حامد المالكي
لا ادري، لم اتصور في يوم من الايام اني ساتلقى نبأ موت طالب السوداني بهذه البساطة، كنت اتوقع انه اذا مات فسيكون لموته صوت ضحكة ساخرة، لكن تبدو الليلة غارقة بالسكون، طالب السوداني، هذا الذي رغم بؤس نظراته وقلقه الدائم الا ان تلك الروح الشفافة الساخرة تسكنه، تسكن جسده الذي نخره السرطان فملأه ماء وحزن.
مات طالب السوداني اخر الصعاليك في ثقافتنا المهملة، لم ينتبه الى موته الا اقرب اصحابه، كما كان في حياته، كما كان في مرضه، كان اخر لقاء لي معه في قاعة حوار وكان معي المبدع حميد قاسم، يومها طلب مني رقم هاتف الاستاذ سعد البزاز على امل ان يتصل به ليتكفل علاجه خارج العراق، يبدو انه لم يمتلك الوقت للوصول الى سعد البزاز وربما كان هاتفه بلا رصيد سوى ابيات من شعره الساخر، واحلامه المبعثرة وبقايا من دموعه على شقيقه عقيل الذي قتل غدرا طائفيا، شعرت به ميتا يمشي على قدمين، قلت له، طالب اريد ان التقط لك صورة تذكارية، وقف جانبي مترنحا، قال لي: صورنا خوية لان اني راح اموت بعد كم يوم… الشاعر يتنبأ بموته، وداعا طالب، ايها الوطني الذي زارني يوم احتلال بغداد وهو يودعني باكيا، قلت له الى اين؟ قال عمان، ما اكدر خوية اشوف الدبابات الامريكية تمشي بشوارعنا، يومها استغربت، لا ادري لماذا استكثرت على طالب هذا الشعور الوطني، مت يا طالب، مت، هذا الوطن لا يستطيع ان يمنحك الحياة، انه وطن الاموات لا الاحياء مثلك