نادية العبيدي
قبيل ان الج الى معرض بغداد الدولي بدورته السابعة والثلاثين، من بوابته الرئيسية، كانت ذاكرتي تضج بالكثير من صور دوراته السابقة قبيل الغزو والاحتلال الاميركي ومن هذه الصور:
– دول العالم كله تكاد تتجمع على ارض المعرض بكل ابداعات عقولها من علوم واداب ومخترعات، والمرء في جولة واحدة يشعر كأنه ساح العالم كله ففي جناح كل دولة تسمع موسيقاها وترى موروثها وتأخذ بلبك روائعها.
– فنانون من العالم يقدمون ابداعاتهم على ارضه، هنا فنان يرسم بالريشة، وهناك فنان يرسم بالفحم او بالحبر الصيني، وهناك فنان يرسم وجوه الناس بالمقص على ورق اسود، ومابين هذا وذاك، موسيقي يعزف مقطوعاته ومغنية تؤدي اغتياتها وفرقة راقصة تقدم وصلاتها من الجوبي العراقي الى الدبكة الشامية الى البمبوطية المصرية الى الفلامنكو الاسبانية الى الجاز الامريكي الى السامبا البرازيلية.
– تعج اجواء المعرض باريج الزهور واطايب الورود ففي كل عطفة وفي كل زاوية حديقة مترعة بالينوعة ومزدانة بانواع الزهور التي تمرح على مقربة منها العصافير والبلابل والفواخت.
– مابين جناح وجناح يتمرأى الزائر ليس بابداع المعروضات بل بابداع عرضها حتى يخيل له ان يطوف بمرأى عالمي شامل متناغم على الحب والابداع والسلام والحضارة.
– في كل رواق وزقاق يجد الزائر موظفين عراقيين بأتم أناقة وأفضل لباقة وكياسة جاهزين لتعريفه باشتمالات المعرض وارشاده الى غايته، اضافة الى اذاعة داخلية للمعرض تقدم توصيفاتها ليوميات المعرض وبرامج مسرحه ومؤتمرات الاجنحة الصحفية.
– يحتشد المعرض كل ليلة بعشرات الالوف من العراقيين من كل محافظاتنا وليس من بغداد فحسب، وبينهم يطوف كبار المسؤولين من كل دول العالم في كرنفال للفرح والسلام والتعايش الانساني المحبب.
وكم كانت خيبة املي شديدة، بل مؤلمة وقاسية، حين اخذتني خطواتي الى المعرض في دورته الاخيرة فلم اجد الا مايشوه صور ذاكرتي، وكم تمنيت لو لم اقدم على زيارته كي تبقى التماعات تلك الصور ريانة زاهية عذبة تشيع الامل في النفس.
ففي دورة المعرض الاخيرة لم نجد الا :
– مسقفات ( جملونات) بدائية سميت اجنحة جزافا.
– وسائل عرض اكثر بدائية، فشركات عالمية كبرى لم تجد لها غير امتار عديدة صفت معروضاتها فيها على مناضد بلاستيكية او خشبية.
– الازبال واكوام الاتربة والنفايات علامة اورقة المعرض الاولى فليس من نظافة فيه بالمرة وكأنه سوق من الاسواق الشعبية المسقفة او معرض من معارض السيارات التي نشأت بعد الاحتلال. وبالطبع يمكن استثناء بعض معارض الوزارات الثابتة التي صممت بطريقة مقبولة نوعا ما.
– بعض شركات الدولة تحولت الى دلالات تبيع بضائعها من سيارات الحمل مباشرة بطريقة تثير القرف والغثيان.
– لوحات الدلالة في المعرض اكثرها محطم ومتروك على الارض والقائم منها يتيه المرء ولا يدله.
– لاوجود لموظفين ارشاديين ولا موظفي توجيه وحدث ان سألت اكثر من موظف يحمل باج المعرض عن جناح وزارة التجارة وهي الجهة الراعية والمسؤولة عن المعرض، فاخفق في ارشادنا.
– الحدائق في المعرض ليست غير عشب يابس وان اخضر بعضه فقد تحول الى مكب للنفايات.
– لاموسيقى ولا فنون ولاموروثات.
– والانكى من ذلك كله ان رواد المعرض من العراقيين لم يجتز عددهم بضع مئات، ومامن اثر لزوار من الاجانب غير بعض العاملين في الشركات الاجنبية العاملة في العراق.
ومن المؤكد ان اخفاقات دورات المعرض خلال السنين القليلة الماضية قد افضت الى عزوف العراقيين عن زيارة المعرض.
– ومن مفارقات زيارتي ان شرطيا اميا كان يضم بندقيته الى عنقه وليس الى صدره وكأنه يخشى عليها من السرقة ، ويقف كعمود كهرباء رفض السماح لزميل صحفي بدخول المعرض الامر الذي ادى الى استشاطة غضب الزميل واستدعى تدخل ضابط الجيش المسؤول عن البوابة الرئيسية فحسم الامر لصالح الزميل بينما بقي الشرطي واقفا مثل (تمثال من الطين خاوة).