صاحب الامتياز
رئيس التحرير
عبدالرضا الحميد

حسبة في دفتر العمرعلي السوداني

كان عمري نحو ثلاثين سنةً وعمرها ثلاث . شلتُها مرات فوق رقبتي فهطلتْ ساقاها الغضّتان على القلب وما بعدهُ . صار عمري أخضر بباب الخمسين ، وقفزتْ هي بثلاثةٍ بعد العشرين . إلتقيتها البارحة بقوة المصادفة وحسن المطاف . كانت طويلةً وممشوقةً وفائرةً وناهدةً والشعرُ يغطّي أخير العمود .
اشتهيتُ أن أزرعها ثانيةً فوق رقبتي ، لكنني خفتُ من ضحك الناس وطلقات الكلام .
2
عمري الآن خمسٌ وخمسون سنةً . تسع عشرة منها بمدينة الثورة ، وهي جيب فقرٍ بائسٍ مغدورٍ بشرق بغداد العباسية العليلة حيث بدايات الوعي الأول . عشرون من الهجيج برّبة عمون أُخيّة بغداد العزيزة . أربع عشرة سنةً بالرحمانية لصقَ دور السكك على ميمنة وميسرة من نخل ونعناع وريحان ورشّاد وكرّاث وفجل وكرفس وماء خابط بستان طعمة ، من أطيان كرخ الحاضرة التي نسيتْ تبغددها المدهش . ستة شهور في الأعظمية الحلوة بالنصّة من خواصر شارع الطيور . سنة بمدينة الجمال والذكريات والدار والدور والنار والنور جميلة .
3
الحقّ والصحيح هو أنني أنتمي بقوة إلى صنف الكائنات النوّامة ، لكن ليس بمقدوري الليلة أن أرسم حسبةً على قدرٍ مقبولٍ من الدقّة لعدد ساعات ذلك النوم الطويل . قد أكونُ نمتُ أزيد من ثلث العمر أو نصفه ربما . دوام مدرستي الإبتدائية عند قناة الجيش كان يبدأ في الثانية بعد الظهر ، وهذا التوقيت الرحيم ، كان أول أسباب النوم فوق السطح حتى مضرب الشمس .
في جنديّتي التي أكلت من عمري خمس سنوات ، كنتُ أتوسّط واستقتل كي أُتركَ في المواضع الخلفية ، أحرس الطعام والمؤن والملابس وأنام من دون إزعاج رئيس عرفاء الوحدة .
لم أذهب إلى وظيفة أو باب حزب أو جمعية رفق بالحيوان ، وهذه أسباب أخرى لنومٍ طيّب .
4
في مسألة العيش داخل البيت أو خارجه ، أميلُ إلى أن السنوات التي قضيتها ببطن الدار ، هي أقلّ من أخياتها خارج دار العائلة . بدأتُ الشغل وأنا عند أوشال المدرسة الإبتدائية . أحببت بسبب نوع العمل الفقير ، دور السينما التي منها زرعة القلب سينما بابل وضرّتها سينما النصر ولم أؤمن يوماً بأنّ طعام البيوت لهو أطيب من أكل المطاعم والعربانات التي من أبهجها عربانة علي أبو العمبة وحسن بسبوسة ، واعتبرتُ الأمر بمثابة إشاعة لطيفة في حبِّ الأُمّ . أوقات أخرى طويلة في الحانات والمانات والمقاهي وملاعب الكرة لاعباً ومتفرّجاً . عالجتُ مرارة السنين ، بحلاوتها بعد أن تتعتّق وتصير مثل قارورة نبيذ.

Facebook
Twitter