الصراع المسلح الطائفي ابتكره ونفذه الاميركان عبر فرق الموت
بقلم : اسرائيل شامير
(( هذه المقالة المهمة كاتبها (اسرائيلي) من أصل روسي ويكتب بالروسية. يتميز بموقفه المناهض للعنصرية الصهيونية وللشوڤينية اليهودية وللدور الذي تلعبه المنظمات اليهودية الداعمة للكيان الصهيوني ووسائل الإعلام التي تملكها أو توجِّهها لغسل الأدمغة وتزوير الحقائق. وبسبب مواقفه تتهمه المنظمات الصهيونية بمعاداة الصهيونية ، وقد ترجم العديد من كتبه الى العربية ، ولكن بلدا مثل فرنسا منع كتبه وحاكم ناشره.
في هذه المقالة يشرح بوضوح ماذا أرادت أمريكا من العراق وكيف تعمل على تفكيكه ، ولماذا ، . مقالة جديرة بالاطلاع)).
بعد وقت طويل من بدء ظهور اكوام الجثث على الارصفة ، ضحايا قتلة مجهولين، نشرت مجلة نيوزويك خبرا عن خطة للبنتاغون لاستخدام فرق الموت المكافحة للتمرد للقضاء على المقاومين العراقيين وانصارهم.
وتأكد مايسمى “الخيار السلفادوري” والذي اطلق نسبة لحملة مشابهة في امريكا الوسطى في الثمانينيات.
وفيما يتزايد عدد الضحايا، أبرز الاعلام السائد الاخبار من زاوية متطرفي السنة يستهدفون مدنيين شيعة ابرياء. ولكن الحقائق اظهرت قصة مختلفة. طبقا لتقرير من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية ، فإن أغلب هجمات المقاومة (75%) منها كانت موجهة الى القوات الاجنبية ، وهي تتجاوز بكثير اي هجمات اخرى في المسح الذي رتبت فيه الهجمات حسب العدد ونوع الهدف واعداد القتلى والجرحى. وفي تناقض شديد عن الصورة التي يقدمها الاعلام السائد، فإن الاهداف المدنية كانت تشكل 4.1% من الهجمات فقط.
شهد عام 2005 تصاعدا في عمليات السيارات المفخخة ومعظمها موجه الى اهداف مدنية . ورغم انه قيل ان شبكة الزرقاوي لا تزيد عن 1000 شخص في العراق ولكن يبدو كأن لديه معينا لاينضب من الرجال المستعدين للتضحية بأنفسهم للجهاد. ولكن كان هناك تفسير آخر.
(يأتي الكاتب بأمثلة عن قصص تفخيخ الأمريكان لشاحنات يفتشونها ويدسون فيها عبوات دون ان يعلم صاحبها ويرشدونه للذهاب الى مناطق معينة ويفجرون الشاحنة عن البعد.
يشير الى مصادر: مدونة د.عماد خدوري ومدونة ريفربيند).
القوات الخاصة البريطانية (ساس) في البصرة
يتحدث الكاتب عن واقعة الرجلين الذين كانا يرتديان ثيابا عربية في مركبة محملة بالمتفجرات واعتقالهما من قبل القوات العراقية ثم اقتحام القوات البريطانية للسجن والافراج عنهما.
في السنة الثالثة للاحتلال اصبحت خطط تدبير فوضى طائفية اكثر وضوحا. في احدى الوقائع ابلغت شرطة بغداد قادة جيش المهدي بان مسلحين قرب قرية المدائن كانوا يحتجزون 150 مدنيا شيعيا . وحين ارسل جيش المهدي مقاتلين الى تلك المنطقة للتفاوض لاطلاق سراحهم ، اطلقت عليهم النار وفقدوا 25 رجلا وقال مساعد في جيش المهدي “اعتقد ان هذا كان كمينا واطلاق النار كان كثيفا جدا”، مضيفا ان المهاجمين استخدموا قناصة واسلحة آلية ثقيلة. ولم يكن اهالي المنطقة على علم بأزمة الرهائن المفترضة ولم يكتشف اي رهائن هناك .
سامراء والحرب الأهلية “
ألا يمكن ان يكون هذا شيئا جيدا ؟”
رغم ان غسيل الدماغ الطائفي كان مؤثرا بوضوح ولكن العراقيين استمروا في طرد فكرة الحرب الاهلية.
في اعقاب تفجير القبة الذهبية في سامراء ، ارتفع معدل القتل الطائفي في العراق الى درجة كبيرة وكان المسؤولون عن التفجير كما شهد حراس الجامع يرتدون زي الحرس الوطني حسب.
والقوات المشتركة العراقية الامريكية التي كانت تقوم بدوريات في المنطقة المحيطة ، ساعدوا هجمات الميليشيا على مسجد سني في “رد فعل” مدبر مسبقا.
كان رد فعل معظم العراقيين العاديين مختلفا تماما. وطبقا لسامي رمضاني “لم تكن اي من مسيرات الاحتجاج الفورية موجهة ضد الجوامع السنية . وقرب المسجد المفجر نفسه، شارك السكان السنة مع الاقلية الشيعية في المدينة في ادانة الاحتلال واتهموه بمسؤوليته عما حدث. في الكوت قامت مسيرة يقودها جيش المهدي في حرق الاعلام الامريكية والاسرائيلية. في مدينة الصدر ببغداد خرجت مسيرة هائلة ضد الاحتلال. ولكن الاعلام الغربي استمر في التشبث بكل واقعة منفردة كدليل على تفكك اجتماعي لايمكن علاجه. وقد كتب دانيل بايبس شاعرا بالارتياح لأن الصراع الطائفي يقلل الهجمات على القوات الامريكية حيث يقاتل العراقيون بعضهم بعضا. ثم بثت شبكة فوكس للانباء تصريحاته بعنوان على الشاشة يقول “اللجوء للحرب الاهلية ؟ حرب اهلية شاملة في العراق. هل يمكن ان تكون شيئا جيدا ؟”
التاريخ باعتباره سرا
مفتاح تبرير الهجمة الاستعمارية على العراق هو انتاج لا ينقطع من الأكاذيب. والصهيوني توماس فريدمان شبه عراق صدام بما كانت عليه الاباما من تفرقة عنصرية ايام شنق السود على الأشجار، حيث كان يعتبر الشيعة والاكراد في منزلة اقل من البشر. ولم يفكر فريدمان اثناء تحليله في الاشارة الى حقيقة ان وزير الصحة كان كرديا وان اثنين من الشيعة شغلا منصب رئيس الوزراء (سعدون حمادي ومحمد الزبيدي) او ان نائب الرئيس كان مسيحيا. في واقع الأمر ان العراقيين كانوا نادرا ما يسألون عن ديانة او عرق القادة والمسؤولين. لم يكن ذلك مما يهمهم.
في اثناء ذلك كانت الاشاعات تجد صدى لدى منظمات (حقوق الانسان) حول قيام النظام العراقي بقتل 70 الف انسان كل سنة بدون ان يلاحظ احد. ولكن رغم كل ما يقال عن النظام، فإن الزائر الذي كان يمر في بغداد في التسعينيات لم يكن يرى دبابات او مفخخات او اختطافات او ضربات جوية او نقص في الوقود او الكهرباء او معسكرات اعتقال كبيرة . وكما قال مايك وتني “لم يكن لصدام نية تفكيك الدولة والجيش والمؤسسات المدنية ، ولا نهب المتاحف او قتل المدرسين والمفكرين ، او التطهير العرقي للمسحييين والسنة ، او اثارة العنف بين المذاهب.
لم يكن لصدام خطط زيادة سوء التغذية ولا تخفيض تدفق الماء النظيف ولا قطع الكهرباء او ازالة شبكة الحماية الاجتماعية زيادة الفقر والبطالة، او وضع العراقي ضدالعراقي في معركة ضارية للبقاء.
لم يتبن صدام نظرية المحافظين الجدد حول الدمار الخلاق، التي دفعت بشعب كامل الى الفوضى بتخريب النسيج الاجتماعي العراقي وادت بالناس الى اللجوء الى الميليشيات من اجل أمانهم. “
ان الحقيقة هي ان اقتراب ذروة الانتاج النفطي العالمي تهدد في اضعاف القوة الامريكية ومن هنا لم يكن يسمح لعراق صدام ، وهي دولة نفطية غنية ومستقلة في اهم بقعة ستراتيجية في العالم ان تستمر في البقاء.
ولكن المقاومة الشرسة للاحتلال اجبرت الولايات المتحدة الى اللجوء الى خطتها البديلة (رسميا لم يكن لديها خطة بديلة) . في هذه الخطة يحدث شيء مثل الخطة التي اقترحها عوديد ينون لبلقنة البلاد.
ينبغي تفكيك الدول المستقلة القائمة ، الى دويلات ضعيفة اقرب الى المحميات. التفاصيل قد تختلف ولكن تفكيك يوغسلافيا خدم بدون شك كنموذج.
كتبت ديانا جونستون “في التسعينيات لم يعد المجتمع الدولي الذي تقووده الولايات المتحدة مهتما ببناء الأمم، بل أن تدمير الدول كان هو الشكل المناسب للتوافق مع متطلبات العولمة الاقتصادية (كتاب “حرب الأغبياء الصليبية: يوغسلافيا والناتو واوهام الغرب” للكاتبة ديانا جونستون 2002). ومن اجل هذه الغاية ،ـ في العراق كما في يوغسلافيا، تحالفت الولايات المتحدة مع “مفككي الدول” و زعماء الطائفية، وهي تنادي علنا باحترامها للسيادة الوطنية.
ومن ازالة اي سوء فهم، اوضح منظرو المحافظين الجدد بقولهم “التوترات الطائفية “الطبيعية” سوف تتصاعد في غياب دولة قمعية لاخضاعهم. ولهذا السبب ، وتحت قيادتهم الحميدة (المحافظين الجدد) سوف يترك العراق ليتحلل الى مكوناته الاثنية.
العراق يقاوم
بعد قصف العراق في 1991، كان اعلان جورج بوش الاب عن “نظام عالمي جديد” من الهيمنة الامريكية، تبنت منابر السياسة الخارجية، فكرة الغاء الدول.
في الواقع، إن فرض نموذج التقدم الغربي على العالم بعد الحرب العالمية الثانية هو الذي انهى استقلال الدول التقليدي.
الايديولوجية (الجديدة) كانت ببساطة الاعتراف بالحقائق على الارض.
بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، توقع دعاة فكرة اللا دولة وهم يحتفلون بذلك الانهيار، اقتراب (نهاية التاريخ) الذي سيرى كل شعوب العالم تندمج في حياة استهلاكية رأسمالية مدينية معولمة.
وهكذا فإن “التنوع الفوضوي للثقافات والقيم والمعتقدات التي كانت سببا للصراعات في الماضي” سوف تزول بعملية التوحد السياسي والثقافي. مازال الوقت مبكرا لتخمين نهاية لهذه الرؤية الهاذية، ولكن في كل انحاء العالم ، يكافح الناس لصنع مستقبلهم ، بدون الاستماع الى نصيحة الصفوة المتفوقة.
في العراق، الوعي بالصورة الكبيرة اكبر منه في اي مكان آخر. ولهذا لم يتحقق الانهيار في صراع طائفي شامل. وبينما تتصاعد المقاومة المسلحة في صراعها ضد الولايات المتحدة فهي ايضا تواجه الارهابيين الجهاديين السلفيين ، وهناك حلية تعلق في الرقبة اصبحت شديدة الرواج بين العراقيين تراها على الارصفة وفي التلفزيون في اعناق المذيعات وهن يقرأن نشرة الاخبار، الحلية بشكل خارطة العراق.
وحين بثت محطات التلفزيون صور الشباب الذي يحمل الكلاشينكوف ويقف كتفا لكتف في مواجهة اقوى جيش في العراق في الفلوجة، كانت الصور ترمز لمقاومة اسطورية. ولكن الى جانب المقاومة المسلحة، فإن الصحفيين والمفكرين والنقابات والعراقيين من كل الطبقات وكل في مجاله، يواجهون الهيمنة العسكرية الشركاتية. وعلى كل انسان ذي ضمير ان ينضم اليهم.