عالية محمد حسن
اذا كان احدكم لا يبلغ امنيته من صحيفة طعام ، الا اذا سعى اليها سعيها واعد لها من يجيد طهيها ،فكيف يتوق الى مرتبة من مراتب الحياة الكاملة ودرجة من درجات المدنية الفاضلة بغير علم يقيمها على طريقها واصول تؤديه الى تحقيقها ؟ لأن الكمال جنة معجلة مكملة ، ولكن دونها طريقا محفوفا بصنوف من القواطع لا يجتازه احدكم الا بدليل من العلوم الغالية ، ومشكاة من الاخلاق السامية ، ودافع من همة لا تعرف الملل ونهمة لا يقنعها نهل دون علل .
لقد عرج المصريون الى عوامل من الكمال لما يقصر عنها التعبير ، ويرتد عنها الطرف خاسئا ً وهو حسير . لقد اختاروا ما يليق بجلالتهم ، ويلفضون ما يعدو على كمالهم ، فما اقصر الهمم عن بلوغ هذه الغايات القريبة ، وما اعمى البصائر من هذه المواهب العجيبة .
لقد بدت على حكومة مبارك دلائل الانف ولوائح الصلف ، بعدما فقدوا روح الاصلاح والتعاون في نفوسهم وتعاونوا على ان يطفأوا جذوة الشعور العالي في نفوس المصريين .. ان امثال هذه النفوس الحيوانية الكاسية بالجسوم الانسانية تكون قد ارتقت بسرقة اموال الشعب وهدر كرامته ونهب خيراته ولم يرتق منها سوى خواطرها اما بواطنها فلم ترتق فهي لاتزال تعد من ذوات الأنياب والمخالب وان اكلت الاطايب وتربعت على عرش المراتب .
يزعمون ان الارض قد خلقت لهم ، وجعل كل ما فيها ملكهم ، لا ليقوموا فيها واعباء وكالتهم ، بما يقتضيه العقل الطبيعي والحق الالهي ، ولكن بما توحيه اليهم شهواتهم ، وتوجبه عليهم نزعاتهم ، فتراهم يستثمرون الارض لا لتكفيهم المؤونة وتمكنهم من المعونة بل ليبغي بعضهم على بعض ويستأثرون دونه بكل عرض ، فيشبع القوي حتى يتخم ويحرم الضعيف حتى يعدم ، فترى في كل قصر من قصورهم افراد اكتنزوا الملايين وجمعوا الوف الفدادين بوسائل شنيعة لا تسوغها شريعة فصرفوها في غلة شهواتهم وصدى رعوناتهم ولم يكفهم ذلك فأوغلوا في قتل الشباب غيا في حين ان المصريين لا يجدون ما يسد رمقهم اليومي .
ثلاثين من الاعوام عاش هذا النظام الفاسد وقد اوهم العالم بأنه امام من الائمة وزعيم من زعماء الحكمة ، ووليا من اولياء الفضيلة وعدوا من اعداء الرذيلة وعاش في ضروب من المهارة .. لكن اصالة هذا الشعب ورفضه لمثل هؤلاء استطاع ان يحطم اسطورة المحال .. ويضم صوته الى صوت الحق ويرفع رايات الاحتجاج ويهد كل ما عمره وبناه الاوغال وحينما حانت ساعة الرحيل جاشت الطيور على الاغصان وصفرت صفير الاستحسان ، فأيد الله دولة الطيور ، وخلد ملكها مدى الدهور ، وحاط كيانها بقادة النسور وحتما وحقا لهم ان يختاروا رجلا من بينهم ينتمي الى الحكمة والعدل يكشف غيضهم ويرفع منارهم وللانسانية يبين اثارها ويزبل عارها ويعيد اليهم حقهم المسلوب ولن يزيده في مدينتهم الا الوقوف مضيا لتأييد قضيتهم والدفاع عن حقيقتهم . لقد ثار الشعب بالذي لا يعرف المستحيل لقد رفض رفضا ً جازما ً ان يقبع في كسرة داره قبوع القنافذ وينقبض في بيوته انقباض العواجز ، ورفض ان يتكلم همسا ً ، وينظر فيما حوله خنسا ً ، ويرضى في الفتات ليقول حمداً وشكرا ً . هذه الشعب الأسطورة المناضل الثائر وثورة غضبه لايمكن لها ان تفجر شمس الحرية المشرقة هذه الشعب الحليم الذي اذا غضب يجب ان يحذره الطغات والحكام الأنذال .. وهذه الشعب الذي استبدل حريته بدم الشهداء .. وبالسهر ليال طويلة قضاها بميدان البطولة ، ميدان التحدي ، ميدان الشهادة وبلوغ الغايات ، هذه شعب جمال عبد الناصر ، هذه الصناعة القومية .
بك يامصر تشرق السطور .. بك ياشعب نترنم ونغني للأزاهير والطيور …انتم …انتم يااسود النيل لن يكن بمقدور الطغات ان يخمدوا بالحقد نار كفاحكم يا ناقمين عليهم لن تبقى سوى اثاركم بحار دم ٍ دليل جراحتهم وهذه خالد الشمعة التي انارت درب الحرية ، وهؤلاء الثائرين على الذل والقمع اقسموا بأبائهم ان يجعلوا اثار السجون مقابر للسجن والسجان والمفتاح .. ان ثورتهم شمس ازلية عنونت التاريخ بعناوين مضيئة كالشمس الأزلية تشرق في ميادين التحرير وتجعل من ضياؤها سرمدا ً وضلا ً يتفيئ به الاحرار لقد احرقوا كل المخططات الصهيونية الامريكية التأمرية والقوا بها عرض النيل هذا الشاهد على الحدث الذي ما استطاع ان ينال بأمواجه العاتية من ابطالك الثائرين مهما بلغت رعونة الحكام واستفزازاتهم ومهما تفننوا وتنوعوا في وسائل تفريق الابطال المتظاهرين من قتل ودهس وهراوات وخراطيم مياه ما كان لك يا نيل ان تلف بأمواجك شهيدا واحدا لأنهم ابوا ان يكونوا جبناء وان يلقوا بأنفسهم بين امواجك لقد نازعوا كواسر فرعون بسلاحهم الابيض وحجارتهم وبصمودهم .. لقد تخطوا دياجير الفساد الى صبح الرشاد وساروا في طريق الصواب هنيئا لكم يا شعب مصر لقد اذن الفجر على ايامكم واستبدلتم الظلمة بالنور بصرخاتكم