على الرغم من إعلانه عدم الترشح مجدداً لمنصب رئاسة الحكومة، ومع أنه يشغل حالياً منصب نائب رئيس الجمهورية، إلا أن رئيس الوزراء السابق نوري المالكي لا يستطيع مقاومة “حنينه المفرط” إلى منصبه، الذي “انتزع” منه بقوة “الاعيب العملية السياسية كما انتزع السلطة من غريمه علاوي” وليس بقوة السلاح الذي طالما لوح به.
تحديد مدة رئاسة الحكومة بولايتين من قبل أعلى سلطة تشريعية في البلاد وهي مجلس النواب، وعدم اعتراض أعلى سلطة قضائية وهي المحكمة الاتحادية العليا على هذا القرار، وبالرغم من مجاهرة المرجعية الدينية والعديد من الكتل السياسية وشريحة واسعة من الجماهير برفضها لعودة المالكي إلى السلطة، كل هذه المعطيات لم تحد من “شره” المالكي لـ”التسلط” مرة أخرى.
المالكي وجيشه الالكتروني يرفض التسليم بأن “إزاحته” عن سدة الحكم ليست قضية شخصية وعداوة سياسية، ولا يقر بأنه فشل سياسياً منذ ولايته الأولى ولم يتمكن من احتواء الأزمات السياسية بل أنه كان سبباً في أغلبها، فضلاً عن ان استشراء الفساد بشكل خطير أدى إلى ضياع وهدر موازنات “انفجارية” لم تنتفع بها الدولة ولا المواطن، ناهيك عن الانهيار الأمني الذي “أودى” بأكثر من ثلث الأراضي العراقية واحتلالها من قبل التنظيمات الإرهابية.
ويبدو أن “النجاح النسبي” الذي حققته الحكومة الحالية وتحديداً منذ انطلاق عمليات تحرير المناطق من تنظيم داعش في بدايات العام 2015، ونجاح القوات الأمنية والحشد الشعبي في تحرير مدن في محافظات صلاح الدين والأنبار وديالى، والانتصارات التي تتحقق حالياً في محافظة نينوى، إلى جانب نجاح الدبلوماسية العراقية في تحسن العلاقات مع عدد من الدول الإقليمية، يرافق ذلك محاولات التهدئة السياسية الداخلية التي تحقق تقدماً لا بأس به، كل هذه كانت بمثابة “صعقة كهربائية” للمالكي الذي “فقد بوصلته” وما عاد يعرف كيف يحافظ على ماء وجهه.
ومن الواضح أن ما يتحقق حالياً سواء بسعي من رئيس الوزراء حيدر العبادي أو بجهود جماعية داخلية كانت أم خارجية، سبب إحباطاً ويأساً للمالكي وأطاح بأية بادرة أمل يمكن أن تحيي حلم العودة إلى السلطة، لذا لجأ المالكي وجيشه الالكتروني إلى محاولة “بائسة ومفضوحة” لتجريد الآخرين من أي تقدم يحققوه لينسبه إلى نفسه.
صفحة “ملتقى البشائر” على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” هي إحدى صفحات الجيش “الفيسبوكي” للمالكي، والتي يشرف عليها صهره حسين أحمد المالكي “أبو رحاب”، نشرت في يوم 4 كانون الثاني 2017، إحدى “المحاولات البائسة” لسحب البساط من تحت رئيس الوزراء حيدر العبادي ومبادراته لـ”رأب الصدع” في العلاقات العراقية التركية الذي تسبب به المالكي.
وجاء في منشور الصفحة “في يوم ٢٠١٦/١٢/٢٨ ، كان السفير التركي قد زار المالكي وبعد حوار ونقاش مطول أكد سفير تركيا للمالكي على: احترام سيادة العراق وسلامة أراضيه من قبل تركيا، ووعد وأعلن قرب سحب القوات التركية من الأراضي العراقية”.
وأشارت إدارة الصفحة إلى أنه “بعد ذلك سافر المالكي لإيران التي تمتلك تفاهمات مع تركيا، ثم بعدها أعلنت تركيا قرب زيارة رئيس وزرائها إلى العراق ؟”.
وتجعل الإدارة من المالكي رقماً صعباً إذ تقول “العمل السياسي ليس صدفة والرقم الأصعب في المعادلة لن يتمكن الطارئون من تغييبه أو إيقافه عن ممارسة دوره الوطني الذي يؤسس لبصمات تؤدي إلى حلول إستراتيجية”.
وترى أن “تركيا التي تعاملت بفوقية مع العراق منذ دخول قواتها لأراضيه، أكدت احترامها لسيادة العراق وأعلنت قرب سحب قواتها منه، على لسان سفيرها ومن داخل مكتب المالكي، بعدها أعلنت أنها قادمة للتفاهم مع بغداد بعد أن تجاهلتها وتراشقت إعلامياً معها تحت عنوان أنها أكبر حجماً منها وكان ذلك على لسان أردوغان نفسه”.
وبحسب إدارة “ملتقى البشائر” فأن تركيا التي تعاملت “بفوقية” مع العراق “رضخت وتنازلت عن كبريائها استجابة” لتوجيهات المالكي، الذي لم يستطع منع طائرة واحدة من الطائرات التركية التي كانت تخترق الأجواء العراقية وتقصف الأراضي العراقية وتحرق مزارع ومساحات خضراء وتقتل مدنيين تحت ذريعة ملاحقة عناصر حزب العمال الكردستاني طوال فترة حكمه التي امتدت لثمان سنوات.
المالكي أيضاً لم يحقق أي نجاح حتى وإن كان نسبياً في ملف حصة العراق المائية بالرغم من أن الصادرات التركية للعراق وصلت إلى مستويات لم تحمل بها أنقرة يوماً من الأيام، ما أدى إلى “انتعاش” الاقتصاد التركي بشكل ملحوظ، فضلاً عن مئات الشركات التركية التي “غزت” العراق في عهد المالكي، ورغم ذلك لم يتمكن من تحقيق أي مكسب للعراق.
كان الأجدر بالمالكي أن يستثمر “عبقريته” السياسية والاقتصادية والدبلوماسية والأمنية خلال فترة حكمه ليجنب العراق الأزمات الكارثية التي تحيق به منذ سنوات، هذا إذا ما افترضنا أنه لم يكن سبباً أساسياً لها، لو أنه حقق نجاحاً نسبياً سياسياً أو اقتصادياً أو دبلوماسياً أو امنياً لما احتاج جيشه الالكتروني إلى هذه المهاترات الفاشلة ولما “أهدر” كل هذا الجهد في “تسويقه” مجدداً كـ”قائد ضرورة” و”مختاراً للعصر”.