تداول ناشطون ومدونون على شبكات مواقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” في الأيام القليلة الماضية، النقاش حول دعوى قضائية رفعها النائب الحالي ومستشار الامن الوطني السابق، موفق الربيعي، ضد اعلامي عراقي، ما يكشف الإرهاب الذي يمارسه سياسيون عراقيون ضد الأصوات التي تنتقدهم.
وكان الإعلامي العراقي نبيل جاسم، وهو مقدم برامج في قناة “دجلة ” الفضائية، تساءل حول أسباب عدم كشف الربيعي، لاسماء إرهابيين “اماراتيين” في العراق طوال السنوات الماضية بعدما ذكر الربيعي في بيان له الأسبوع الماضي، ان الامارات أرسلت الارهابيين والمتفجرات الى العراق في 2007 في معرض رده على وزير الخارجية الاماراتي والذي اتهم في تصريح له، العراق وسوريا بتوفير أسباب ظهور داعش.
واثار عزم الربيعي اللجوء الى القضاء، جدلا واسعا حول التّبرم وسوء الفهم الذي يبديه بعض السياسيين من كشف الحقائق امام وسائل الاعلام.
وكان الربيعي، ردّ على قول وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد آل نهيان لصحافيين، الخميس الاسبق في موسكو، من إن محاصرة الإرهاب والقضاء عليه، لا يمكن أن يتم دون معالجة أسباب ظهوره وانتشاره في المجتمع، وهي أسباب خلقها نظاما دمشق وبغداد بقمعهما لشعبيهما وعدم تحقيق المساواة بين مواطني البلدين دون تمييز بين عرق أو دين أو طائفة، على حد تعبير الوزير الاماراتي الداعم الاساسي لعصابات داعش الارهابية.
وقال الربيعي في بيان نشره موقعه الرسمي على الانترنت إن “عشرات المفخخين الإماراتيين تفجّرت جثثهم العفنة في العراق ولدي أسمائهم (أسماؤهم) الكاملة، فضلاً عن 300 طن من أدوات صناعة المتفجرات قبضت عليها الحكومة العراقية قادمة من دبي”.
وأوضح انه “في عام 2006-2007 وردتنا معلومات دقيقة عن إرسال 300 طن من المواد والأجهزة المصنعة للعبوات الملغمة والاحزمة الناسفة إلى البصرة قادمة من دبي فاعترضتها القوات الأمنية واحبطت تلك العملية الإرهابية”.
وأفاد الربيعي بأن “هناك العشرات من المفخخين الإماراتيين الذين فجروا انفسهم في العراق”.
وقال مستشارون امنيون ومحللون سياسيون ان “بيان الربيعي ادانة صريحة له لانه سكت عن الارهاب الاماراتي طيلة هذه الفترة”.
واستدرك محلل سياسي رفض الكشف عن اسمه “لماذا ثارت ثائرة الربيعي حول الإمارات في هذا الوقت بالذات ولمجرد تصريح وزير الخارجية الاماراتي، فيما لم يحرّك ساكنا طوال سنين، وهو يرى أبناء شعبه يقتلون على ايدي إرهابيي ومتفجرات الامارات بحسب ما ورد في بيانه.
وفي مثل هذه القضايا الحساسة، فان الجدال وتبادل وجهات النظر والرد على المزاعم بالحقائق هو السبيل المهني لكشف ما لتبس من الأمور الى الجمهور، لا اعلان السخط والتهديد وادعاء الحق المطلق، باللجوء الى المحاكم.
وفي حين انتقد الناشطون، موقف الربيعي السلبي من الاعلام، فانهم عرّجوا على تصريحات سلبية للربيعي في أوقات سابقة في السياسة والشأن العام العراقي، عدّوها لا تتناسب مع المناصب التي شغلها.
وقال ناشط مدني عراقي رفض الكشف عن اسمه ان “الربيعي من سياسيي الصدفة الذين تنقصهم الكفاءة لشغل تلك المناصب”.
واقترح ناشط انّ على الربيعي “الابتعاد عن السياسة والعودة ثانيا الى التجارة بعدما اثبت فشله الذريع فيها”.
وقال الناشط أيضا “افتحوا ملفات امنية كثيرة قصّر فيها الربيعي كثيرا، وفشل في منصبه مستشارا للأمن الوطني في المهمات التي أوكلت اليه”.
ولم يستبعد مراقبون للمشهد السياسي العراقي، ان مصالح الربيعي التجارية والمالية، في دبي ودول أخرى، حالت دون كشفه التفاصيل الأمنية التي يقول انها بحوزته.
وموفق الربيعي سياسي عراقي، وعضو حالي في البرلمان العراقي. عينّته سلطة التحالف المؤقتة عضواً في مجلس الحكم العراقي في تموز 2003، وعيّن بعد ذلك مستشاراً في الأمن العراقي في نيسان 2004.
ودوّن المدون قصي العامري في صفحته التفاعلية في “فيسبوك” ان “الربيعي طرح نفسه على انه شخصية عامة وتحدث عن عمليات إرهابية واكيد هناك ضحايا، وان المطلوب للقضاء هو الربيعي نفسه لأمرين أولهما لانه لم يؤد عمله بالشكل المطلوب، ما يعد خيانة للمهمة الموكلة اليه، كما انه انه أفشي أسرار الدولة مستغلاً منصبه السابق”.
ودعا الناشط المدني سيد ايمن الى “ترك سياسة تكميم الافواه التي يمارسها السياسيون في هذا البلد”.
ويتابع “هل يستطيع موفق الربيعي ان يرد بكل مصداقية على كلام نبيل جاسم،؟ قبل اللجوء الى القضاء”.
وقال الاعلامي عدنان الطائي “كان الافضل للربيعي الرد على كلام جاسم عن طريق الاعلام ذاته او البرنامج نفسه، لا اقامة دعوى والتهديد بالقضاء” معتبرا ان ذلك “محاولة لإرهاب الاصوات الحرة”.
ودعا الاعلامي عماد الاعرجي لان يكون هذا الحادث “فرصة لتشريع القوانين التي تحمي الاعلامي، من الملاحقة القانونية والسياسية، لانه يمثل ضمير الوطن والشعب”.
وكتب الاعلامي والكاتب كريم السيد على مدونته في “فيسبوك”، ان “التقاضي حق مشروع لكل مواطن، مثله مثل الرصد والنقد الإعلامي البنّاء، وما شهدته في الحلقة الأخيرة لبرنامج (اكثر من حوار) الذي يقدمه نبيل جاسم، فانه لا يرقى لمستوى التجريح ولا التحريض ولا السب والشتم ولا السب”.
ولا يزال العراق يعيش مآسي التفجيرات واعمال العنف منذ 2003 وكان احد اسبابها مسؤولون من مثل موفق الربيعي، فشلوا في وضع سياسات تحول دون تضرر المجتمع من الإرهاب، وتكتموا على الدول التي تدعم العنف في العراق، لاسيما وان الربيعي كان يشغل منصب مستشارا للأمن الوطني وهي مهمة، فشل فيها فشلا ذريعا الى الحد الذي لم يكن له تأثير ملموس في وضع سياسيات امنية ناجحة في وقت تعرّض فيه العراق الى هجمة شرسة من الإرهاب.
المدون امير الساعدي في صفحته التفاعلية في “فيسبوك” يميل الى القول بانه “لايزال هناك صراع بين تقييد حرية التعبير ومساحة نقد الاعلام، وبين نفاذ صبر المسؤول امام النقد كشخص تنفيذي لم يتربى على مفهوم الديمقراطية “.
وتابع “لهذا يجب على القانون المسيس ان ينبري متضامنا مع الاعلام لدعم بناء المؤسسات ويدافع عن الاعلام والاصوات والاقلام التي أنبرت لتعبر عن حاجة المواطن ودرأ حجم المظالم التي وقعت عليه”.
والربيعي الذي كشف متأخرا الدور الاماراتي في إرهاب العراقيين، متّهم بالمتاجرة في الدعاية الإعلامية لمشاركته في اعدام صدام في 2006، ليجعل منها عكازا يتكأ عليه لتأجيل سقوطه السياسي بعد فشله الذريع في مهمته مستشارا للأمن الوطني.
ومازال الربيعي يحتفظ بحبل المشنقة الذي أعدم بواسطته صدام ، في منزله في منطقة الكاظمية شمالي العاصمة، مع تمثال صدام النحاسي، ليعرضه على وسائل الاعلام في المناسبات المختلفة، فيما كان الأجدر به ان يسلمهما للأرشيف العراقي لأنه أولى بها من منزل الربيعي.