عبدالرضا الحميد
بعض السياسيين غجر ،
وبعضهم كالغجر ،
ولا نرمي بالغجر هنا تلك الفئة التي ادمنت الحط والترحال على اكتاف المدن ، انما تلك الشريحة المعروفة من تلك الفئة التي تتعاطى تجارة اجساد الرقيق الابيض والرقص والغناء في الليالي الحمر في البيوت السرية .
في ما قبل الثمانينيات كان الغجر يتسيدون مناسبات الافراح العراقية فالاباء يضربون على الطبل والاخوة ينقرون على الدف والنساء من الاخوات والزوجات تتطوحن رقصا شبه عاريات بين النفوس المكبوتة ، فيتنافس هذا المكبوت مع ذاك على اقتناء وشاح الراقصة كي تستريح قربه بعد نوبة رقص خليع . وغالبا ما لاتمنح الراقصات وشاحاتهن الا لمن ترصده فراستهن وخبرتهن انه الاثقل جيبا والابسط يدا ، فلا يتركنه تلك الليلة الا لاطما وجهه وشاقا جيبه ونادبا اي احد كي يرشده الى منزله مفلسا محبطا فماله قد انهدر ومابلغ مرامه ولا اسكت جوع نفسه المكبوتة.
وبعض سياسيينا هذه الايام ، كراقصات غجر ذلك الزمان ، فمواقفهم وتصريحاتهم تختلف من مكان الى مكان ومن زمان الى زمان ، حسب ثقل جيب السامع وانبساط يده ، تماما كالراقصات الغجريات ، فان ( حجوا) الى بيت بوش الابيض ، توسلوه ان يديم نعمته لا نعمة الله على ( العراقيين ) ، ونادوا بالويل والثبور وعظائم الامور على الذين لم يهضموا ( الابجدية البوشية ) ولم يحنوا هاما ولم يهزوا رأسا موالية او مداهنة للمحتل الغازي الاوحش. وان حطوا رحالهم في بلد يناهض بوش وغزوه واحتلاله ووحشية دولة القراصنة الافذاذ اميركا ، اطلقوا ألسنتهم باللعنة اللعناء على بوش والنقمة النقماء على جد اجداده !! ونادوا بالمقاومة وطرد الاحتلال ، وان تكهفوا في كهف مجلس النواب او ( تمطرحوا ) في ( المنطقة الخضراء ) صاروا اكثر طالبانية من طالباني واكثر مالكية من المالكي واكثر مشهدانية من المشهداني .
احد هؤلاء السياسيين الغجر ، وهو اسم شهير بـ ( جلجلوتيات ) تصريحاته ، وزعيم كتلة ، التقيت به على مائدة غداء رسمية في احدى العواصم ، على هامش مؤتمر ، وكعادته استغل جهل الاخرين واصغائهم، واندفع في كيل الذم للحكومة ، والمديح للمقاومة ، ولربما كنت سأكون اول الحافظين لما قال عن ظهر قلب ، لو لم اعرف حاله في بغداد ، ولما استفاض في النفاق ، كان علي ان اكشف عورته امام الاخرين ، ففعلت ، ولم انته من كلامي الا والرجل ينسى اداب الطعام ، فيترك ملعقته ويأكل بيديه ويسيل الزيت على كم قميصه وهو يرتجف من رؤية الناس لعورته.
ومما قلته هناك ( ياسادة يبدو ان في عراقنا الحالي كثرة كاثرة من السياسيين الغجر ، فهم في بغداد يشاركون الحكومة في كل برامجها فلهم فيها وزراء ووكلاء وزراء ومدراء ويشرعنون العملية السياسية اذ هم في مجلس نوابها رؤساء كتل ولهم نواب وللنواب نواب ونواب ولهؤلاء خدم وحشم وامتيازات وسيارات مصفحة وحصص منظورة وغير منظورة في صفقات وعقودات ، وفي بغداد يخونون المقاومة ويصمونها بالارهاب ، وهم بيننا هنا الان، وربما بين غيرنا في امكنة اخرى وفي ازمنة اخرى، يلهجون بذكر محاسن المقاومة ، والمقاومة والحكومة ضدان لا يلتقيان ، فهل من سبيل الى الخروج من محنتنا وبيننا كثرة كاثرة من السياسيين الذين يستبدلون مواقفهم كما تستبدل الغجريات فساتين رقصهن بين رقصة واخرى، هل من سبيل الى عراق افضل وبيننا كثرة تتكاثر من السياسيين الذين يضعون خدماتهم كما تضع الغجريات اوشحتهن تحت امرة ذي الجيب الاثقل واليد الابسط؟ هل من سبيل الى عراق ابيض وبيننا من السياسيين الغجر من امثال ابي غبشان ).
ولما تساءل بعض الحضور وهم من بلدان عربية وغير عربية ( من هو ابو غبشان ؟ ) قلت ((( هو من قبيلة خزاعة وكان واليا على الكعبة ، واجتمع ذات ليلة مع قصي بن كلاب على مائدة خمر ، فلما اجهز على حصته من الخمر وسكر طلب المزيد من قصي لكن قصي ابى ان يمنحه ما طلب دون ثمن ، وبعد الحاح من ابي غبشان وتمنع من قصي ومجادلات ومساومات باع ابو غبشان ولاية الكعبة الى قصي بزق خمر ، وتسلم قصي مفاتيح الكعبة ومضى الى قومه مناديا: يا معشر قريش هذه مفاتيح بيت ابيكم اسماعيل ردها الله عليكم من غير غدر ولا ظلم ، ولما افاق ابو غبشان من سكرته ندم ولكن ما ابخس فائدة الندم فقد ذهبت خزاعة لتسترجع مفاتيح الكعبة فما استطاعت فقد غلبها قصي ، وفي هذا قال الشاعر :
باعت خزاعة بيت الله اذ سكرت
بزق خمر فبئست صفقة البادي
باعت سدانتها بالخمر فانقرضت
عن المقام وضل البيت والنادي ))).
وفي ايامنا هذه باع السياسيون الغجر عراقنا بشهوة الكرسي والمال كما باع ابو غبشان الكعبة بزق خمر.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) قبل ثلاث سنوات نشرت هذه المقالة، عسى ان يسمع من في اذنه صمم من السياسيين الغجر، فهل سمعوا؟ وتبدل حالهم؟ اترك اجابة هذا السؤال للاصدقاء القراء الافاضل.