انطروني بباب القصر الجمهوري علي السوداني

حدث هذا قبل احدى وعشرين سنة ببغداد. نُشرتْ لي قصة قصيرة شالت عنوان “آخر أخبار الولد الجميل” فصارت تلك المقصوصة مثل طقطوقة المغنية شريفة فاضل، إذ “عملوها حكاية قصة ورواية، وكلّ القصة وما فيها، شربت أنا قبله وشرب ورايا”. زبدتها كانت هي أنني أسعد إنسان على سطح الأرض لأنني أحلم، فتناسلتْ أحلامي حتى وصلت إلى حلم ممكن بأن أصير رئيسا، وأيامها كانت قد شاعت ببغداد العباسية وضواحيها والمبتعدات، طرفة دالّة عن واحدٍ كان يخطط بليلٍ للانقضاض على كرسيّ الرئيس، فتمّ جلبه إلى دائرة الأمن حتى تبيّن بأنّ الرجل كان يحلم فقط، لكنّ العسس كانوا يلحّون على معرفة من كانوا شركاءه في الحلم.

البارحة تجدّدَ لديَّ ذلك الحلم العتيق، وأنا أُشاهد متأخرا، فيلما مصريا جميلا اسمه طبّاخ الريّس، وكان الرئيس فيه هو الممثل الهادئ البديع خالد زكي، الذي فتح شهيّتي وعيناي بلهفة على كرسيّ الرئاسة. سأُحدد ساعات دوامي رئيسا في القصر الجمهوري بسبع ساعات تكفي لحلّ مشاكل ومعامع الرعية.

في تمام الثالثة سأخرج من بوابة القصر الكائنة بذيل جسر الجمهورية الكرخيّ وأعبر ماشيا صوب رصافتها، فأُحيّي جواد سليم مستعجلا، وأنعطف شمالا بباب شارع الرشيد، وأسلّم على سينما الخيّام وفلافل أبي سمير وشربت أبي منير وسانويجات الهلال الباردة، وأدسّ بيد بوّاب السينما الأخرس المشهور، كمشة دنانير مما تيسّر من معاش الكرسيّ.

أهجر الخيّام وشريط الشمس الحمراء وأصل إلى السنك وأبوس جدران إعدادية النضال التي أكلتْ من عمري أربع سنوات. أشعر ببعض تعبٍ فأستقلّ الباص الأحمر رقم أربعة حتى ساحة الميدان، ومنها سأتقافز حتى أحطّ بمطعم كباب الإخلاص في رأس شارع المتنبّي وهناك سينطرني هادي السيد حرز، وعلى تنغيمات نعيم الشطريّ، ولطائف حامل صحون الكباب والشاورمة النادل زاير، سنأكل هنيئا مريئا.

سيقترح عليَّ هادي داس طاولي واستكانين شاي بمقهى حسن عجمي وبسقاية من أبي داوود. في المقهى سيراودني صحبي الصعاليك عن سكرةٍ طيبة بحانة اتحاد الأباء. سنسهر حتى الفجر، ثمّ نولّي أجسادنا المتضعضعة صوب الباب الشرقي، حيث المؤسسة الاستطعامية وفشافيشها ومخلمتها الوهمية وقيمر العجائز وصباحات الجند والقعدة المحترمة على قواطي النيدو. فواتير الشراب والطعام وكروة المفلسين العائدين صوب أمهاتهم، ستأكل هبرة قوية من معاش الرئيس.

سأبوس وجوه الصحب وأستقلّ تاكسي فولكا إلى قصر الرئاسة، وهناك سيستوقفني حارسٌ غليظ ويعبئ أُذنيّ بالنصّ الحرفي للبيان رقم واحد، فأتوسّل له وأحلّفه بالملح والزاد الذي كان بيننا، فيضحك ويقول لي، نعم يا صديقي الجميل، أنت كنت رئيسا للبلاد حتى الثالثة ظهرا، ولأنني أُحبك قمتُ بمخاطرة كبرى وأنقذت حقيبتك، وفيها ملابسك وكتبك وكمشة من الصور التذكارية في ثنيّات القصر.

 

Facebook
Twitter