مواطن ليبي او تونسي.
ان الإعلان عن زيادة حجم الاستثمارات المتبادلة بين القطرين الشقيقين وذلك بالإتفاق على بعث منطقة اقتصادية بين بنقردان وزوارة، المدينتين الحدوديتين المنسجمتين والمتشابكتين اجتماعيا وثقافيا، واللتين ستحتضنان شركات استثمارية كبرى في شكل منطقة حرة خالية من كل العوائق بالنسبة إلى التبادل التجاري يمثل الخطوة ليس لها نظير على الصعيد العربي والإفريقي، وتتميز بأنها خطوة واثقة وثابتة على طريق الاندماج الكامل، تهدف إلى توثيق الرابطة الاجتماعية بمصالح اقتصادية واحدة وواقعية ومنسجمة مع وحدة البيئة والإطار الجغرافي والحضاري والاجتماعي، تلامس الحياة اليومية للمواطن وتجسد قيمة الأمان المعيشي التي تنطلق من خصوصية الفرد إلى شمولية الجماعة.
ويأتي قرار إنشاء شركة قابضة تعيد هيكلة الاستثمارات الليبية بتونس وتقوم بإدارتها وزيادة حجمها، ليؤكد على مسائل عديدة منها اطمئنان الأشقاء الليبيين المعروفين بذكائهم الاستثماري وحكمتهم الاقتصادية إلى الساحة التونسية كنقطة جلب واستقطاب استثمارية، ولمستقبلها الإقليمي والدولي كقوة صاعدة وكمركز مالي، إضافة إلى رغبتهم الصادقة في توثيق الروابط الاقتصادية مع بلد يعتبرونه الأقرب والأكثر أمانا والأقدر على توفير الفائدة، والأحق بأن يكون قبلة لاستثماراتهم خصوصا وأن لليبيا اليوم أكثر من 90 مليار دولار تبحث عن مراكز استثمارية واعدة وآمنة ومربحة.
ويأتي مشروع إنشاء مصفاة في الصخيرة، ليكون دليلا آخر على أهمية المرحلة القادمة في تجسيد فكرة القطب الاقتصادي المتكامل بين تونس وليبيا، وعلى الثقة البالغة التي يضعها المخططون الليبيون في الساحة التونسية كمركز استثماري مهم.
وأهل التخطيط في ليبيا ينطلقون من ثوابت واضحة، أولها القناعات المبدئية للقيادة، بأهمية التكامل والاندماج مع تونس وبأن الشراكة الاقتصادية الكاملة هي عماد أساسي لتجسيد الروابط الوحدوية وثانيها أن تونس يمكن أن تكون امتدادا اقتصاديا وماليا واستثماريا لليبيا مثلما هي امتداد تاريخي وجغرافي وثقافي وحضاري واجتماعي.
وتنضاف إلى مصفاة الصخيرة مشاريع أخرى سياحية وخدماتية تدعم الحضور الاستثماري الليبي في تونس وهو حضور سيحظى باستقلالية تامة عن الاستثمار الليبي في بقية دول العالم نظرا لأهميته المرتقبة ولملامحه الاستراتيجية العميقة التي ستوضع في صلب الشركة القابضة للاستثمارات الليبية في الجمهورية التونسية.
ولعل من أهم ما تم الإعلان عنه ، هو قرار رفع الحظر عن تنقل البضائع بين تونس وليبيا وإنشاء معارض دائمة للضائع الليبية في تونس وللبضائع التونسية في ليبيا يرتادها المواطنون للتسوق الفردي وللتسوق بالجملة.
وهذه المعارض ومثلما ستكون لها فائدة اقتصادية، ستكون لها فوائد نفسية للجماهير حيث سيشعر المواطن الليبي وكأنه في تونس وسيشعر المواطن التونسي وكأنه في ليبيا، وسينتصر انسياب البضائع على مختلف العوائق في خطوة متقدمة نحو اندماج اقتصادي كامل لا يعترف بالحدود ولا بالبوابات، وإنما فقط بلقمة عيش المواطن وسعادته وجودة حياته وشعوره بأنه مواطن تونسي- ليبي مندمج.
وبرفع القيود عن تنقل الأشخاص بين البلدين سواء كانت إدارية أو مالية يكتمل مشهد العناق الأخوي، فالتونسي عندما يسافر إلى ليبيا إنما ينتقل من بلده إلى بلده، والليبي عندما يسافر إلى تونس إنما ينتقل من بلده إلى بلده، وفي البلد الواحد لا يحتاج المواطن إلى أية إجراءات غير أوراقه الثبوتية التي تضمن سلامته وسلامة المجتمع.
وفي هذا الإطار نستطيع القول إن القيادتين في تونس وليبيا قامتا بدورهما التاريخي العظيم والرائد، والمطلوب من الشعب الواحد في البلد الواحد، إلا أن يكون في مستوى هذه الإرادة السياسية الرائعة والبناءة والفاعلة، حيث لا يجب لانتهازية الفرد مهما كان حجمه أن تسيء إلى مصلحة الجماهير ككل، فالتاجر مطالب بأن يكون محل ثقة، والموظف ورجل الأمن والطبيب وصاحب الحرفة والصناعي والعامل ورجل المال والأعمال وغيرهم، مطالبون بأن يكونوا ف يحجم المسؤولية الحضارية الملقاة على عواتقهم اليوم وغدا من أجل حماية المكاسب والإنجازات العملاقة التي حققها القائدان معمر القذافي وزين العابدين بن علي.

Facebook
Twitter