يحيى العمدة
تناول بعض الصحفيين عن جهل الأحداث في ليبيا بطريقة تفتقر للمهنية ، وعمل بعضهم على صب الزيت على النار المشتعلة أصلاً ، واعتمد بعضهم على ما تبثه قناة الجزيرة التى خدعنا فيها جميعاً ، إذ كنا نعتبرها رئة نتنفس بها وتعاملنا معها من هذه الزاوية ولم نكن نعلم أن الهواء الذي نتنفسه هواء مسموم ، فالقضية أيها السادة وبلا لف أو دوران هي صراع على السلطة فى أدق معانيه ،أطرافه متعددة وتمرد صريح على الدولة ومن يقودون التمرد وبكل أسف كانوا من ضمن المكلفين بمهام رسمية في الدولة ، فالاطراف هي خلطة غير متجانسة تجمع ألوان طيف سياسي مختلف في كل شيء ،بعض أطرافه موغلة فى التطرف مثل القاعدة وبعضها الآخر يعتمد على نظرية ماركسية تم ترقيعها وتحسينها بمحسنات ليبرالية غربية ، فالتحالف المتمرد يحمل في جيناته خلافات حادة وقنابل موقوتة ستنفجر لاحقا ويمكن أن تدفع المنطقة بأسرها فاتورة تجاهلها وإهمالها لمبادرة مصالحة ، تعيد الأمور إلى نصابها ، والملفت للنظر أن الجميع يتعاطى مع الحدث بسطحية تتماشى مع الأجندة الخفية وللحقيقة فإن الإعلامي الوحيد الذى أصاب كبد الحقيقة وتطرق إلى القضية بشيء من الموضوعية هو الاستاذ ثروت قاسم في مقالة بعنوان (أسرار العدوان على ليبيا ) التي أشار فيها بوضوح إلى الدور الذى قام به الصحفي الفرنسي (برنارد هنري ليفي) مدير تحرير صحيفة (ليبراسيون) ، والتى تشير روايات مؤكدة إلى علاقاته باللوبي الصهيوني ، الذي لعب دورا مشابها لدوره الحالي في قضية دارفور وتحويلها من المحلية إلى العالمية ، وهو نفس الدور الذي لعبه مع الأزمة الليبية ، فهو المهندس الأساس لعمليات التعاطي الدولي مع القضية ، واستفاد أيضا من الماضي الملىء بالمرارات الغربية تجاه الوضع في ليبيا ، ما حول الأزمة إلى ورقة انتخابية لساركوزي وأوباما ، أما البقية الباقية التي تسير في الركب ، كل له أغراضه ومصالح إلا المجموعة العربية التي لا مصلحة لها في تأزيم الصراع وكان الأحرى أن تطرح مبادرة مصالحة بين الأطراف تحقن دماء الليبيين ،وتوقف آلة التدمير الغربية التي لا يهمها إن أبيد كل الليبيين وبقي النفط ! فقوات الحلفاء تقصف الجميع ولا تفرق بين أبناء الشعب الليبي شرقاً وغرباً فقد تعرضت مناطق في الشرق لقصف ، قد يبرره بعضهم ويقول إنها تمت عن طريق الخطأ على شاكلة مصطلح النيران الصديقة فى العراق وأفغانستان ، وما نود أن نتطرق إليه وبصورة مباشرة أن هذه الحملة لها أغراضها وأجندتها الخفية كما لا ننكر أن هنالك أخطاء ومشاكل ، ولكنها لا تحل بالعنف والرصاص أين العرب وأين علماء الدين ..؟ لماذا عطلت النصوص الصريحة التى تعالج مثل هذه القضايا امتثالا لقوله تعالى بما معناه (( وإن طائفتان من المسلمين المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما وإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفي )) وقوله وهو أصدق القائلين (( أطيعوا الله والرسول وأولي الأمر منكم )) إن القضية لها بعدان ، داخلياً كان من الممكن حله عبر الحوار والتفاوض وهو الوسيلة الوحيدة لإنهاء الصراع ، والبعد الخارجى فله خيوط متشابكة ومعقدة ، بعضها يتمثل في أطماع ومصالح اقتصادية وأخرى ذات طبيعة ثقافية من ضمن صراع الحضارات ، فالدور الليبي من خلال منظمة الدعوة الإسلامية فى إفريقيا (فى ظل السيطرة والهيمنة المفروضة بواسطة المشروعين الفرانكفوني والانجلوسكسوني ومنظمات التبشير الكنسي) التي ترى في الإسلام عدوا لذوداً وتعمل على الحد من انتشاره في إفريقيا ، أضف إلى ذلك مشروع الاتحاد الافريقي والدور المحوري لليبيا في هذا الصدد فالغرب يعمل على أن تظل إفريقيا بقرة حلوبا ومنتجا للمواد الخام الأولية للمصانع الغربية ، فالقضية تتعدى جوانب ( الحب والكراهية ) التي تعتبر محركا أساسيا لدى بعض العرب ما يدفعهم للفجور في الخصومة وتجاوز الخطوط الحمر ، ولم يطرح أحد على نفسه تساؤلا ويجيب عليه بعد أن يحكم عقله وضميره من المستفيد من قتال الليبيين بعضهم بعضا ؟ ومن المستفيد إذا تحولت ليبيا إلى عراق ثان ؟ ومن المستفيد إذا تقسمت ليبيا وتجزأت إلى مجموعة من الامارات ؟ إن الجميع مطالب بإعادة قراءة الأحداث من زوايا مختلفة وأول المعنيين دون شك الشعب الليبي ومن ثم الأمة العربية والإسلامية ، بعيدا عن الحساسيات وتصفية الحسابات ، فلا غالب ولا مغلوب في هذا الصراع وإن كان هنالك خاسر فهو الشعب الليبى والعرب ، لذا ينبغي ألا نركض خلف سراب الاوروبيين ونطلق العنان لأهوائنا ، ولنتعظ بالتجارب الماثلة في العراق والصومال وأفغانستان.