تلويث الدم واستحلاب الهمعلي السوداني

وهذه آفة من آفات شرسة كلبة مكلوبة تضرب بلادنا مثل قنبلة نووية تكتيكية. إنها أيها السادة وقبلكم السيدات، آفة تدخين السجائر ومتبوعاتها بالضرر المبين التي أشهرها الأرجيلة المخلوطة بطعوم الغفلة والتخدير الاستعراضي المنفر.

تبدلت الدنيا وتبلبلت العقول وصارت وحشية قاسية منفلتة مثل غابة. قبل خمسين سنة كان المعلم عندما يمر بزقاق، فإنّ تلاميذه يبدأون بالركض خارج مدى رؤيته، خوفا من عطب افتراضي قد تتركه عصاه فوق أصابعهم الغضة في أول يوم مدارس. الآن سيكون بمقدورك مشاهدة الأستاذ مع طالبه النجيب وهما يجلسان بحانة ويرنان الكأس بالكأس والسيجارة بالسيجارة.

قتلى التدخين يكاد يتجاوز عدد قتلى الحروب وحوادث السير الطائرة في السماء والماشية على الأرض والشاقة بحر اللاجئين التعساء.

تبدأ هذه العملية غالبا بسيجارة واحدة مسروقة من باكيت الأب النائم، ثمّ تتحول إلى علبة يومية كاملة يشفطها الولد الذي لا يشبه أولاد أيام زمان، حيث واحدهم كان لا يجرؤ على إشعال لفافة تبغ أمام الأب الواقف مثل عصا إنذار مبكّر.

من خبرتي الدخانية رأيت أنّ التدخين ليس حاجة بايولوجية ملحّة، وتأثيراته في التوازن وثلم بعض قهر البشر تكاد تكون معدومة، قبل أن يصير الأمر كله عادة ذات احتياج نفسي استعراضي صرف. في البدء أيضا وأيضا، يخرج الفتى إلى الشارع فيشعل سيجارة بيد مرتعشة، ليقول لحبيبته إنه الآن يعرّش على عتبة باب الفحولة القاسي، فتستذوق البنت هذا المنظر وتشتهيه لتكون شريكة مساهمة في تلويث دم حبيبها المنتظر.

لهجر هذه العادة أو التقليل من شفطاتها، استعن بمنظر أطفالك وهم يستنشقون منفوثك السام دون أن تكون لهم قدرة عقلية وجسدية على منعك من اقتراف هذا الفعل المدمّر. لا تزرع باكيت الدخان على مائدة الكتابة أو القراءة أو الفرجة التلفزيونية، لأنك ستشفط سيجارة كل ثلاث دقائق مثيرة، بل أبعد العلبة عن مكان جلوسك كي تستفيد من رحمة قانون التنبلة والتكاسل، ومن تجربتي الدخانية وجدت أن هذا المسلك قد وفر علي نحو نصف العلبة. سأختم المكتوب بقصيدة دخانية هايكوية كما أراها تقول بصوت خفيض:

أصطفي مائدتي منتبذا وحيدا

بجسدٍ تالفٍ

سأكرّزُ الأيامَ

وأُدخّنُ الأصدقاء. 

Facebook
Twitter