حكومة بارازاني توزع اراضي شاسعة على مشروعات استثمار وهمية والمواطنون بلا سكن

/* Style Definitions */
table.MsoNormalTable
{mso-style-name:”Table Normal”;
mso-tstyle-rowband-size:0;
mso-tstyle-colband-size:0;
mso-style-noshow:yes;
mso-style-priority:99;
mso-style-parent:””;
mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt;
mso-para-margin:0cm;
mso-para-margin-bottom:.0001pt;
mso-pagination:widow-orphan;
font-size:10.0pt;
font-family:”Calibri”,”sans-serif”;
mso-bidi-font-family:Arial;}

السليمانية/ اور نيوز/ فرمان عبد الرحمن : وزعت حكومة كردستان آلاف الدونمات من الأراضي العائدة للدولة في الفترة الماضية على مستثمرين تحت اسم “مشاريع استثمارية”. وسجلت معظمها باسم أشخاص في سجلات الطابو دون أن تعود بفائدة اقتصادية. توزيع الأراضي صار طريقة سهلة لتحقيق “الثراء الفاحش”، والمشكلة تظهر على وجه التحديد في مشاريع الإسكان.

قطعة أرض مساحتها حوالي 6500 متر مربع، لا يظهر عليها سوى حشائش صفراء يابسة تعود للربيع الماضي، مع بعض مخلفات الطابوق والاحجار المتروكة العديمة الفائدة، تقع في منطقة عينكاوة في مدينة اربيل.سبق لتلك الأرض أن أعطيت من قبل هيئة الاستثمار في إقليم كردستان إلى أحد الفنانين الكبار الأكراد المقيمين خارج الوطن، وكان مقررا أن تستثمر وتصبح مشروعا فنيا بقيمة مليوني دولار يضم استديوهات لإنتاج الأعمال التلفزيونية والدرامية.

كان ذلك في 17 آب (أغسطس) 2008 ، وبالرغم من مرور ثلاث سنوات على تاريخ العقد، إلا أن المشروع لم يولد بعد، ومصير تلك الأرض ما زال مجهولاً أيضاً.

علي حمه صالح، مقدم برنامج لغة الأرقام المختص بقضايا الفساد في قناة شبكة الأخبار الكردية KNN، وهى قناة تابعة لأكبر أحزاب المعارضة فى كردستان العراق (حركة التغيير)، أشار إلى أن هذا المشروع الذى سبق ذكره نموذج صغير جدا قياساً بعمليات الهدر في أراضي كردستان في إطار مشاريع الاستثمار.

وبحسب صالح، فقد جرى توزيع آلاف الدونمات من الأراضي العائدة للدولة في الفترة الماضية تحت اسم “مشاريع استثمارية”، وجرى تسجيل معظمها باسم اشخاص في سجلات الطابو دون أن تعود بفائدة اقتصادية على إقليم كردستان مستقبلاً. 

ثم قال: “اذا استمر هذا الحال في الاقليم سوف لن تبقى مساحات كافية من الأراضي لتستفيد منها الأجيال القادمة”.

المشروع آنف الذكر، هو نموذج عن عشرات المشاريع التي حصلت على أرض دون أن تحقق استثمارا. لكن هناك مشاريع أخرى خصصت لها أراضي شاسعة باسم الاستثمار، ولم تكن في النهاية سوى صالونات لتجميل السيدات أو معارض صغيرة لبيع الموبيليا وملحقاتها.

مراقبو الاقتصاد يفسرون توزيع أراضي كردستان العراق على أنه نوع آخر من الفساد المستشري، لكن مسؤولي هيئة الاستثمار رغم اعترافهم بوجود النواقص، يشيرون إلى أن انجازات تلك المشاريع أكبر من تلك السلبيات التي رافقتها.

في 4 تموز (يوليو) 2006 أصدر برلمان كردستان العراق القانون رقم 4 وكان مخصصا لتنظيم مشاريع الاستثمار في الإقليم.

وبحسب الإحصاءات التي أصدرتها هيئة الاستثمار في الإقليم خلال السنوات الخمس الماضية، أقدم القطاع الخاص المحلي والأجنبي على استثمار 17 مليار و415 ألف  دولار كرؤوس أموال في اطار مشاريع مختلفة. ويعتقد المسؤولون في الهيئة بأن الانجازات مهمة جدا رغم كونها “دون مستوى الطموح”.

القانون المذكور ينص على وجوب تخصيص قطعة أرض للمستثمر كي يقوم بإنشاء مشروعه، بالإيجار وعبر أسعار تشجيعية. وفي الإطار نفسه ، تشير المادة الثالثة إلى أن المستثمر الأجنبي يعامل أسوة بالمستثمر المحلي.

لكن إحدى المشكلات الكبيرة التي خلقها هذا القانون بحسب اعتقاد الخبراء، تكمن في المادة الرابعة منه، إذ تنص على إمكانية تمليك الأرض للمستثمر وخاصة في مجال “المشاريع الستراتيجية” بسعر تشجيعي أو من دون بدل، دون أن يحدد المشرّع ما هو المقصود بالـ “ستراتيجية”.

وبحسب خبراء، فان عمليات واسعة لتمليك الأراضي جرت في الإقليم، وشابها علامات استفهام، ويقولون أن تلك العمليات تهدد الأمن القومي والاقتصادي لسكان كردستان.

سرهنك فرج عضو برلمان كردستان أكد على السلبيات التي سبق ذكرها في تصريحه لـ “نقاش”، إذ يرى أن قانون الاستثمار “يحتوي على الكثير من النواقص التي ولدت نواقص أثناء التنفيذ، وأدت إلى حدوث حالات الفساد”.

البرلماني الكردي أضاف أن “تمليك الأرض للمستثمر وخاصة الأجنبي ذا أبعاد خطيرة على الأجيال القادمة، فالأرض تعتبر ثروة قومية عامة لذلك لابد من التعامل معها بخطط ستراتيجية مدروسة”.

بحسب المعلومات الرسمية الواردة من هيئة الاستثمار خلال السنوات الخمسة الماضية منحت الهيئة تراخيص لـ 320 مشروعا استثماريا مع تخصيص 36971 دونم من أراضي كردستان العراق (الدونم في العراق يساوي 2500 متر مربع) لتلك المشاريع من دون مقابل. معظم تلك الأراضي مسجلة في سجلات الطابو باسم المستثمرين ونقلت ملكيتها من الحكومة إلى القطاع الخاص.

وتقول هيئة الاستثمار، إن عدد المشاريع التي ينجزها الأجانب تبلغ فقط 24 مشروعا، فضلا عن 19 مشروع مشترك بين مسثتمرين أجانب ومحليين، أما مجموع المشاريع الأخرى التي يبلغ عددها 277 فتعود لمستثمرين محليين.

بعض المراقبين انتقدوا ما اعتبروه توزيعا “غير عادل” للأراضي بين المستثمرين. فالأجانب والتي تبلغ نسبة مشاريعهم نحو 8% فقط من مجمل مشاريع الاستثمار (باستثناء المشتركة منها) حصلوا على أراضي مساحتها  7568 دونم أي 21% من مجموع الأراضي التي خصصت للاستثمار في كردستان.

هيئة الاستثمار تعزو  ذلك إلى الكثافة الرأسمالية للمشروعات الأجنبية، إذ أن الأجانب استثمروا ما قيمته 3 مليارات و920 مليون دولار في مشاريعهم، أي ما يبلغ ثلث حجم الاستثمار الكلي.

وفي هذا الصدد أوضح فرمان غريب، المدير العام لهيئة الاستثمار في السليمانية، ان تمليك الأراضي للأجانب “كان يقتصر على المشاريع الستراتيجية بهدف تشجيع توافد الأجانب لاستثمار أموالهم في كردستان”.

لكن المشكلة الرئيسية ليست في نسبة توزيع الأراضي بين الأجانب والمواطنين فقط، بحسب الصحفي الاقتصادي علي حمه صالح، بل في الاعتباطية التي تجري فيها عملية التخصيص والتمليك.

فقانون الاستثمار لا يحدد حجم الأرض اللازم منحها أو السقف الأعلى للمساحة، وتركها لتقدير هيئة الاستثمار. كما أن القانون في مادته الرابعة يشير إلى أن الأرض لا تمنح للمستثمر إلا عند القيام بكافه التزاماته، الأمر الذي لم يحصل في العديد من المشاريع بحسب صالح، بما فيها تلك “الستراتيجية”.

توزيع الأرضي صار طريقة سهلة لتحقيق “الثراء الفاحش” يقول الصحفي المتخصص، والمشكلة تظهر على وجه التحديد في مشاريع الإسكان. وهنا يتساءل: “أيعقل أن يربح المستثمر في دار واحد أو فيلا واحدة 150 ألف دولار على حساب أجيال كردستان القادمة؟ هل هذا استثمار؟”

صالح يشير هنا إلى مجموعة من مشاريع القرى الجديدة شيّدها مقاولون فى مدينة أربيل، ويقول إن “الشركات حصلت على أراضٍ تابعة للدولة، بالمجان أو بأسعار زهيدة، حسب قانون الاستثمار، ولكن أسعار الوحدات السكنية فيها خيالية جداً”.

ووفق المعلومات المتوفرة، فإن هناك حوالي 39 مليون متر مربع، أي 15600 دونم، خصصت لمشروعات الإسكان خلال السنوات الخمس الماضية في جميع أنحاء الإقليم.

رغم هذا، أقرّ الدكتور برهم صالح رئيس حكومة اقليم كردستان، في خطابه في برلمان كردستان في 9 آذار (مارس) العام الجاري، بان عدد العوائل المستأجرة في الاقليم 76000 عائلة.

ويعلق علي حمه صالح قائلاً: “هذه إشارة واضحة و دالة على فشل سياسة الاستثمار التي لم تغير شيئا من أزمة السكن”.

هناك مشكلة أخرى خلقها قانون الاستثمار وهي منح الأراضي بطريقة المساطحة، أي منح قطعة أرض معينة إلى أحد المستثمرين، لمدة تترواح بين 20 و25 عاما، وبعد ذلك تعود الأرض إلى الحكومة.

هذه الطريقة أدت في الفترة الماضية إلى ثراء بعض المضاربين دون بذل أي مجهود، فالحاصلين عليها باعوا العقد إلى جهة غيرهم قامت بتنفيذ المشروع نفسه، أو آخر مختلف.

“نقاش” تشير هنا إلى نموذج واحد فقط وهو الأرض المرقمة 128/1147 قطاع عينكاوه في أربيل عاصمة اقليم كردستان، والتي تبلغ مساحتها 25 ألف متر مربع.

منحت تلك الأرض لمستثمر عراقي، باعها بدوره إلى شركة هومس انترناشيونال كروبhomes international group  بحسب مصادر في مديرية بلدية عينكاوة.

المسؤولون في إقليم كردستان يشعرون بخطورة السلبيات المترتبة على منح الأراضي.

فرمان غريب رئيس هيئة الاستثمار قال لـ “نقاش” إن “كل تجربة جديدة تصاحبها النواقص والأخطاء، لذلك فان هيئة الاستثمار بصدد الاستفادة من أخطاء الماضي لإعادة تنظيم أعمالها بأساليب جديدة ومدروسة بشكل أفضل”. ثم أشار إلى وجود محاولات لتعديل قانون الاستثمار رقم 4 لسنة 2006 لإلغاء تمليك الأراضي وإيجاد آليات جديدة لجذبهم.

رئيس الإقليم في ورقته الإصلاحية التي أعلن عنها في 14 حزيران (يونيو) الماضي، خصص مقدمتها لمشكلة الأراضي والإسكان. ثم أشار فيها إلى إلغاء الحكومة 118 عقدا مختلفا خاصا بمنح الاراضي بطريقة المساطحة (الإيجار طويل الأمد)، وبذلك عادت تلك الاراضي التي مساحتها 1025 دونم إلى الحكومة.

ولكن هذا لم يحدّ من قلق المراقبين لأن النسبة التي ذكرها رئيس الإقليم لا تتجاوز 2.8% من مجموع الأراضي التي وزعت في اطار مشاريع الاستثمار والتي استملكت بمعظمها.

سرهنك فرج عضو برلمان إقليم كردستان رأى أن “خطوة رئيس الإقليم جاءت متأخرة”، وأضاف: “ان تمليك الأرض للمستثمر بدون قيد وشرط خلق مجموعة من الأغنياء ومحدثي النعمة على حساب مصالح الإقليم”.

ويعتقد أيضا بأن سوء أداء كل من الادعاء العام و البرلمان في مراقبة الحكومة عاملان مهمان ساهما في خلق حالات الفساد والإهمال.

الأراضي التي هدرت أو تم توزيعها بطرق غير مشروعة لا تدخل كلها في إطار مشاريع الاستثمار، بل هناك قسم كبير من البلديات منحت أراضي لموظفين لا يستحقونها.

فقبل 8 حزيران (يونيو) 2006 كانت البلديات تمتلك صلاحيات لتوزيع أراضي على الموظفين المستحقين الذي يتجاوزون عدد سنوات محددة من الخدمة. وتم الكشف عن حالات عديدة جرى فيها توزيع أراض الدولة على موظفين لا تنطبق عليهم الشروط المنصوص عنها.

قرار مجلس الوزراء المرقم 7304 الذي صدر في التاريخ المذكور، أوقف صلاحيات البلديات في توزيع ومنح الأراضي. ولكن في الفترة المحصورة بين سنتي 2009 و 2010 تم توزيع ما يقارب من 2994 قطعة أرض سكنية وسطي مساحة الواحدة منها 200 مترا مربعاً.

ليس هذا فحسب، بل استنادا الى تقرير مجلة (حفتانه) وهي مجلة قريبة من رئيس حكومة اقليم كردستان في عددها 108 ليوم 21 آب (أغسطس) 2010، فإن رؤساء البلديات واعضاء مجالسها استلم كل منهم قطعة الأرض لأكثر من مرة. وحسب التقرير نفسه فإن البعض من رؤساء البلديات استلموا أراضي بحدود سبعة مرات لكل منهم.

علي حمه صالح يقول: “كوردستان ليست ملكا لحكام اليوم ولا حتى ملك جيل اليوم، بل ملك لعشرات الأجيال التي ستأتي لاحقا، فاذا تعاملت السلطة بهذه الطريقة مع اراضي كردستان، فسوف تواجه الاجيال القادمة مشكلات جمة لا تحصى، وربما لا تبقى أراضٍ لانجاز المشاريع الستراتيجية التي يتحدثون عنها”.

Facebook
Twitter