عبد الرضا الحميد
في الديمقراطيات البرلمانية الكسيحة وحدها تغدو الهرطقة منطقا والتجديف ايمانا والحق باطلا والباطل حقا.
وفي الديمقراطيات البرلمانية الكسيحة وحدها يصير الدجل ميزانا والافك معيارا والكذب ناموسا والفساد قاعدة.
وفي الديمقراطيات البرلمانية الكسيحة وحدها يتحول الشعب الى بعير يحمل ذهبا ويجتر الشعير البائت في جوفه فيما تنعم الطبقات التي حملها على سنامه بلبنه ووبره ولحمه وجلده.
والديمقراطيات البرلمانية الكسيحة وحدها لاتنهض الا على قوة الرأسمال، فمن امسك بناصية رأسمال قوي ومرن يشب على ظهر السلطة رغم انف المعارضين ولو كانوا كل الشعب ، ويطوعها لان تكون بقرة حلوبا تدر على رأسماله رأسمالات اكبر وتفتح له اسواقا اوسع وتحوله الى اخطبوط شره يلتهم كل ما امامه.
ولان الرأسمال لايأتي احدا الا من مصدرين : ثراء سابق وعمالة قائمة، فان حظ الاغلب الاعم من الشعب في الوصول اليه لا موقع له على خارطة الفلك، فليس هناك شعب ثري تماما على مر التاريخ وليس هناك شعب عميل لغيره تماما على مرور الاعصر وتحولات الدهور.
ولان اهل الرأسمال المتأتي من ثراء سابق ابخل من ان يهدروه في مضامير السياسة التي تشبه مضامير الخيل، فانه عادة يكون في نأي عنها، ويبقى الرأسمال المتأتي من العمالة والخيانة وحده اللاعب الاوحد في مضمار الديمقراطية البرلمانية الكسيحة، والغلبة فيها تكون من حصة ذي الرصيد الاقوى والسيولة الاضخم واستخدامهما الخبيث المنافق.
والرأسماليون متوحشون بطبعهم، اخلاقهم اخلاق الغاب وان تعسل كلامهم ورق لسانهم وتأدب طبعهم وابتشرت وجوههم، فديدنهم افتراس اسرع لضحية اسمن ان بالخديعة والوقيعة وان بالاضراس والانياب والاظفار ، ولايبالون ان ضجت الدنيا بما فعلوا ويفعلون او ضجت عليهم.
والديمقراطية البرلمانية الكسيحة بدعة من بدع انبياء الضلالة الرأسمالية منذ فجر الرسالات حتى الان، دعا اليها ورسسها واجتهد في تزويقها وضلل الناس من اجلها عباقرة صيارفة المال اليهود ، وحاكوا المؤامرات الوضيعة واشعلوا الحروب الدامية وقادوا الثورات الزائفة واقاموا الجمهوريات على انقاض الملكيات كيما يشيعونها على الارض نظاما يمنحهم قدرة التحكم في العالم وصولا الى سلطتهم الواحدة عليه ، ويمنع الشعوب من الامساك بسلطتها على نفسها واوطانها والتعبير عن ذواتها تعبيرا انسانيا حقيقيا.
في الديمقراطيات البرلمانية الكسيحة التي تقوم على قاعدة (دعه يعمل دعه يمر ) تتأسس (جمهوريات النباح) اذ يطلق دهاقنتها للناس مايسمونه بحرية التعبير فيؤسسون لها هايدباركات للكلام والاحتجاج ، ويفتحون لها ممرات كي تتظاهر وتعتصم، ويطلقون يدها في اصدار صحف واذاعات كي تشتم وتسب، ويظن السذج والمغفلون من الناس ان هذه هي الديمقراطية، غافلين ان حرية التعبير مظهر من مظاهر الديمقراطية حقا لكنه ليس الديمقراطية كلها، فالديمقراطية الحقيقية هي التي يصنع من خلالها الشعب سلطته، ويمارس كل فرد فيه هذه السلطة من خلال مؤتمرات شعبية مفتوحة تناقش شؤون الناس والوطن بدءا من واجبات البلدية البسيطة الى قرارات الحرب الخطيرة، وربما تكون حرية التعبير مظهرا ديمقراطيا حقا ايضا عندما يكون الصوت المعلن فيها مسموعا والرأي المطروح فيها مناقشا والاختلاف فيها محترما ومصونا.
ليس من الديمقراطية ابدا ان تطلق حرية التعبير وتهمل في الوقت عينه حتى تغدو نباحا لا غير، وليس من الديمقراطية ان تنز الرأسمالات على ظهور السلطة بقوة مالها فيما يظل الشعب بعيدا عنها، بل يظل ينوء بحمل اثقالها وعسفها واستبدادها وقوانينها ودسترتها التي لاتقوم الا على استبعاد الشعب واستحضار الرأسمال.
ليس من الديمقراطية ان يقال ان الشعب هو مصدر السلطات وان يتحول الى ورقة ترمى في صناديق تنافس رؤوس الاموال المريبة على السلطة مرة كل عدة سنوات ثم تهمل ويقلب لها ظهر الجن، ولايسأله سائل عن رأيه بقانون ولا يشاوره احد في قضية؟
المعنى الحقيقي الاوحد لمفهوم(الشعب مصدر السلطات) هو ان يمارسها هو مباشرة، تشريعا وتنفيذا وقضاء، لا ان يمارسها نيابة عنه نواب او ممثلون، فالنيابة والتمثيل مظهران من مظاهر الدجل الرأسمالي المتوحش وعنوانان من عنوانات تغييب الشعب عن ممارسة حقه الطبيعي المقر في كل التعاليم والنواميس الالهية في السلطة على نفسه، عبر ديمقراطية مباشرة، لا الديمقراطية التي تفضي الى ديكتاتورية العرق ولا الطائفة ولا الحزب ولا القبيلة.