لم تكن حادثة انتحار مها عباس الفتاة التي لم تتجاوز ربيعها الرابع عشر والتي أحرقت نفسها بالنفط هي الأولى من نوعها، إذ إن معظم حوادث الانتحار في البصرة بشكل عام وفي قضاء الزبير بشكل خاص تتم بالطريقة ذاتها.
ذوي الضحية أغلقوا الباب على أنفسهم، فانتحار النساء مرفوض اجتماعياً ودينياً كما أنه يضرب كرامة وشرف العائلة والعشيرة بالصميم خاصة إذا كانت المنتحرة فتاة مما يفتح باباً للأقاويل، إلا أن جيران العائلة قالوا إن الضحية أشعلت النار في نفسها بعدما غمرت ثيابها بالنفط الأبيض.
ويقول أحمد مجبر أحد جيران العائلة “توفيت الفتاة بعد 24 ساعة من نقلها إلى المستشفى حيث فشلت محاولات إنقاذها”.
أهالي المنطقة أرجعوا انتحار الفتاة إلى الحالة النفسية التي كانت تعيشها بسبب المشكلات الأسرية وتردي المستوى المعيشي للعائلة.
ويضيف مجبر “العائلة كبيرة وفيها عشرة أطفال والأب كثير الشجار مع زوجته وأولاده وبعد انفصاله عنها منع أبناءه وبناته من رؤية والدتهم وأعتقد بأن الشعور بالحرمان هو ما دفع الفتاة للانتحار”.
الحادثة هي الثالثة من نوعها خلال عام في المنطقة ذاتها والثامنة في محافظة البصرة منذ بداية العام الحالي.
مصدر أمني أكد ارتفاع حالات الانتحار بين النساء في عامي 2012 و 2013 فيما طالبت ناشطات بضرورة تفعيل الشرطة المجتمعية والإسراع في تشريع قانون للحد من العنف الأسري وحماية المرأة والطفل.
وبينت منظمة حقوق الانسان في الزبير في تقرير نشرته في شهر آذار (مارس) الماضي عن زيادة في معدلات الانتحار في قضاء الزبير ( 20 كم غرب البصرة) فيما أكدت الناشطة في حقوق المرأة كميلة الفزاع لـ”نقاش” إن تكرار هذه الحوادث المؤلمة ناجمة عن قلة الوعي الأسري وغياب القوانين الكفيلة بحماية حقوق المرأة .
وقالت الفزاع “تتعرض النساء لضغوط كبيرة وغالباً ما يكون القرار العشائري بخصوص حياة المرأة فوق كل القوانين الوضعية والشرعية، حيث سجّلنا حالات انتحار أو محاولات أنتحار للنساء بسبب أرغامهن على الزواج بالأكراه أو اتهامهن بالزنى أو جراء العامل الاقتصادي حيث تقوم بعض المكاتب الخاصة بمنح النساء قروض مالية ثم مساومتهن والإعتداء عليهن مايدفعهن للانتحار”.
وتضيف “سجّلنا حالات انتحار حرقا من قبل بعض النساء المتزوجات بين عامي 2012 ـ 2013 ، ومن خلال إفادات النساء المنتحرات قبل الوفاة ، كانت الاسباب تتباين بين الخيانة الزوجية والوضع المعيشي أو زواج الرجل سراً بامرأة أخرى”.
ويتلافى المجتمع المحافظ والعشائري في معظم الأحيان ذكر أسباب الوفاة ويعزوها إلى حوادث، وتمتنع بعض العائلات عن إقامة مراسيم التشييع أو العزاء للنساء المحترقات.
وتقول الفزاع إن “عدم إقامة العزاء يساعد في إختراع الحكايات والقصص التي تدور حول الفتاة المنتحرة ثم يتم التستر على الأسباب الحقيقية للانتحار أنها تقاليد مجتمع ما زال يعيش بعقلية عشائرية”.
ويلتبس الأمر بين حالات الانتحار وجرائم غسل العار التي تطال النساء، وينال مرتكبوها أحكاماً مخففة في القانون العراقي.
يقول محقق جنائي حبذ عدم ذكر أسمه إن ” بعض الحالات التي تسجل كأنتحار هي جرائم قتل لغسل العار ناتجة عن الشك بسلوك المرأة وعفتها الزوجة أو الفتاة، وقد اكتشفنا إن الضحية تُرغّم أحياناً من ذويها على الإفادة للشرطة قبل وفاتها بأنها اقدمت على الانتحار، وهو أقسى أنواع تشويه الحقائق”.
إجبار الفتيات على ترك الدراسة في وقت مبكر وتزويجهن في سن مبكرة سبب آخر من اسباب انتحار النساء في البصرة.
وتقول نسرين حسين وهي مدّرسة إن أحدى طالباتها في المرحلة الاعدادية حاولت الانتحار في العام الماضي بابتلاع كمية كبيرة من أحد العقاقير بعدما أرغمها ذويها على ترك المدرسة ولولا الاسراع بنقلها إلى المستشفى لفارقت الحياة.
الفزاع تؤكد على إن الإحباط والفشل في الدراسة وضغوط العائلة والقلق النفسي من أسباب الانتحار وتقول “تؤدي الضغوط الاجتماعية التي تتعرض لها الفتاة في هذه السن المرهفة إلى الاكتئاب، فكثير من العوامل الاجتماعية التي تحاول النيل من حرية المرأة وخنق خياراتها هي أسباب رئيسة قد تدفع للانتحار”.
ويرى اختصاصي علم النفس الدكتور سالم الجميلي إن ” المتغيرات التي برزت من خلال انفتاح المجتمع على العالم بعد طول انغلاق أوجد جيلا جديداً أكثر حساسية وتقبلا للجديد، ما يدفعه للاصطدام بالتقاليد المجتمعية البالية.
وفتحت وسائل التواصل الاجتماعي كالأنترنيت والستلايت أمام الفتيات والجيل الجديد عامة مساحة واسعة من الأفكار والسلوكيات المتحررة.
يقول الجميلي “يتولد شعور بالغبن والاضطهاد لدى الفتاة وتشعر بأنها تعيش على الهامش وهي ترى آفاق التطورالاجتماعي والحرية المتاحة في المجتمعات الأخرى فتقوم بالأنتحار للتخلص من واقعها”.