صاحب الامتياز
رئيس التحرير
عبدالرضا الحميد

( جحا رايح جحا جاي ) عبدالرضا الحميد

 في العام 1996 اخرج الفنان الراحل الصديق خضير الساري مسرحيتي الشعبية الساخرة (مزاد الاحلام) التي عمدت فيها الى الخروج عن النمط الارسطي في الدراما عبر متوالية مشاهد مختلفة الحكاية والزمن والشأو الرمزي لكنها ترتبط في ما بينها بفكرة واحدة هي الصراع بين الشعر والسلطة ، واردت بالشعر ضميرا جمعيا للناس.

مناقشاتي مع الساري قبيل التمارين افضت الى اعتماد الزي اليومي للممثلين لكسر الحواجز الزمنية لمتون المسرحية كي يتداخل الماضي مع الحاضر ويؤديان الى مضي الرمز الى غاياته، لكن لجنة اجازة عرض العمل التي ضمت الاستاذ الراحل سامي محمد والفنان قاسم الملاك والدكتور ميمون الخالدي والدكتور عبدالمرسل الزيدي وآخرين انتبهت الى (مكيدتنا) و(دبابيس العمل) فامتنعت عن اجازته الا بعد اعتماد ازياء تاريخية كي يذهب الرمز الى تاريخيته وتنعدم فيه اية تلميحات الى الحاضر، وكانت اللجنة تريد (التخلص من مسؤولية اجازة نص معارض للسلطة انذاك).

وافقنا على ( مضض) وعلى ( ان نلعب بالنص اثناء العرض كيما يستوفي رسالته)، والبسنا شخصية الحاكم ملابس جحوية (نسبة الى جحا).

ورغم انني ذهبت في النص الى سحق السلطة لارادة الشعر (الناس) الا ان الصرخة النهائية للعمل اشارت الى ان ذلك (السحق) مسألة زائلة وان الغلبة في خاتمة المطاف للشعر (الناس).

عرض العمل لعدة شهور في ثماني محافظات انتظارا لفراغ اي مسرح من مسارح بغداد، لكنني اضطررت الى ايقاف العمل عند عرضه في محافظة بابل بعدما شاهدت خروج احدى الممثلات وهي معروفة جدا عن نص المسرحية وتحويل بعض المشاهد الى رقص لم يخل من الاباحة.

ذكرني بهذه المسرحية اليوم تواتر الانباء عن بعض خفايا ازمة النواب المعتصمين.

ففي تلك الانباء ان المالكي صاحب نظرية ( ما ننطيها ) وهي النظرية الوحيدة التي صدق فيها المالكي مع نفسه ومع الناس، حيث مازالت حتى اللحظة تؤكد ان حزب الدعوة الاسلامية ( ما ينطيها ) ولو احترق العراق من اقصاه الى اقصاه، رشح احد اصهاره او ابناء عمومته لتولي وزارة الخارجية.

وفي تلك الانباء ايضا ان حنان الفتلاوي رشحت زوجها لوزارة الصناعة او العمل، وان هيثم الجبوري طرح نفسه مرشحا لرئاسة هيأة النزاهة، وان عمار الحكيم ( ما ينطي وزارة النفط ) وان وان وان .. والخ والخ والخ على حد قول عمنا الراحل مدني صالح.

ما اريد الخلاص اليه، ان الاعتصامات والتظاهرات الشعبية جوبهت بقمع خفي خبيث خطير، وان الناس المعتصمين والمتظاهرين ( وليسوا النواب المعتصمين الذين كانوا جزءا من ديكور المسرحية) تلقوا صفعة مدوية رغم ان الكثير منهم مازال يهزج عن غفلة فرحا بالانتصار.

لا انتصار بالمرة الا ان يأتي فعل المتظاهرين متساوقا مع فعل جحا.

حدث ان كان جحا مارا باحد اسواق المدينة فتلقى صفعة على اذنه اليمنى اذهبت سمعه، فقصد القاضي للشكوى ضد صافعه، وعند مثولهما (جحا والصافع) بين يدي القاضي، اكتشف جحا ان القاضي احد اقارب الصافع فتوجس غدرا.

وبعد عرض جحا لمظلمته، حاول القاضي ان يخلص قريبه من العقوبة فأمره بدفع عشرين دينارا لجحا تعويضا عن الصفعة، ولما كشف الصافع انه لا يحمل هذا المبلغ امره القاضي ان يذهب الى بيته ويجلبه وان جحا سيبقى بانتظاره في مقر القاضي، وكان يراهن في ذلك على عدم عودة قريبه وملل جحا من الانتظار ثم انصرافه.

لكن جحا لما انتظر طويلا ، وضجر، وتململ، لم يجد بدا في آخر المطاف من ان يقترب من القاضي ويلطمه بصفعة على اذنه اطارت سمعه ايضا، ثم انصرف قائلا:

ـ خذ العشرين دينارا ان جاء بها قريبك فهي حلال عليك.

ما احوجنا الى صفعة تزيح عنا الورم الخبيث المسمى بالعملية السياسية وجحاها الحاكم منذ 13 عاما.

 

 

Facebook
Twitter