قبل ايام من بدء مهرجان الغدير العالمي السابع للاعلام كنت احمل هم الذهاب الى مدينة النجف الاشرف بسبب الجو المترب لتلك المحافظة الذي عشته العام الماضي، التراب يسبب لي احتقانا في القصبات الصدرية ويردي حالتي الصحية لما اعانيه من حساسية في الصدر… ونظرا لحضور اهلي من دمشق ولزوم مرافقتهم واجب الحضور لذلك المهرجان شددت الرحال وحملت حقيبتي وانا اقدم قدما واؤخر الاخرى… لكن ما ان وصلنا السيطرة الاولى لمدينة النجف وهي السيطرة الكبرى حتى لمست وجه التغيير الذي شهدته المحافظة خلال تلك الفترة الوجيزة ولكن قلبي لم ينشرح وانا اضغط على نفسي واسابق الريح للوصول الى الفندق … دخلنا الى المدينة بعد الغروب بقليل كانت الشوارع كلها منيرة باضاءة تشعرك بانك في بلد النور والشوارع نظيفة لحد انك تخجل ان ترمي عقب سيكارة من النافذة … الجسور بدت غريبة وكأنها رصت في مكان اخر غير العراق .. كنت اتساءل مع نفسي هل تراي اخطأت العد بالايام فقد اكون حضرت الى هنا قبيل خمس سنوات مثلا … ولكني اثرت الا ان اتأكد من السائق .. فسالته باستغراب: هل ترانا في محافظة النجف .. اجابني بضحكة نعم وما الغريب في ذلك .. قلت : ولكن المدينة تغيرت تماما خلال سنة فاين هي تلك الشوارع المتعرجة واين هو ذلك الغبار الذي يملأ المكان واين كل تلك البيوت التي كانت آيلة للسقوط .. كيف تحولت المدينة خلال اشهر الى كل هذا العمران …فرد علي السائق ضاحكا : هل تعلمين سيدتي ان اهالي الحلة كتبوا على الجسر الذي عندهم والذي تأخر انجازه كتبوا مطالبين باستدعاء اهل النجف لانجاز ما لم ينجز.. ولن ازيد شيئا اخر الا ان اطلب منك ان تزوري سيدي امير المؤمنين وسترين بنفسك المفاجأة … وبالفعل حال وصولي الفندق طلبت فورا ان ازور المقام وماهي الا دقائق حتى وفرت لنا ادارة المهرجان سيارة ونقلتنا الى المقام مع اهلي من الوفد السوري واصدقاء لنا من الوفد التونسي … ما ان وطات قدماي الشارع حتى دارت بي الدنيا وقلت مستحيل اكون في نفس المكان الذي كنت فيه بالعام الماضي .. لا الشوارع هي نفسها ولا المحال هي ذات المحال .. لا المباني العتيقة على حالها … صرخت ( اعمار يا نجف اعمار اين بغداد دار الرشيد منك لم شرد الرشيد ونامت شهريار فوق الرصيف .. لم بغداد تكسو وجهها اكوام من نفايات؟ لم نهرك غارق بوحل ومخلفات لا مثيل لها غيرت حتى لونه .. لم تحول جرفا النهر من دهلة تلوذ بها الحمائم الى مكب للسوائل السوداء التي عدمت حتى حياة الاسماك … )، كنت اسير في شوارع النجف ابحث عن متسول ولم افلح ان اجد احدا وكانت بغداد في الوقت ذاته تغص بالمتسولين عند الاشارات الضوئية والمحال التجارية بل وحتى بيوت الله لم تسلم …
انتهت الايام الثلاثة وقفلت راجعة الى بغداد وانا احزم امتعتي للمغادرة انحدرت من عيني دمعة ساخنة لان بغداد لن تكون مثل اصغر محافظة في العراق بعد ذلك … وكل مهرجان وانتم بخير