الخبراء يحذرون من انفلات الديون الخارجية على العراق
دعا خبراء ومتخصصون في الشؤون المالية والاقتصادية خلال ندوة عقدها “معهد التقدم للسياسات الانمائية” الحكومة إلى الكشف عن تفاصيل الديون الداخلية والخارجية المترتبة بذمة العراق سواء تلك التي تعود لزمن النظام السابق او التي اقترضتها الحكومة خلال السنوات الاخيرة وبيان اتجاهات تلك الديون واهدافها.
النائب الدكتور مهدي الحافظ الذي أدار الندوة لفت إلى أن قروض البنك الدولي وبنك التنمية الاسلامي والاتحاد الاوربي واليابان بالاضافة إلى الديون التقليدية لبعض دول الخليج تقف شاخصة في التعاملات المالية الخارجية للعراق .. متسائلا : هل يمكن التخلي عن القروض والاعتماد على الموارد المحلية الضعيفة باستثناء عوائد النفط التي تشغل الحيز الاكبر في التغطيات المالية للدولة ؟ قائلا إن هناك أموالا تعود ملكيتها للعراق خارج البلاد لم تسترد كاملة ولم تقدم الحكومة جوابا شافيا عنها لحد الآن على الرغم من تشكيل لجنة وزارية لهذا الغرض .. متوقعا أن تكون تلك الاموال قد هدرت او تعرضت للاستغلال والابتزاز ، مشيرا إلى وجود مبلغ بقيمة تزيد عن 6 مليارات دولار تعرضت للشبهة منذ التغيير في العراق وقيام سلطة الائتلاف الاجنبية وفقا لتقارير المفتش العام الامريكي لشؤون اعادة الاعمار الذي اكد مجهولية (6.6) مليار دولار من اموال “صندوق تنمية العراق” وتدور حوله الشبهات. وهناك من يؤكد على أن معايير السيطرة الملائمة على أموال هذا الصندوق هي عرضة للتلاعب والهدر وسوء الاستخدام ،مضيفا أن “المجلس الدولي للمشورة والرقابة” قدم الكثير من الاسئلة حول الاداء المالي انذاك .
الحافظ أشار إلى أن الديون هي قضية مالية مألوفة لدى الكثير من الدول وربما تتطابق في اهميتها مع الحاجات الوطنية لكل دولة ، وقد جرب العراق الديون خلال النظام السابق وكانت النتائج في غاية الخطورة على التنمية الوطنية ، مؤكدا أن العراق اليوم أمام خيارين أساسيين الأول يتعلق باستمرار الرغبة بالحصول على دعم مالي خارجي بفعل الاتفاق الذي جرى في نادي باريس عام 2004 والزم العراق ببعض الديون الخارجية ، والثاني هو البحث عن اموال العراق واستعادتها استجابة للمصالح الوطنية .
بعد ذلك تحدث المستشار المالي لرئيس الوزراء الدكتور مظهر محمد صالح مستعرضا تفاصيل مهمة تتعلق بملف الديون .. كاشفا عن العراق نجح في عام 2004 من شطب نحو 100 مليار دولار من ديونه على خلفية توقيع اتفاق نادي باريس ، موضحا أن حصة الفرد العراقي من الدين بعد اتفاق نادي باريس تراجعت من 5 الاف دولار مقابل 750 دولارا حصة الفرد من الناتج المحلي الاجمالي إلى 750 دولار مقابل 7 الاف دولار حصة الفرد من الناتج المحلي الاجمالي بعد 10 سنوات من تغيير 2003 .
وبين صالح ان اتفاقية “نادي باريس” اتفاقية معيارية لحل الديون السيادية المترتبة بذمة العراق لـ 65دولة منها 19 دولة ضمن نادي باريس و46 دولة خارجه وأن الاتفاقية تسري على الفئتين بما في ذلك الديون التجارية البالغة 19 مليار دولار . وقسمت الديون إلى فئتين هي الديون الصغيرة التي تصل إلى 35 مليون دولار وقد وافق اصحابها على تخفيضها وتم تسديد 4 مليارات دولار من أصل دين 19 مليار دولار كديون تجارية ، أما الديون الكبير ة فقد خضعت لاتفاق نادي باريس القاضي بخصم 80% ويتم جدولة الباقي على مدى 18 سنة وتسدد باقساط نصف سنوية وصدر اول سند عراقي عام 2007 بقيمة 2.7% من الديون الكبيرة لذلك انخفض الدين من 19 مليار إلى 5 مليارات دولار .. مبينا وجود مشكلة مازالت قائمة وهي أن اكبر واخطر الديون تعود لدول الخليج ، وهي ديون عالقة تصل إلى حوالي 41 مليار دولار. ويمثل هذا الرقم بيضة القبان بالنسبة للدين العراقي ، ويمثل اساس المشكلة على الرغم من بعض هذا الدين غير حقيقي ولكن من دون فوائد تأخيرية بحسب اتفاق نادي باريس الذي أوقف الفوائد منذ عام 2007 بعد موافقة العراق على تسوية جميع ديونه ولذلك فان هذه الديون عالقة في دفاتر الدين وأن قسما منها كانت مساعدات عسكرية لنظام “صدام” ودفع الشعب العراقي ضريبة دم إزاءها ، وهم يدركون هذه الحقيقة لذلك فهم لا يلحون بالمطالبة ولا يقبلون التنازل عنها. وإن مثل هذه الديون السيئة عالجها اتفاق نادي باريس وقد كانت تجربة الاتحاد السوفيتي التي خفضت بنسبة تصل إلى 100% تقريبا مفيدة لنا .. مشددا على أن العراق ملزم بإعادة تنظيم علاقاته مع البنك وصندوق النقد الدوليين بموجب قرار مجلس الامن 1483 لسنة 2003 والسعي إلى تسوية ديونه من خلال نادي باريس
اتفاقية مابعد الصراع حصل العراق بموجبها على قرض بقيمة 700 مليون دولار لإقرار الإتفاقية ولم يتسلم العراق هذا القرض من اجل تصنيف البلد ضمن الدول الخارجة من الصراع لكي يسهم المجتمع الدولي في شطب الديون بنسبة 90% . ولكن بعد ارتفاع اسعار النفط دعا صندوق النقد العراق إلى اعادة جدولة ديونه ، ومدى امكانية العراق تحمل الدين وتسديده ، فتم تعديل حالة التحمل والسداد من 10 إلى 20% بعد تحسن اسعار النفط .. معربا عن اسفه لعدم مبادرة البلدان العربية بشطب ديون العراق كما فعلت باقي الدول التي شطب بعضها بنسبة 100% وبعضها بنسبة 80%
وكشف صالح أن الدين العراقي الحقيقي يصل إلى حوالي 17 مليار دولار بفائدة حوالي 6% وهذا الدين من دون ديون دول الخليج البالغة 41 مليار دولار .
كما تحدث صالح عن الدين الداخلي وهو ينقسم إلى صنفين الأول منها ديون تتحملها المصارف وتتعهد بسداده وزارة المالية مثل رواتب الشركات المملوكة للدولة الخاسرة ، وهناك ديون تعود لزمن النظام السابق تتعلق بطبع العملة ، مبينا ان قيمة الدين الداخلي تصل إلى حوالي 10 مليارات دولار لغاية نهاية 2013 ، لافتا إلى أن العراق واجه عجزا مزدوجا في عام 2014 تمثل باحتلال داعش التي تسببت بتراجع نمو الناتج المحلي الاجمالي بنسبة 20% اضافة إلى هبوط اسعار النفط مع وجود انفاق عسكري اضطر الحكومة إلى الاقتراض ، ولكن بطريقة تختلف عن أسلوب النظام السابق الذي كان يعتمد على الاقتراض الخارجي في حين اقتراض الحكومة الحالية يعتمد على الاقتراض الداخلي بنسبة كبيرة . وقال إن جميع الدين الدخلي بعد 2014 ارتفع من 10 مليارات إلى 46 مليار دولار ، وبهذا يصبح مجموع الدين بنوعيه الداخلي والخارجي حوالي 110 مليارات دولار بضمنها ديون الخليج المعلقة لغاية نهاية 2016 ، ويشكل هذا الدين 30% من قيمة الناتج المحلي الاجمالي مع استبعاد الديون المعلقة ، وأن ثلث الديون هي داخلية وبهذا فان هناك جانبين من الديون تحت السيطرة هي الديون الداخلية البالغة 46 مليار دولار والديون المعلقة البالغة 41 مليار دولار ، مبددا المخاوف من خطورة الديون على الاقتصاد العراقي لان حصة الفرد من الدين تبلغ حوالي 3 الاف دولار وأن حصته من الناتج المحلي الاجمالي تتجاوز 5 الاف دولار . موضحا ان حاجة العراق من الديون لسنة 2017 التي سيحصل عليها من صندوق النقد الدولي الذي تعهد ب5.3 مليار دولار وحصل العراق على 1.250 مليار دولار وتعهد البنك الدولي ب3 مليارات دولار حصلنا منها على مليار دولار بالاضافة إلى ملياري دولار جاءت مساعدات للعراق فبلغ حجم الدين منذ 2014 لحد الان نحو 7 مليارات دولار. وهناك سند سيادي بملياري دولار ليتمكن العراق من دخول الاسواق المالية منها مليار دولار بضمانة حكومة الولايات المتحدة الامريكية بفائدة 2.4% وهناك سند اخر بمليار دولار وخلال هذه السنة سيحصل العراق على 1.250 مليار دولار من صندوق النقد الدولي ومليار اخر من البنك الدولي وهناك مليار اخر سنحصل عليه من مصادر مختلفة (المانيا – ايطاليا) بموجب تعهدات الدول الصناعية السبعة التي تعهدت بحوالي 4 مليارات دولار ، وان جميع هذه القروض ميسرة وليس فيها اي اجحاف بحق العراق يتم تسديدها على مدى 18 سنة منها 5 سنوات سماح بفائدة بسيطة
ولفت صالح إلى أن الدين الداخلي يمثل 45% من قيمة الدين العام ، وقد ساهم البنك المركزي بتوفير هذه الديون بعد خصم الحوالات لعدم توفر الامكانية لدى المصارف الاخرى ، وبهذا ان البنك المركزي اسهم في دعم اجراءات الحكومة في ظرف عصيب وهو اجراء كان ناجحا جدا ولولا هذه السياسة ربما كان العراق قد تعرض إلى مشاكل كبيرة فقد تم دفع الرواتب والاجور من احتياطات البنك المركزي لذلك انخفضت تلك الاحتياطيات
ودعا صالح إلى الحذر في التعامل مع ملف الديون لكي لا نصل إلى مرحلة انفلات الدين ، كما أن هذه الديون ستخضع لمدقق خارجي على وفق المعايير الدولية لبيان وضع الديون بشكل دقيق وتفصيلي وسيصدر التقرير خلال الاشهر القريبة المقبلة ، مشددا على ضرورة اعادة النظر باتفاقية “نادي باريس” قبل حلول عام 2020 موعد البدء بالتسديد مما قد يعرضنا إلى ازمة عام 2022 ، وهذا التحرك يكون عبر القنوات الدبلوماسية ويشمل جميع الديون ما قبل 2003 ومابعدها لاسيما مع وجود دول اقرضت النظام السابق بنحو مخالف لقرارات الامم المتحدة خلال فترة الحصار الاقتصادي واعادة التفاوض مع جيع الدول التي لديها ديون تعود للنظام السابق .( يتبع في العدد المقبل).