حوبة الكلبة جينا

علي السوداني

وهذه حكاية جديدة مستلة من دفتر الحيوانات وأشهرها باب الكلاب الذي جئت عليه غير مرة ومرة في قصار قصصي وفي طوالها ، منها قصة قصيرة جدا كنت دونتها قبل نحو عشر سنوات وظهرت في كتابي المدموغة عنونته ب ” خمسون حانة وحانة ” ويفرحني وقد يحزنني أن أكررها وأنثرها على هذه الحرثة الساخنة أذ أرى فيها ربطاَ لنسيج المكتوب وربّاطاَ لسالوفة الليلة . نص الحكاية هو ” كلاب وكلبات ، ذئاب وذئبات ، أسود ولبوات ، قردة وقردات ، ديوك ودجاج ، رجال ونساء . حانة باذخة شالت في بطنها من كل زوجين اثنين . سكر الأسد فقام بتقبيل قدم القرد . سكر الديك ، فتذكر جناحيه اللذين فر بهما الغراب ولم يعد حتى اللحظة . سكر الكلب ، فلوّح لكلبته بالكأس . سكر الذئب ، فباس رأس الخروف . سكرت أنا ، فخمشت وجه صاحبي ”
وكنت قبل اسبوعين من ليلتكم المقمرة هذه ، قد كتبت مكتوباَ عنوانه ” تجارة الكلاب أحسن من تجارة الكتاب ” وكان مبتغاي منه وفيه هو تنويع مصادر وينابيع عيش العائلة من باب تجارة تصدير الكلاب الشرقية الدائحة الرخيصة الى بلدان الصين والفلبين والهند حيث طبق لحم الكلب هناك هو المفضل والغالي ، لكن الفكرة لم تر النور بسبب يتصل بالبنية التحتية والأستعداد النفسي ورسائل ملطخة بالدم وبالدموع حطت ببطن بريدي مبصومة بتوقيعات من صحب وصويحبات أشهرهن العزيزة بريجيت باردو . في الأسبوع الذي تلاه ، ثنّيت على نفس الباب اللطيف بمكتوب أسمه ” فصل من باب العوعوة ” ترسته عوعوات معانيها حمّالة أوجه وتفاسير ، وكنت في سبيلي لغلق هذا الملف الظريف والتبليش بكتابات وطنية وكونية وآدمية وبينا أنا على هذه الحال من اليقين ، نط عليّ من بياض تلفزيون رحيم ، نبأ من وكالة محترمة وثقة ، يفطر القلب ويدمي المقل ويمرد الكبد ويعجل في تشميعه وتطييح حظه حتى عتبة الفناء . ألنبأ احتفت به التلفزيونات والراديوات والجرائد الورقية والألكترونية وزبدته تتكلم وتصور الحال المزرية والمروّعة التي آلت اليها حال وحياة كلبة أمريكية أبنة كلب أمريكي أسمها ” جينا ” وجينا الطيبة الحبّابة كانت سيقت الى خدمة العلم متطوعة أو مكلّفة في صفوف الجيش الأمريكي الذي غزا بلاد ما بين القهرين ودمرها وشرذمها ونهبها وقلبها على البطانة حتى داخت وصارت لا تدري رأسها من رجليها . الكلبة جينا رجعت مؤخراَ الى الديار بعد نهاية خدمتها في الشم والكشف والحدس مع جند أمريكا وقد لوحظ عليها الأنكفاء والقنوط والأنزواء وكل أعراض ما بعد الصدمة وكان حالها من حال حشود من جنود وجنديات أمريكا الوغدة الذين عادوا الى ديارهم وواحدهم يكاد لا يطيق التحديق بأم عياله وعندما يسكر في حانة رأس الشارع ، يصير يهذي ويخربط ويفشّر على زبائن الحان ويتحارش ببنات الناس وعندما يرجع الى بيته بعد أطفاء قناديل الحانة ، سيجد جدّة أطفاله مرتدية قبّوطاَ كاكياَ ثقيلاَ وجوارب صوفية ثخينة وبيديها تتناوب في الغرز ماشات الحياكة وقدّامها موقد نار مثل فاكهة شتاء عزيزة وعلى جانب الموقد ثمة ماشة نار تستعمل في تقليب وتهييج الحطب المجمر . يقوم الجندي الذي مرضه النفسي يشبه تماماَ مرض الكلبة ” جينا ” بسحب سيخ النار وزرعه فوق يافوخ حماته المسكينة التي تسقط من على كرسيها لتسبح ببركة دم عملاقة . أمريكا الآن منشغلة بعافية الكلبة جينا وزوجها الكلب جاك وابن عمتها الكلب ابن الكلب أليكس الذي يكرهه زوجها جاك لأنه شافه مرة معها في وضعية مخجلة وحذّره اذا ما رآه ثانية عند عتبة الدار بكسر رجله وقطع ذيله وتفليش أسنانه . أما النموذج الذي خلقته العمة أمريكا ببغداد المحتلة حتى اللحظة ، فمازال يلبط كما سمكة بين أسماء أفسد عشر بلدان قائمة فوق الأرض ومن دون حكومة أنخراط وشراكة ووحدة وبرلمانيات لا تفتش حقائبهن وجببهن وتنوراتهن ، كلبة جديدة اسمها جين وكلب أسمه جون .

 

Facebook
Twitter