الكتابة عن الفريق الركن عبد الوهاب الساعدي،
ليست كتابة عن جنرال عادي،
وليست كتابة عادية.
كل ذرة تراب يمشي فوقها،
تصبح وطناً.
كل شارع يدخله يتحول الى فرح.
يتصارع السياسيون على الأسلاب،
يختصمون على الجغرافيا والحكم والاقاليم،
لكن الساعدي يمشي بين الدخان والرصاص والموت،
كملك فتح الباب بلطف وخرج من الوليمة.
هم يبيعون وطناً وهو يشتري،
يتاجرون بالمستقبل وهو ينزف من اجله،
يختبئون في القصور،
وهو في الميدان له قامة الريح.
يفتح المدن بقفزة فهد،
ويفتحون خزائن المال بشهوة كلب.
تتساقط المدن تحت قدميه،
ويتساقط الناس، من الذل والسرقة، تحت أقدامهم.
جنرال البساطة حتى تحسه صديقاً،
جنرال الشجاعة حتى تحسه أسطورة،
عندما نهبوا ثروة أطفالنا،
كان هو يعيد الارض شبراً، شبراً.
كلما دخل بلدة،
أشعل فيها فوانيس الليل،
كلما دخل الانتهازيون مكاناً،
أطفأوا ضوء الحياة.
على الرجال الجوف، الرجال المحشوين بالتبن والجبن،
أن ينحنوا حتى تلامس جباههم الأرض،
عندما يمر جنرال الشجاعة،
الركوع للساعدي ركوع لعراق جريح،
عراق نظيف، عراق الأرامل والمآتم.
هو ليس قائد جيش فحسب،
بل قائد وطن،
ليس جنرالاً بل حلماً،
بريء كنعاس الأطفال،
ويقظ يقظة نمر،
وعندما يتساقط الجبناء من التخمة والكسل والكذب وخوف الأيام،
يزدهر الساعدي في الدخان والرصاص.
يجلس تحت العجلات بتواضع المحاربين القدماء،
في حين يجلس السياسيون على وجع اليتامى والأرامل.
ليس ملكاً ولا أميراً،
لكنه أكبر،
خرج من بيوت الفقراء الى ساحات الحرب،
ليعيد تلصيق وطن خربته الفتن والاطماع.
لا يمشي كما نمشي،
كل خطوة يعيد لنا الأشجار والطيور المهاجرة والمدارس،
وأجراس الكنائس وصلاة الفجر.
لا أخشى على الساعدي إلا من إنسانيته،
ينسى كثيراً أنه قائد جيش
في الطريق لفتح نينوى التاريخية،
ينسى أنه من سلالة محاربي آشور الكبار،
يتصرف كإبن فلاح شهم ،
أو عامل إنقاذ للأطفال المحاصرين،
والنساء المحاصرات،
تصبح الغيرة فوق الموقع،
ينتهي جنرال الجيش ويولد بطل الملاحم الأسطورية.
عبد الوهاب الساعدي في ساحة الحرب،
ينبى كرامة لمن لا كرامة لهم،
يبني وطناً لمن فقدوا الوطن،
يعلّم الماجورين والانتهازيين واللصوص،
دون ان يتكلم،
ان حرية الارض من حرية الانسان،
وشرف الانسان من شرف الارض،
وكل اموال الارض لا قيمة لها أمام طفل في خطر.
يجلس السياسيون في الصالونات،
يقترحون توزيع الحصص والمدن والاقاليم،
يفتحون آخر الليل سجلاتهم المصرفية،
لكن أي بقعة أرض يجلس فوقها الساعدي،
هي وطن وثروة وضمير ومستقبل.
هو في العراق علامة وبشارة،
السلالة الأخيرة من النبلاء المنقرضين،
ومن المحاربين النجباء،
وكلما دخل زعماء الحكم الى مكان وحولوه الى مباءة،
دخل الساعدي الى بلدة أو مدينة ليعيد ربط الانهار بالانهار،
الغابات بالغابات،
ويعيد للحدائق جمالها.
الانتهازيون يبنون الحواجز داخل المدن،
والساعدي ينسف الحواجز بين القلوب،
يفتح السياسيون خرائط مصارف العالم للأموال المهربة،
لكن الساعدي يفتح خرائطه العسكرية،
فوق الارض لكي يعيد المدن للناس
والناس للمدن
والمصابيح المطفأة للشوارع،
والسنونوات الهاربة الى الكنائس.
الجنرال الساعدي نسخة مكبرة لعراق قادم،
عراق جميل، وأصيل، ونبيل.
كلما رأيت الساعدي يمشي وسط الحرائق،
شعرتُ أن عراقاً ينهض،
من بين الانقاض والرماد والمخالب.
هو ذاهب لاعادة وطن مسروق،
وغيره ذاهب لسرقة وطن مجروح.
جنرال الشرف العراقي
لن يعود لنا الا بعد تحرير نينوى،
وبعدها يذهب كأبطال الملاحم الكبرى
القادمين من ساحات النصر نازفين،
الى سرير النوم،
ليتذكر بصمت موت الرجال الكبار في الحرب،
وموت الرجال الصغار فوق المزابل.
- info@alarabiya-news.com