صاحب الامتياز
رئيس التحرير
عبدالرضا الحميد

النوم مع الشيطان -نصوص مختارة من كتاب روبرت باير – الحلقة الخامسةسيناريو يوم القيامة : ماذا لو دمرت منشآت النفط السعودية ؟

كيس من الأسمدة ودلو من البنزين وعصا من الديناميت ترجع السعودية عشرين سنة الى الوراء

 

 

وقفت سيارة الفورد البيضاء التي تقلني بجانب البرج رقم “7” الذي يعتبر واحدا من أهم عشرة مبان في “بقيق”، ويستخدم لإزالة الكبريت من البترول، أو تحويله من “الحامض” إلى “الحلو”، وفقا للمصطلحات النفطية.

إلى الشرق، ترى عبر الصحراء السعودية، – حيث تلوح الشمس صباحا في الأفق- يقف سائق الشاحنة، وهو واحد من آلاف المسلمين الذين يعملون في حقول النفط السعودية، أطفأ المحرك، وبدا يتفقد ساعته للمرة الأخيرة، وبدأ بتلاوة آيات من القرآن الكريم، التي حفظها منذ فترة طويلة، وأضواء أكبر منشأة لاستخراج ومعالجة النفط في العالم تتلألأ من حوله.

في غرب “بقيق” ترى في سفوح جبال الرماح الجاثمة في قلب المنطقة البدوية، سعوديا وهابيا، من المتعصبين الدينيين الذين حملوا آل سعود إلى السلطة، تم تدريبه في أفغانستان من قبل رجل كان يدرس لدى وكالة الاستخبارات المركزية. وفي سفوح الجبل، تقبع مضخة هي أول محطة في خط أنابيب النفط تنتج ما يقرب من مليون برميل يوميا من الخام من “بقيق” عبر شبه الجزيرة إلى  البحر الأحمر والميناء البحري في “ينبع”.

“آلسعود” في تراجع كبير فالنفط الذي يغذي رغباتهم وشهواتهم  لم يعد منتجا مثل السابق، بوجود الشيطان الأميركي والحماية الإسرائيلية له. العالم يجب أن ينتبه أن الاقتصاد ينهار.

أنا بحثت في التفاصيل وتحدثت عنها، ولكن لم اخترع أي شيء، إنها دراسات لمتخصصين في صناعة النفط السعودي. ففي الفترة الممتدة من 1930 إلى العام 1960 كانت المملكة العربية السعودية مكتبا فرعيا “للعملاق  الأميركي” – الخيال الأممي الجمهوري. وظلت الولايات المتحدة تشعر بالأمان باعتبار أن النفط السعودي سيكون دائما لها، وهو تحت الرمال، وبالرخص عينه، كما لو كانت وجدته في فورت نوكس. قمنا ببناء قطاع النفط في المملكة العربية السعودية، وبجهودنا، حصلنا على حق الوصول الكامل وبسهولة لنفطها الخام.

بداية الذعر الأميركي : أزمة النفط عام 1973

أزمة النفط في العام 1973 أفقدت تلك الزهرة عبيرها، ولكن تحول القلق إلى ذعر في وقت مبكر من العام 1980 خلال الحرب بين إيران والعراق، وخصوصا عندما بدا وكأن إيران ستجر الحرب إلى الجانب العربي من الخليج، بما في ذلك المملكة العربية السعودية.

هذا الكابوس أدى إلى انخفاض في معدل نمو الاقتصاد في العالم، وباشر خبراء الكوارث داخل الحكومة الأميركية وخارجها توجيه أسئلة مقلقة. ما هي النقاط النفطية والبنية التحتية في السعوديةالأكثر عرضة للهجوم الإرهابي؟ وماذا يعني؟ ما أنواع التعطيل القصيرة والطويلة المدى لتدفق النفط؟ وما هي العواقب الاقتصادية؟.

خلص مخططو الكوارث إلى أن المجمع الخام في “بقيق” هو النقطة الأكثر ضعفا في النظام النفطي السعودي والهدف الأكثر جذبا. فبسبعة ملايين برميل تنتج يوميا في “بقيق” يعتبر هذا الموقع “غودزيلا” المرافق النفطية.

عموما، رأى الباحثون أن أي هجوم على “بقيق”، قد يؤدي إلى أضرار جسيمة في صهاريج التخزين والأجسام شبه الكروية الكبيرة المستخدمة للحد من الضغط على النفط خلال عملية التكرير، وأضرار متوسطة على الأبراج حيث تتم إزالة النفط من الكبريت.

استعادة عمل الأجسام الشبه كروية لا يتطلب أكثر من تركيب سلسلة من الصمامات المؤقتة، لتحل في نهاية المطاف بشكل دائم. وصهاريج التخزين لن تكون جزءا كبيرا من المشكلة، وهناك عدد قليل من الإصلاحات هنا وهناك، وسيكون لديها القدرة على العودة للإنتاج الكامل في وقت من الأوقات.استقرار الأبراج قصة أخرى. فالكبريت والنفط يسيران جنبا إلى جنب، العمليات نفسها تستمر وحتى إزالة الكبريت،البترول لا طائل منه، ولنقله من دولة إلى أخرى – ومن حامض إلى حلو – البتروليمر بعملية تعرف باسم “السلفرة الهيدروجينية”.

في “بقيق”، السلفرة الهيدروجينية تجري في عشرة أبراج اسطوانية طويلة. داخل الأبراج، يتم إدخال الهيدروجين في الزيت بكميات كافية لتحويل الكبريت إلى غاز كبريتيد الهيدروجين، الذي يرتفع بعد ذلك إلى الجزء العلوي من الهيكل، حيث الحصاد ويصبح في مرحلة مؤذية، الكبريت آمن بيئيا، وقابل للاستخدام.لكن كبريتيد الهيدروجين هو غاز غير متواجد ومستهلك يوميا. وهو مألوف لطلاب المدرسة الثانوية الذين يدرسون الكيمياء وأما الغاز الأبيض الفاسد، فهو ضار للغاية ويحتمل  أن يكون قاتلا للبشر. طالما أن استقرار الأبراج يقتصر على الغاز فإن كل شيء جيد.

في الغلاف الجوي، كبريتيد الهيدروجين يتفاعل مع الرطوبة لخلق حمض ثاني أكسيد الكبريت. وعندما يتشكل فإن الأسيد يتجمع بسرعة في الأنابيب المحيطة به، صمام التجهيزات، والروابط، ومحطات الضخ، وصناديق التحكم، تبدأ بالانتشار كالنمل الأبيض. والإصدار الأولي لكبريتيد الهيدروجين تكون له آثار أكثر خطورة بسبب تأثيره على البشر.

الوكالة الاتحادية للمواد السامة وتسجيل الأمراض  (ATSDR)، والوكالة التابعة لمراكز السيطرة على الأمراض، صنفت كبريتيد الهيدروجين باعتبارهbroad spectrum poison –  – أي أنه يهاجم أنظمة متعددة في الجسم. “استنشاق كمية كبيرة من مادة كبريتيد الهيدروجين تسبب الوفاة في غضون بضع دقائق، تقارير ” ATSDR” تؤكد انه “يمكن أن يكون هناك فقدان للوعي بعد نفس أو أكثر” ويتسبب في تهيج العين، والتهاب الحلق والسعال، وضيق في التنفس،والسوائل في الرئتين. هذه الأعراض عادة ما تذهب بعيدا في غضون بضعة أسابيع. على المدى الطويل،قد يؤدي التعرض لمستوى محدد من الاستنشاق إلى التعب، وفقدان الشهية، والصداع، والتهيج، وضعف الذاكرة، والدوار”.

إدارة السلامة والصحة (OSHA) – جناح الولايات المتحدة- ووزارة العمل  ركزا على سقف مقبول وهو عشرين جزءا في المليون من كبريتيد الهيدروجين في مكان العمل، مع أقصى مستوى من خمسين جزء في المليون لمدة عشر دقائق “إذا لم يحدث التعرض لأي مقياس آخر”. وأوصى المعهد الوطني للسلامة المهنية بمستوى التعرض بحد أقصى عشر جزء في المليون.

أي هجوم متوسط القوة  وناجح على منشأة “بقيق” يسمح بتسريب سبع مئة جزء في المليون من مادة كبريتيد الهيدروجين في الغلاف الجوي. قوته سوف تتبدد، ولكن ليس بسرعة كافية لمنع وفاة عاملين في الجوار المباشر وإصابات خطيرة للآخرين في المنطقة – أو لوقف كبريت ثاني أكسيد الكربون من التسرب إلى قلب البنية التحتية النفطية السعودية. كما  من شأنه ردع عملية الإصلاح وعرقلتها لمدة أشهر.

الهجوم المتوسط على “بقيق” سيبطئ إنتاج 6.8 مليون برميل يوميا وما يقرب من مليون برميل في شهرين، أي ما يعادل حوالي ثلث الاستهلاك اليومي لأميركا من النفط الخام، وبعد سبعة أشهر من الهجوم، انتاج “بقيق”سوف يعود بنسبة 40 %، أي بقدر 4 ملايين برميل اقل من العادي – ما يعادل تقريبا ما ينتجه جميع شركاء أوبك خلال حصار العام 1973.

سيناريو “بقيق واحد من العديد من السيناريوهات التي وضعها مخططو الكوارث في عهد ريغان، وذلك جزئيا لان نظام النفط في المملكة العربية السعودية غني ومستهدف. أي نفط يعتمد نظام الاستخراج، والإنتاج، والتسليم بمعظمه مهدد “بهيكله الخارجي”. أضف إلى ذلك تضاريس شرق المملكة العربية السعودية، حيث تقع حقول النفط الهائلة- والرمال التي تتخللها الكثبان المتنقلة، والتي تنزلق نحوالخليج – وشكل ذلك أسوأ كابوس للأمن القومي. انخفاض البنية التحتية للنفط السعودي تشبه وضع بعض الأسماك في برميل لصيدها. إنها ليست مسألة فرص، بل هي مسألة الرجال الأقوياء وماذا لديهم للعمل به؟.

المملكة العربية السعودية لديها أكثر من ثمانين حقل نفط وغاز نشطين، وأكثر من ألف بئر تعمل بشكل جيد، ولكن نصف احتياطياتها المؤكد يشكل 12.5 % من النفط العالمي وهو موجود في ثمانية حقول، بما في ذلك حقل الغوار، -أكبر حقول النفط في العالم وبفارق شاسع عن الحقل التالي له.

العنصر الذي جعل “بيرل هاربور” هدفا جذابا في العام 1941 كان قوة النيران الأمريكية،الجوية والبحرية، المحصورة في مساحة صغيرة، فحتى لو أخطأت القنبلة اليابانية هدفها، فإنه كانت على الأرجح ستجد شيئا يستحق التفجير. من الناحية التكتيكية، الملاعب السعودية تقدم نفس النوع من البيئة المستهدفة. ويخلص السيناريو الاول إلى أنه إذا سعى الإرهابيون إلى ضرب خمسة فقط من ابرز النقاط الحساسة في النظام النفطي للمملكة العربية السعودية، فذلك من شانه أن يعيد السعوديون عشرين سنة إلى الوراء.

بمجرد أنها خارج الأرض أو قاع البحر، النفط السعودي يتحرك في سبعة عشر ألف كيلو متر من الأنابيب: من المورد إلى المصفاة، ومن المصفاة إلى الموانئ البرية والبحرية، داخل المملكة وخارجها. الكثير من هذه الأنابيب هي فوق سطح الأرض،الجزء الموجود تحت الأرض يكمن في المتوسط ​​ثلاثة أرباع متر تحت سطح الأرض، وغالبا في الأراضي التي تحتلها القبائل البدوية، وتحرك الإبل، وأجهزة اللاسلكي تخرب قسما  من الأنابيب. ولكن إذا رغب الإرهابيون في زيادة الضرر، كيس من الأسمدة، ودلو من زيت الوقود،وعصا من الديناميت سوف تفعل تلك الخدعة.

تحتفظ المملكة بمخزون ضخم من الأنابيب، الأمر الذي يجعل مخربا واحدا لا يشكل تهديدا بارزا ولكن، تعدد المخربين العاملين في نطاق واسع ولفترات متباعدة في جميع أنحاء الشبكة النفطية يصبحون كالطاعون ويقومون بأمور تدميرية.

النفط السعودي النموذجي ينتج أيضا نحو خمسة آلاف برميل يوميا من سيلان المادة اللزجة: الخليط الغير صالح للاستعمال من النفط، الغازات الذائبة والشوائب والكبريت، والمياه المالحة يتم ضخها في البئر لخلق ما يكفي من الضغط لإجبار المادة اللزجة على الخروج من الآبار،ويتم ضخ النفط إلى واحد من المحطات الخمس لفصل النفط عن الغاز الذي تحتفظ به أرامكو السعودية -شركة النفط الحكومية في المملكة العربية السعودية-. والأجسام الشبه كروية تضغط في عملية إطلاق الغازات الذائبة، وفي العملية الثانية تأخذ المياه الباردة.

من وجهة نظر احد مهندسي النظام النفطي كل هذه الحركة، من الاستخراج الى عملية التكرير، هي عملية متصلة. الأبراج الثابتة حيث يتم تحييد الكبريت، والأجسام الشبه الكروية، وحيث يتم تقليل الضغط وسحب الشوائب، وصهاريج التخزين وحيث يعقد النفط بين التجهيز والشحن تعتبر كاتدرائيات للعملية الصناعية. الإرهابيون والمخربون يميلون إلى النظرللعالم بشكل مختلف.

هناك أيضا جانب التوزيع والتسليم، حيث ينقسم النظام النفطي السعودي بين المناطق المنتجة الشمالية والجنوبية. أما مراكز الشمال فهي تتغذى من عدة مواقع، ومن ثم يتم إيصال المخزون إلى واحدة من اثنين من المحطات المتطرفة على طول الخليج – الجعيمة ورأس تنورة- ومن منصات التحميل البحرية والمراسي العائمة الموجودة في المياه العميقة.

ويتم ضخ كل النفط المنتج في الجنوب إلى “بقيق”، أي حوالي أربعين كلم داخل الطرف الشمالي لخليج البحرين، للتجهيز، ومن ثم ارساله الى “جعيمة أو رأس تنورة”، أو عبر طريق خط أنابيب بين الشرق والغرب على مدى 12 كلم عبر شبه الجزيرة العربية، من غرب المملكة -جزيره العرب إلى المحطة في ينبع على البحر الأحمر- (طريق آخر للخروج من بقيق،- 17 كيلومترا- خط أنابيب يمر عبر البلاد العربية ويمتد إلى صيدا، علىساحل البحر المتوسط ​​في لبنان). وخط أنابيب العراق السعودية، الذي اغلق في العام 1990 في أعقاب الغزو العراقي للكويت.

“الجعيمة” هي النقطة الأكثر عرضة للهجوم وهي منصة القياس التي تقع 11 كلم من الشاطئ. أربعة خطوط أنابيب تحت الماء تغذي النفط الخام الوقود من منصة التخزين البرية. المنصة، بدورها، تغذي خمسة مراكز منفردة، وقادرة على نقل 2.5مليون برميل من النفط والوقود الأخرى يوميا لناقلات النفط.

 

Facebook
Twitter