صاحب الامتياز
رئيس التحرير
عبدالرضا الحميد

حينما تبرك الخيول .. تهطل ادمعنا وننسحب

نادية العبيدي

في ذلك النهار البارد التقيته ..وجواره شخص يقف خلف المنضدة ايضا في شارع المتنبي يصدح صوته بين الحين والآخر بأبيات شعر للمتنبي او ابو العتاهية او بدر شاكر السياب بصوت جهوري يعيدك للعهد العباسي وكأنك في سوق عكاظ من الزمان ،  كانت الارض تنهل من الغمام قطرات تصفيها وتشربها .. ثم تعصر نفسها اعتصارا بعد ان تحتضن بقوة بعضها … حتى يهمي  القطر متتالياً فيبلل الوجه واليدين والقدمين ويقشعر الجسد مع سريان تلك الرعشة اللذيذة بعد انبعاث رائحة التراب المبتل ونشيج السقف الخشبي الذي يغتسل تحت تلك القطرات المتراقصة تحت اضواء خافتة…
كان يقف بظله الثقيل خلف منضدة خشبية مهترئة مرتدياً فوق رأسه غطاء رأس اعتاد على ارتدائه (الشفقة)مذ غادرته (البيرية) وشعره الفضي يتحرك مع النسمات الباردة رواحاً وغدواً بين الحين والحين من جوانب الرأس وخلف الاذنين .. كانت فضية ومبللة بقطرات المطر … يمسك بين يديه عصى خيزران جميل لونه كلون غصن الرمان .. مائل للحمرة ، كان بديناً وصوته اجش وقلبه تعب يتراقص تحت عصي المرض… انه الروائي ( سيف الدين الجراح)  الذي وافاه الاجل اثر نوبة قلبية …!!
رباه لقد بدأ العد التنازلي للحياة يلعب دوره الخفي منذ ان التقيته في شارع المتنبي … حينها اذكر انه التقاني بحرارة وقدم الي كتابه المنجز اخيراً والذي يحمل عنوان (ثورة القلامشة) كان غلاف الكتاب اسود داكنا بلوحة ضجت بالوان داكنة ايضاً .. مما يرسخ في بالك ابتداء ان قلب كاتبه محمل بالاسى والالم … عندما كنت صغيرة اتابع مجلة الف باء التي كانت تحوي عمودا موقعا بعنوان (المقاتل س يتذكر) ورغم صغر سني حينها الا انه شدني الفضول كي اقرأ واعرف ماذا عند المقاتل سين .. وحاولت مراراً ان اعرف من هو المقاتل سين معرفة انسانية ووجها لوجه .. لكني لم افلح .. ولم اكن اعلم ان المقاتل سين سوف اتعرف عليه قبيل موته بأشهر ..!!!
الروائي سيف الدين الجراح كان من المفترض ان اقوم بأجراء لقاء معه وانشره على صفحات جريدة العربية ولكن الحظ لم يحالفني حتى قبيل ثلاثة ايام من موته حين هاتفني ولم يمكنني سوء شبكة الاتصالات من الرد عليه ومعرفة ماكان يريده.
أكنت تريد توديعنا يا ابا هوازن ام تحملنا وصاياك للجياع والفقراء من الادباء والصحفيين والفنانين الذين افنيت عمرك من اجلهم؟
ربما
وربما
لك جنان الرضوان وشآبيت رحمة الرحمن الرحيم
ولنا ولاهلك ومحبيك ، صبر جميل على فقدك

Facebook
Twitter