تدور أحداث رواية “حكايات يوسف تادرس” التي جاءت في 256 صفحة من القطع المتوسط، في إطار أشبه بالاعترافات حيث البطل يوسف تادرس التائه عن نفسه، يبحث عن خلاصه واكتشاف ذاته بعد سلسلة من الإخفاقات والانكسارات والخذلان لحبيباته أو مَن وقعن في حبِّه بداية من لمياء ثم زوجته جانيت، وصولا إلى سناء وتهاني.
تبدأ الرواية في طنطا وتنتهي فيها أيضا ضمن سرد أشبه بالدائري، بعد رحلات مُتعدِّدة إلى أماكن مختلفة من أهمها طور سيناء، لكن بعد أن عمل الزمن دورته، حيث تبدأ بالراوي طفلا يحكي عن أمه التي تزوجت بأبيه، وميلاده الذي كان أشبه بألم لها فأحبت حياتها وألمها وولدته حسب قوله، وتنتهي به جدّا يلاعب أحفاده.
تأخذ الرّواية الطّابع السّيري حيث يغلب السّرد بالراوي الأنا، وإن كان يستحضر في لعبة ذكيّة مرويّا عليه ليكون بمثابة كُرسي الاعتراف في الفكر الكنسيّ، الذي يُلقي عليه بخطاياه منذ طفولته، وزواج أبيه بأمه بعد وفاة زوجته أمّ فاتن (فُتنة) الأخت الكُبرى له، ثمّ علاقته بأبيه المتوترة؛ حيث ثمّة حجاب في علاقتهما، والتي تنعكس على الجيل الثاني ابنه ميشيل، وكأنّ قدر هذه العائلة ألا يحمل كلّ شخص صليبه وعذاباته بل ينقلها إلى الآخر، فيصير أمل الأبناء هو الانعتاق من المكان، كما كانت رغبة ابنه ميشيل منذ أن كان في الإعدادية، إلى أن يتحقق له هذا الانعتاق بعد دراسته في كلية السياحة، ثم سفره إلى أميركا وزواجه من أميركية أنجبت له ابنيه، وهما ما كانا في نهاية الرواية سببا في تحقيق الوئام النفسي ليس للبطل يوسف التائه دوما، وإنما للأسرة بما فيها الزوجة جانيت التي أحبته وفازت به دون سائر الفتيات.
يتخذ يوسف تادرس المأزوم والتائه حتى عن معرفة أهم شيء يميّزه وهو الفن الذي كان يصرُّ صديقه رضا بولس على أنه خلاصه الوحيد من كافة مشكلاته، من منفاه الاختياري والإجباري في وقت واحد، بعد الحصار الذي فُرض عليه بعد اكتشاف علاقته بسناء ووسائل الضغط التي تمثّلت في الشكاوى الكيدية لإجباره على البُعد عن المدرسة، ليس وسيلة للتطُّهر أو حتى الخلاص ممّا لحق به، بل وسيلة ليكتشف دناءة العالم الذي سقط هو في خسته، فمن قبل تعرض لابتزاز أخته وطمعها في ميراثه من أبيه، وهذا ما يرى صوره الموازية في الشخصيات التي التقاها وعاش معها في مدينة الطور بعدما هجر مدينته بحثا عن خلاص. وأول اكتشافاته أن علاقته بسناء لم تكن حُبّا.
الرواية في جزئها الأول تُعدُّ بحثا عن ذات يوسف التائهة، والحائر في البحث عن نفسه التي لم يكتشفها إلا بعد تعرُّفه على سناء، وهو الجزء الثاني من الرواية الذي يخرج الرواية من الميلودراما التي سيطرت عليها؛ حيث حالة الانكسارات المهينة لدى الشخصيات جميعا، بما في ذلك الأب الذي يداري عجزه والابن الذي فقد أحلامه منذ حالت الظروف دون استكمال دراسته في كلية الفنون، وفقده أمه في مشهد عبثي ومعها فقده الأمان والاحتماء.
تتميز جميع الشخصيات بأن كلا منها نقيض الأخرى، فيوسف بما يمثّله من حالة التيه والبحث عن الذات كان يقابله صديقه رضا بولس بحالة الإيمان والثبات والنجاحات المتتالية حتى صار رجل أعمال. وسناء بتمردها كانت المقابل لتهاني التي استكانت لواقعها وما يفرضه عليها من قهر حتى أصابها المرض والذبول، والمغامرة الوحيدة التي فعلتها مع يوسف ارتدّت نصالها عليها بعد عودتها، دون إفصاح من الراوي سوى في ملامح الذبول التي بدت عليها. والأخت فاتن في إشكالياتها كانت مقابل الأب الذي استسلم للهزائم مُبكّرا منذ أن استغله أحد العمال لديه، وقلّد توقيعه على وصل أمانة إلى أن حل قعيدا عليها تعتني بأموره الشخصية حتى رحل في هدوء.
تبدو الرواية في حالة الاستسلام التي تُعانيها شخصياتها، وما تلاها من هزائم وخيبات صورة مُصغَّرة للواقع وما حلّ عليه من تغيّرات كانت هي الأخرى سببا في ما أصاب الشخصيات من هزائم وخذلان، ورحلة بحث دؤوب.
فيرصد الراوي حالة من البؤس المعيشي وتدهور الخدمات والمرافق، في تصوير لأثر البنية الاقتصادية المُتحلِّلة، كما بدت في نبرة استيائه من حالة الفوضى التي تعمّ شارع الحكمة الذي يعبره يوميا في رحلته، وما يحلّ عليه من تجديد لشبكات المجاري والكهرباء والتليفونات.
تعامل الراوي مع مرويّ عليه (له)، في لعبة تبادليّة، ولا يظهر إلا في بداية المقاطع حيث يشير إلى الراوي الأصلي هكذا “يقول يوسف تاردس”، لكن يوسف وهو يروي الحكاية بالأنا في شبه اعترافات يستدعي هذا المروي الذي يختفي صوته بظهور صوت الراوي المُتكلِّم قائلا “دعني أحك لكَ ما حدث داخلي في تلك الفترة…”، ليبدأ بعدها الأنا العائد على يوسف في اجترار اعترافاته ونزقه وأيضا تطهراته. كما تميّزت اللغة بأن جعلها لغة قريبة من لغة الاستخدام اليوميّ، حتى بدت في فصاحتها كأنّها عامية هكذا “قطار مجرش، أنهت دراستها بالعافية، رأيت رجلا أصلع تخينا جدّا، كثر خيره كان يريد أن يفرح أمه أفرحني معها”.