صاحب الامتياز
رئيس التحرير
عبدالرضا الحميد

تحقيق تشيلكوت يوجه اصابع الاتهام للمجرم توني بلير بالانسياق وراء المجرم بوش زعيم حزب توني بلير: غزو العراق اسوأ مأساة خلال ستين عاما

استغرق جون تشيلكوت سبع سنوات ليقدم التحقيق، ولكنه اتسم على الأقل بالوضوح عمَّا حدث حينما انضمت حكومة حزب العمال البريطاني بقيادة توني بلير إلى جورج دبليو بوش في غزو العراق للإطاحة بصدام حسين.

وكانت لغة تشيلكوت مباشرة في قول إن المملكة المتحدة اختارت المشاركة في غزو قبل استنفاد الخيارات السلمية للتعامل مع حسين، وإنه لم يوجد خطر وشيك على بريطانيا في مارس/آذار عام 2003، وإن بلير قدّم نقاشات عن وجود خطر بيقين غير مبرر. وهذا كان تقريرا قويا، ولم يكن محاولة للتمويه كما خشيت بعض أسر الجنود.

وقد ذكر التقرير أن التخطيط والتحضير للعراق فيما بعد صدام حسين كان “غير كاف بالمرة”. فقد جرت الاستعدادات العسكرية في سرعة وفوضى وفشلت حكومة بلير في تحقيق أهدافها.

وقبل بدء الغزو في مارس/آذار من عام 2003، رأينا أكبر مظاهرات عرفتها شوارع لندن على الإطلاق من قبل محتجي “أوقفوا الحرب”. وما ذكره السير جون تشيلكوت عن أن أجهزة الاستخبارات لم تتأكد من استمرار صدام حسين في إنتاج أسلحة كيميائية وبيولوجية، بل كانت مبنية فقط على الشكوك، سيُريح منتقدي الحرب.

وتركت القراءات الأولية للتقرير الضخم انطباعا أن ما قالته وفعلته الحكومة حُدد بصورة مُسبقة ليس على أساس ما رجحته أجهزة الاستخبارات، بل على أساس ما اعتقد الناس أنها رغبات رئيس وزراء قد سبق وقال للرئيس جورج دبليو بوش في يوليو/ تموز 2002 إنه معه “أيا كان”.

وقد أشار التحقيق أيضا إلى ملاحظات بشأن عملية اتخاذ القرار، وخاصة في كيفية اتخاذ بلير لقرار أن هناك أساسا قانونيا للحرب بشكل فعال، وهذا هو الموضوع الذي غير نائبه العام رأيه بشأنه بعد زيارة إلى الولايات المتحدة.

اشتهر بلير بحكومته “العائلية” والتي تضمنت مجموعات صغيرة من المقربين، وهو اعترف في أعقاب التقرير أنه ربما كان لا بد أن يتخذ المزيد من القرارات رسميا من خلال حكومته. وقد انتقد التقرير أنه في زمن بلير، لم تُعرَّف أو تُكشف مخاطر العمل العسكري للوزراء.

فما سيتغير نتيجة لتقرير تشيلكوت؟ ليس توني بلير. بالرغم من أن مظهره كان هزيلا ومتوترا وأنه كان يتحدث بشكل عاطفي، الأربعاء، فإنه أصر أن هناك شيئين لن يفعلهما أبدا. فهو لن يعتذر عن إسقاط صدام حسين، ولن يعترف بأن الأرواح التي أزهقت قد ضاعت سدى.

وقد اعتذر بلير عن الأخطاء وقال إنه يتفهم حزن أسر الضحايا، لكنه أدى واجبه بأفضل الدوافع. وبينما أشار التقرير إلى أن بلير بالغ في تقدير قدرته في التأثير على بوش، إلا أن رئيس الوزراء الأسبق صمم أنه منذ أحداث 11 سبتمبر/ أيلول، كان مكان بريطانيا المناسب هو بجانب أقوى حليف لها.

وقد تغيرت بعض الأشياء بالفعل. ففي حديث رئيس الوزراء البريطاني دفيد كاميرون مع البرلمان بالنسبة لتشيلكوت، أكد كاميرون أنه أسس مجلس أمن قومي للتعامل مع قرارات مثل التحرك العسكري، وزعم أن ثقافة موظفي الخدمة المدنية والمستشارين قد تغيرت بحيث أنهم لا يخافون التعبير عن شكوك بخصوص قرارات معينة. ولكن كونه متدخلا في شؤون ليبيا، أصر أن انتقادات تشيلكوت لا تعني أن التدخل العسكري هو دائما خطأ أو أنه يجب على بريطانيا الآن الابتعاد بعيدا عن اتخاذ أي دور بالعالم.

وبالنسبة للشعب العراقي، الذي عانى على نطاق مختلف تماما منذ الغزو، يعتبر تحقيق تشيلكوت غير مهم وبلا طعم بالنسبة لهم.

والرجل الذي اعتذر لهم مباشرة كان زعيم حزب العمال، جيريمي كوربين. وفي خطاب في وستمنستر اعتذر للشعب العراقي بالنيابة عن حزبه لإطلاق هجوم قال إنه أخطر كارثة في السياسات الخارجية على مدار الـ60 عاما السابقة، والتي أودت بمئات الآلاف من الأرواح.

واعتذر كوربين أيضا للأسر البريطانية لفقدان أو إصابة جنود قال إنهم لم يجب عليهم أبدا المشاركة في حرب. كما اعتذر للشعب البريطاني عما وصفه بتقويض الديمقراطية بسبب أسلوب اتخاذ بلير لقرار المشاركة في الحرب في مقابلات سرية مع جورج بوش.

ولن يتوقف الحديث عن تحقيق تشيلكوت في الفترة المقبلة، وبالذات من جهة القائلين إن أسر الضحايا قد يتخذون إجراءات قانونية ضد بلير في المحاكم.

ولكن من المُستبعد أنهم سيغيرون شيء في نتيجة غزو 2003 المأسوية، والذي حدث من خلال تقسيم العراق وجعلها دولة فاشلة مقسمة بشراسة.

ووجهت لجنة بريطانية تولت التحقيق في حرب العراق انتقادا شديدا يوم الاربعاء لبلير بشأن عدد من القضايا قائلة إنه جرى التضخيم من شأن التهديد الذي كانت تمثله أسلحة الدمار الشامل التي كان يعتقد أن صدام حسين يملكها وإن التخطيط لما بعد الحرب كان غير كاف.

ورد بلير على نتيجة التحقيق بأنه اتخذ قرار الحرب “بنية خالصة” وما زال يعتقد أنه كان من الأفضل الإطاحة بصدام وأنه لا يرى أن حرب العراق كانت سببا في الإرهاب الذي يشهده اليوم الشرق الأوسط ومناطق أخرى.

وقال رئيس الوزراء السابق الذي بدا عليه التوتر للصحفيين “تبين أن التقييمات التي قامت بها المخابرات وقت خوض الحرب خاطئة. تبين أن التبعات أكثر عدائية وأطول مدة وأشد دموية مما كان يمكن أن نتصوره على الإطلاق.”

وأضاف “من أجل كل هذا أعبر عن مزيد من الأسف والندم والاعتذار أكثر مما تعتقدون.”

وبلير هو رئيس الوزراء الوحيد من حزب العمال الذي فاز بالانتخابات العامة ثلاث مرات وشغل المنصب لمدة عشر سنوات حتى عام 2007 وتمتع بشعبية كبيرة في أوج مجده لكن حرب العراق أضرت بشعبيته وتركته كثيرا.

ولم يذهب التقرير الذي طال انتظاره لحد القول بأن التحرك العسكري كان غير قانوني وهو موقف من المؤكد أن يصيب الكثيرين من منتقدي بلير بخيبة أمل.

وقال رئيس لجنة التحقيق جون تشيلكوت في كلمة عرض فيها نتائج التحقيق “انتهينا إلى أن الظروف التي تقرر خلالها أن هناك أساسا قانونيا للتحرك العسكري لم تكن مرضية على الإطلاق.”

وقال بلير إن التقرير يبرئه من الاتهامات بالكذب التي أثارها أقارب بعض من نحو 179 جنديا لاقوا حتفهم في الصراع.

وأضاف في بيان “التقرير يضع حدا لاتهامات سوء النية أو الكذب أو الخداع… سواء اتفق الناس أو اختلفوا مع قراري بالتحرك العسكري ضد صدام حسين فقد اتخذته بنية خالصة وبما اعتقدت أنه في صالح البلاد.”

وقال أقارب بعض الجنود البريطانيين الذين قتلوا في العراق إنهم سيدرسون تقرير لجنة التحقيق لمعرفة ما إذا كانت هناك إمكانية لإقامة دعوى قانونية ضد المسؤولين.

وقال ريج كيز والد الجندي توماس كيز (20 عاما) وهو واحد ممن قتلوا “نعلم جميعا اللاعبين الرئيسيين… الذين شاركوا في أكثر الحلقات فوضى في السياسة البريطانية. نود أن يواجه كل هؤلاء اللاعبين الرئيسيين شكلا من أشكال المحاسبة.”

وأضاف “إذا كان هذا من خلال القنوات القانونية فإننا سندرس ذلك ونرى ما هو ملائم وقابل للتنفيذ. تمت إحالة الأمر للمحامين.”

وسلط التقرير الضوء على ما حدث بين بلير وبوش في الأشهر التي سبقت غزو مارس آذار 2003 وهو الأمر الذي ظل لفترة طويلة موضع تكهنات بشأن صفقات ووعود سرية.

وفي مذكرة مؤرخة في 28 يوليو تموز 2002 أي قبل الغزو بثمانية أشهر قال بلير لبوش “أنا معك في كل الأحوال. لكن هذا هو وقت تقييم الصعوبات بصراحة.”

وأضاف “التخطيط والاستراتيجية المتعلقان بهذا الأمر هما الأصعب حتى الآن. هذه ليست كوسوفو. هذه ليست أفغانستان. بل إنها حتى ليست حرب الخليج.”

وقال تقرير تشيلكوت إن بلير سعى للتأثير على قرارات بوش وعرض أن تقدم بريطانيا الدعم بينما اقترح تعديلات محتملة لموقف الولايات المتحدة.

لكن رئيس لجنة التحقيق أضاف أن بلير غالى في تقدير قدرته على التأثير على القرارات الأمريكية بشأن العراق.

وقال تقرير تشيلكوت إنه لم يكن هناك تهديد وشيك من صدام في مارس آذار عام 2003 وإنه كان يجب توقع الفوضى التي عمت العراق والمنطقة فيما بعد الغزو.

وأسفر الغزو وما تلاه من اضطرابات في العراق عن سقوط 150 ألف قتيل عراقي على الأقل بحلول عام 2009 معظمهم من المدنيين كما تشرد أكثر من مليون شخص.

وقال التقرير إن بريطانيا انضمت لغزو العراق دون أن تستنفد الخيارات السلمية وإنها بإقدامها على ذلك قوضت سلطة مجلس الأمن الدولي.

وقال تشيلكوت “أصبح من الواضح الآن أن السياسة بشأن العراق وضعت على أساس معلومات مخابراتية وتقييمات مغلوطة لم يتم الاعتراض عليها رغم أنه كان يجب أن يحدث ذلك.”

وأضاف أن تقديرات حكومة بلير للتهديد الذي مثلته أسلحة الدمار الشامل العراقية “طرحت بثقة غير مبررة.”

ولم يتم العثور على أسلحة من هذا النوع بعد الحرب.

وقال تشيلكوت إن بلير غير مبرراته لشن الحرب من التركيز على المزاعم بأن العراق لديه “مخزونات هائلة” من الأسلحة غير المشروعة إلى النية للحصول على هذه الأسلحة وانتهاك قرارات الأمم المتحدة.

وأضاف “لكن هذا لم يكن التبرير الذي قدمه للعمل العسكري قبل الصراع.”

وما زال العراق في حالة فوضى حتى اليوم ويسيطر تنظيم الدولة الإسلامية على مساحات كبيرة من الأراضي في البلاد وقُتل 250 شخصا يوم السبت في أسوأ تفجير بسيارة ملغومة تشهده العاصمة العراقية بغداد منذ أن أطاحت قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة بصدام حسين.

والهدف من التحقيق هو أن تستوعب الحكومة البريطانية دروسا من الغزو والاحتلال الذي أعقبه.

وقال رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون بعد إعلان نتيجة التحقيق يوم الأربعاء “لا يمكن أن نعود بالزمن إلى الوراء لكن يمكننا أن نضمن استيعاب الدروس والتعامل معها.”

وأضاف للبرلمان “من الضروري من أجل اتخاذ القرار السليم أن يوفر رئيس الوزراء مناخا يمكن فيه للمسؤولين وغيرهم من الخبراء الاعتراض على السياسات القائمة وطرح الأسئلة بخصوص وجهات نظر الوزراء ورئيس الوزراء بلا خوف أو تحيز.”

وقال جيريمي كوربين زعيم حزب العمال الحالي للبرلمان إن الحرب عمل عدائي استند إلى ذريعة كاذبة وساعدت في إذكاء الإرهاب وانتشاره في أجزاء مختلفة من الشرق الأوسط.

 

 

Facebook
Twitter