في ساعة متأخرة من ليلة الأربعاء الموافق 10 آب (أغسطس) اندلع حريق في ردهة الأطفال الخدج (حديثي الولادة) في مستشفى اليرموك ببغداد وقضى على أثره حرقا اربعة عشر طفلا وفقا للجنة الصحة النيابية.
في الخامس والعشرين من آب (اغسطس) تكرر المشهد في مستشفى العلوية للولادة لكنه وقع هذه المرة في غرفة للأرشيف وكاد أن يودي بحياة عدد آخر من الأطفال عندما اندلعت النيران في الغرفة القريبة لغرفة الخدج لتلتهم وثائق وأوراقا مهمة.
تشابه الحادثين وتقارب الفترة الزمنية بينهما يوحي بوجود علاقة تربطهما لاسيما وأن الأسباب المعلنة وراء الحادثين من قبل الجهات ذات العلاقة ظلت متضاربة حتى الآن لكن الخوض في تفاصيل وحيثيات كل حادث تكشف عن دوافع محتملة توضح ملامح كل حادث على حدة.
فأسباب حريق مستشفى اليرموك لا تزال تدور حول احتمالات عديدة بدأت بتضارب التصريحات حول أسبابه حيث قيل بعد يوم واحد من وقوعه إنه كان نتيجة تماس كهربائي قبل أن تخرج اللجنة التحقيقة المشكلة من وزارتي الصحة والداخلية لتعلن بعد يومين فقط أنه كان “بفعل فاعل” وليس بتماس كهربائي معتمدة بذلك على وجود مادة البنزين القابلة للاحتراق قرب ردهة الخدج حيث وقع الحريق لكنها لم تتمكن من تشخيص هذا الفاعل أو معرفة دوافعه.
أبرز الاحتمالات حول أسباب هذا الحريق هي ما أثاره ذوو بعض الضحايا من وجود محاولة لخطف أطفال من ردهة الخدج فالحادث برأيهم جاء للتغطية على هذه المحاولة من دون التأكد من صحة هذه المزاعم.
فبعد ساعات قلائل من وقوع الحادث ضجت شاشات القنوات التلفزيونية المحلية بشهادات بعض المواطنين الذين زعموا أنهم يبحثون عن أطفالهم الذين كانوا في المستشفى دون جدوى.
كما أشارت الشهادات إلى أن إدارة مستشفى اليرموك أبلغت هؤلاء المواطنين بالبحث عن أطفالهم في مستشفى الإسكان التعليمي للأطفال والذي تم نقل الأطفال الناجين من الحادث إليه لتهدأ بعدها هذه الموجة من الاتهامات بخطف الأطفال مع بقاء احتمال وقوع هكذا محاولة لعدم تمكن “نقاش” من الوصول إلى جميع أهالي اولئك الأطفال.
وأخبرنا من تمكننا من الوصول إليه أنه وجد طفله بالفعل في مستشفى الإسكان لكنه لا يزال يجهل هل وجد الآخرون أطفالهم هناك بالفعل أم لا ليبقى هذا الاحتمال قائما لاسيما وأن حوادث خطف كثيرة سجلت بحق أطفال في العاصمة بغداد خلال السنوات الماضية ولا تزال مستمرة.
أما الاحتمال الثاني هو ما أشارت إليه اللجنة الأمنية في مجلس محافظة بغداد خلال تحقيقاتها من وجود دوافع سرقة لمبلغ مالي كبير كان موجودا في إحدى الغرف المجاورة لردهة الخدج فالحريق كان للتغطية على هذه السرقة.
في العشرين من شهر آب – أغسطس أعلنت اللجنة الأمنية في مجلس محافظة بغداد أنها اعتقلت عصابة قالت إنها المسؤولة عن الحادث ،مبينة أن العصابة سرقت مائة مليون دينار عراقي كانت موجودة في غرفة العقود المجاورة لردهة الخدج.
إلا أن لجنة الصحة والبيئة في مجلس النواب رفضت هذا الإعلان مرجحة فرضية أن يكون التماس الكهربائي هو المسبب الرئيس للحادث كما يؤكد عضو اللجنة صالح الحسناوي.
ويقول الحسناوي الذي شغل منصب وزير الصحة في سنوات سابقة ،إن “الحريق كان ناتجا عن تماس كهربائي ساهم الإهمال في وقوعه وفقا لما سمعناه من الشهود الذين كانوا داخل المستشفى”.
ويوضح الحسناوي ،أن “الحريق بدأ في مكيف للهواء لينتشر بعدها بسرعة كما جاء في البيان الذي ورد للجنة والذي أوضح أن أحد مطافئ الحريق لم يكن يعمل ما أدى إلى تأخر إطفاء الحريق”.
ويصف الحسناوي إعلان اعتقال عصابة مسؤولة عن الحادث بأنه “كلام غير منطقي وأن قضية فعل فاعل ليست واقعية” ،مبينا أن الاعتقاد السائد لدى أعضاء اللجنة هو “حدوث تماس كهربائي ساعدت على انتشار الحريق الذي تسبب به مواد قابلة للاشتعال”.
كما لا يستبعد أن يكون السبب وراء الحادث سياسيا يتعلق بالخلاف حول منصب مدير عام دائرة صحة الكرخ التي تشرف على المستشفى لاسيما وأن اتهامات متبادلة نشبت على خلفية الحادث بين وزيرة الصحة عديلة حمود المقربة من حزب الدعوة الإسلامية وبين مدير عام صحة الكرخ جاسب الحجامي المقرب من التيار الصدري والذي أقيل بعدها حيث كانا على خلاف مستمر حول جملة من المواضيع ومن بينها تقسيم المناصب الإدارية في مؤسسات الدولة.
الحادث هو أيضا عمل تخريبي – إرهابي كما يرجح رئيس مجلس محافظة بغداد رياض العضاض مستندا بذلك إلى وقوع أربعة حوادث مشابهة في نفس المستشفى خلال السنوات الثلاث الماضية تمثلت بغلق المجاري “بفعل فاعل” وقطع الماء عن المستشفى “بفعل فاعل” أيضا ووقوع حريق دون ضحايا ليكون آخرها متمثلا بتعطيل مولد الكهرباء الخاص بالمستشفى من دون أن تتوصل التحقيقات أيضا إلى معرفة هوية الفاعل ودوافعه.
وربما تكشف التحقيقات المستمرة في القضية وجود أسباب أخرى للحادث غير التي ذكرت أعلاه.
وما يزيد من الغموض حول هذا الحادث وأسبابه بقاء الفاعل مجهولا وتضارب التصريحات من الجهات المختصة حول تفاصيله فالجهات المختصة حتى الآن تسير باتجاهين الأول ظل مقتنعا أن هذا الحادث وقع بتماس كهربائي ناتج عن الإهمال والفساد بينما يصر الثاني على أن الحادث وقع بفعل فاعل يجب التوصل إليه.
أما فيما يخص الحريق الثاني الذي وقع في مستشفى العلوية للولادة فهو يتشابه مع حريق مستشفى اليرموك في ظاهره لكنه قد يختلف عنه من حيث الدوافع إذا ما تم التأكد من أنه وقع أيضا بفعل فاعل وليس بتماس كهربائي كما أعلن.
لم يسجل حريق مستشفى العلوية ضحايا له غير أنه وقوعه في غرفة الأرشيف يرجح وجود شبهة فساد أراد طرف ما إخفاءها من خلال حرقه لهذه الغرفة التي تتضمن بكل الأحوال أوراقا تتعلق ببعض الأمور الإدارية والمالية في المستشفى.
كما أن البغداديين لطالما سمعوا عن وقوع حرائق عدة في غرف خاصة بأقسام العقود والمناقصات والأرشيف وغيرها من أقسام متعلقة بالأمور الإدارية والمالية في دوائر الدولة العراقية لاسيما عندما تستلم هذه الأقسام ملفات مهمة تتعلق بموضوعة بالعقود والمناقصات وخصوصا في الأشهر الأخيرة من كل سنة حيث تقترب مواعيد تسليم الحسابات الختامية.
ولا يبدو البغداديون متفائلين بالتحقيقات المستمرة في الحادثين لأنهم يعتقدون أن مثل هذه الحوادث ستتكرر سواء أعلنت اللجان التحقيقية أن الإهمال والفساد وقدم البنى التحتية وغيرها هي أسباب الحادثين أو أنهما وقعا بفعل فاعل سيظل مجهولا أو أن يقدم فاعل مفترض لامتصاص الغضب الشعبي.
والتزمت وزارة الصحة بنتائج التحقيق التي أعلنت عنها اللجان المشكلة في الحادثين وهي اليوم تنتظر أن تعلن الجهات الأمنية عن نتائج التحقيقات وفقا لما أكده المتحدث باسم الوزارة أحمد الرديني.