النظام الرأسمالي حول حياة الناس إلى جحيم وشقاء وبؤس دائم
د. أبو العلاء عبدالمنعم الزوي
وبالتالي فقد أقفل التاريخ .. هكذا بكل بساطة وسذاجة يقفل ” فوكوياما” أبواب التاريخ ، فهذه الاحتفالية ” الفوكويامية ” لم تدم طويلاً حيث تؤكد لنا الدلائل والقرائن والمؤشرات الاقتصادية العالمية الصادرة عن المؤسسات الغربية إلى أن هنالك ” أزمة خانقة ” في المجتمع الرأسمالي وهي تطال هذه المرة القطاع المالي ” للنظام الرأسمالي ” المتآكل في عقر موطنه ” الولايات المتحدة الأمريكية” ..
فالإدارات والمؤسسات والشركات الرأسمالية الكبرى التي تدير – القطاع المالي الرأسمالي على امتداد الأنظمة الرأسمالية – عبر شبكة أخطبوطية ضخمة ومتشعبة ، وهي التي تتوغل في مفاصل وأركان الأنظمة الرأسمالية الاحتكارية أصبحت تعاني اليوم من تفاقم ” أزمة اقتصادية ” ألقت بظلالها الكئيبة على كافة المجتمعات الرأسمالية ، حيث تفيد التقارير الاقتصادية الصادرة عن وكالات الأنباء أن الأزمة طالت هذه المرة المصارف الأمريكية ، حيث عصفت أزمة القطاع المالي للاقتصاد الرأسمالي الأمريكي بالمصرف الثاني عشر على التوالي الذي يتم الإعلان الرسمي عن إفلاسة هذا العام نتيجة لهذه الأزمة المستعصية .. هذا بالإضافة إلى تفاقم عديد المشاكل المتعلقة بأسواق الأوراق المالية وتسريح أعداد إضافية من العمال ما أدى إلى ارتفاع معدلات البطالة في المجتمعات الرأسمالية في وقت يشهد فيه القطاع الخدمي والإنتاجي انهياراً تاماً ، وهذه الأزمات المتعددة والمتلاحقة في الواقع فشلت معها كل الحلول التلفيقية . وما زاد الطين بلة ما خلفته هذه الأزمة من تداعيات خطيرة في القطاع المالي للشركات الاحتكارية الكبرى ” العابرة للقارات ” ومتعددة الجنسيات التي أعلنت إفلاسها تباعاً وأخذت تتساقط كأوراق الشجر في فصل الخريف ، الأمر الذي أربك الساسة في المجتمعات الرأسمالية وجعلهم في حيرة من أمرهم فعمليات الانهيار التي أصابت المؤسسات الرأسمالية فاقت كل التوقعات وأصبحت عمليات إعلان الإفلاس تتتابع بصورة مخيفة جعلت الرئيس الأمريكي ” جورج دبليوبوش” وهو رئيس زعيمة ” المجتمعات الرأسمالية ” يصرخ هذه المرة معلناً في اعتراف صريح ” بأن الأزمة هي أكثر من مجرد أزمة تتعلق بإفلاس مؤسسات وإنما بإفلاس – النظام الاقتصادي القائمة عليه هذه المؤسسات .
إن النظام الرأسمالي قد وصل بممارساته الاستغلالية الاحتكارية إلى طريق مسدود بعد أن حول حياة الناس إلى جحيم وشقاء وبؤس دائم .. إن مراجعة بسيطة وسريعة للأسس الفكرية التي قام عليها النظام الرأسمالي توضح لنا عمق هذه الأزمة ، وقد شبه أحد المفكرين النظام الرأسمالي كذاك الساحر الذى أوجد غولاً ضخماً مخيفاً ثم عجز بكل وسائله عن التحكم فيه فصار الغول يتحكم في خالقه وعندما شعر رئيس أكبر دولة رأسمالية في العالم بأن شبح الغول أخذ يتسلل إلى كل أروقة ” النظام الرأسمالي ” المنهار لم يجد مفراً من وصف هذه ” الأزمة ” بأنها ” أزمة كبيرة ” تفوق كل الوصفات السحرية والدوائية التي عجزت عن إنقاذ هذا النظام من السقوط حيث تؤكد التقارير الاقتصادية أن الحكومة الأمريكية وفي محاولة ” إنقاذ ما يمكن إنقاذه ” من عمليات التداعيات الخطيرة التي لحقت بالمؤسسات الرأسمالية أعلنت عن خطة لشراء “700” مليار دولار من الديون ” الرهينة السيئة” في عملية إنقاذية مالية هي الأكبر من “الكساد الأعظم ” الذي وقع في الثلاثينيات من القرن الماضي، وملامح هذه الخطة الإنقاذية المالية التي سربتها وكالة الصحافة المشتركة الأمريكية تتلخص في عملية تقوم بها الحكومة الأمريكية وتهدف إلى شراء الديون السيئة لأي مؤسسة مالية أمريكية خلال العامين القادمين .. ووفقاً لهذه الخطة سيتم رفع السقف القانوني للديون الوطنية الأمريكية من (6 10.) تريليونات دولار إلى (3 .11) تريليون دولار وذلك للسماح بتنفيذ الخطة الكبيرة لإنقاذ المؤسسات المالية الرأسمالية من حتمية الإفلاس .. كما تهدف هذه الخطة إلى السماح للمؤسسات المالية المتهاوية بنقل ديونها السيئة للحكومة وذلك في محاولة لتجنب النتائج الاقتصادية الخطرة . ولم تكشف ( الخطة الإنقاذية) عن ما ستجنيه الحكومة من المؤسسات المالية مقابل هذا الدعم الذي يعد خروجاً واضحاً وصريحاً عن قواعد نظام السوق الرأسمالي التي طالما دعت الأنظمة الرأسمالية إلى حمايتها والدعاية لها . كل هذه المؤشرات والدلائل تؤكد بالقطع أن النظام الرأسمالي يشهد مرحلة الانهيار التام على الرغم من كل الوسائل العلاجية الإنقاذية التي مارستها الأنظمة الرأسمالية للمحافظة عليه .. كما اتضح للعالم مدى بشاعة هذا النظام القهري الاستغلالي الذي استغل شعارات الإنسانية والأخوة والعدالة الاجتماعية والمساواة وحقوق الإنسان وغيرها من الشعارات البراقة لتكتسح وتهزم من الداخل كما من الخارج شعوباً بكاملها . إن طبيعة ( النظام الرأسمالي) الاستغلالية وممارساته اللإنسانية أدت إلى تفاقم المشاكل السياسية والاقتصادية ودمر العلاقات الاجتماعية الأساسية التي تؤسس لبنة المجتمع “الأسرة” وأفقدها مكانتها وقد سيتها الإنسانية وحولها إلى علاقة تجارية ربحية وأرقام حسابية يرى أنها مصدر للإثراء والازدهار في الوقت الذي يعد بكل المقاييس مصدراً للأعمال الإجرامية اللاأخلاقية التي تنتهك حقوق الإنسان وتدوس على كرامته الإنسانية . إن الحل لكل ما تعانيه شعوب الأرض يكمن في الفكر الجماهيري الانساني العادل والخلاق فالتاريخ يبدأ بانتصار الجماهير على جلاديها وامتلاكهم لمقاليد أمورهم من خلال الأخذ بفلسفة سلطة الشعب . وفي النهاية يظل تكهن ( فرانسيس فوكوياما) مجرد تكهن مثله في ذلك مثل تكهن ( هتلر) عن ( الرايخ الثالث) الذي سيعيش ألف عام ، أو تكهن الأيديولوجية الماركسية عن ( اليوتوبيا الموعودة) .. وستظل الحقيقة الساطعة للجميع تبهر الشعوب الباحثة عن الحرية والعدالة والمساواة من خلال ميلاد الرأسمالية الشعبية بامتلاك الجماهير لثروتها عن طريق برنامج توزيع الثروة لجميع أفراد المجتمع وبهذا تكون الجماهير قد امتلكت عمليا وفعليا السلطة والثروة والسلاح ومن هنا تكون بداية التاريخ