الموصل تعود الى عصور الظلام والتخلف وتعوم في بحر من الدم والنفايات

رأى موصليون، أن أكبر “انجازات” (داعش) بعد اكثر من مئة يوم من “تسلطه” على مدينتهم، تتمثل بإعادتها إلى عصور “الظلام والجاهلية”، وفي حين اتهموا التنظيم بالتسبب بـ”كارثة” صحية وبيئية نتيجة إهماله الخدمات كنوع من “العقاب الجماعي” للأهالي المعارضين لوجوده، وإعادة العمل بالإجراءات “التعسفية” لقوات الجيش، عزوا ذلك لإدراكه أن وجوده “مؤقتاً مهما طال”.

ويقول المدرس جرجيس محمود،(51 سنة)، إن “أهالي الموصل يعيشون واقعاً مرعباً لم يكونوا يتصورونه حتى في أسوأ كوابيسهم”، ويتساءل “أيعقل أن يفجر الإرهابيون الظلاميون جامع ومرقد النبي يونس، في ليلة القدر المباركة، أو يدمروا جامع مرقد النبي شيت، ، في يوم الجمعة، أو يزيلوا جامع ومرقد النبي جرجيس، ليلة عيد الفطر، فضلاً عن مواقع دينية إسلامية ومسيحية وحضارية أخرى عديدة تعد من معالم الموصل ودلاله على عراقتها التاريخية التي تمتد لأكثر من ستة آلاف عام”.

ويضيف محمود، “لم يتصور أحد أن يبلغ حقد الإرهاب الأعمى وهمجيته ذلك الحد، مؤكداً عداءه للحضارة والمدنية والأديان وسعيه لطمس معالم المدن وتاريخ شعوبها ومقدساتهم بغرض النظر عن الانتماء”.

وبالنسبة للواقع الاجتماعي، يوضح مدرس الثانوية الموصلي، أن “المدينة شهدت خلال الأشهر الثلاثة الماضية، تراجعاً كبيراً نتيجة دخول آلاف العوائل من سكان القرى والبادية إليها، إما نزوحاً نتيجة الأوضاع الأمنية والمعاشية، أو لكونهم من الموالين لداعش”، ويشير إلى أن “الموصل في ظل داعش باتت فوضوية الطابع، تذكر مشاهدها، المستجدة والطارئة، بالعصور الجاهلية أو ما قبل الحضارة”، ويلفت إلى أن “الفوضى باتت سائدة في السلوك والحركة، لسيطرة مجموعة من الوحوش البشرية على مقدراتها”.

ويذكر محمود، أن “داعش فرض تعليمات تقييد الحرية الشخصية للمواطنين، كارتداء النساء للنقاب، ومنع بيع السكائر والاركيلة وتعاطيها”، ويتابع “كما نشر التنظيم كرفانات في الأماكن العامة، مثبت على جدارها الخارجي شاشات كبيرة لبث مقاطع من العمليات التي يقوم بها، مليئة بمشاهد العنف والقتل والدمار، ما أثار استياء غالبية الأهالي بل وتقززهم”.

وبشأن الواقع الخدمي في الموصل التي تشهد “حصاراً متعدد الجوانب”، يقول الموظف ضياء زيد إن “الخدمات تردت كثيراً في المدينة، وباتت الكهرباء الوطنية تأتي في الأحلام، حيث تهل على الأهالي بواقع ساعتين كل ثلاثة أو أربعة أيام”، ويضيف “لولا المولدات الأهلية لعاد أهالي الموصل إلى عصر ما قبل الحضارة على الأصعدة كافة”.

ويوضح زيد، أن “أسعار المشتقات النفطية، من البنزين والغاز، تضاعفت ثلاث مرات أو أكثر، فضلاً عن شحتها، ما اضطر الناس اللجوء إلى البدائل”، ويبين أن “الجميع يتوقعون الأسوأ مع قدوم فصل الشتاء، وزيادة الطلب على تلك المشتقات لاسيما للتدفئة في ظل ندرة الكهرباء”.

على صعيد متصل يشتكي أهالي الموصل من تراكم النفايات في أحياء المدينة بنحو ينذر بـ”كارثة” صحية وبيئية، ويعزون ذلك إلى عدم “إدراك داعش أهمية دور البلدية، أو كنوع من العقاب الجماعي للأهالي المعارضين لوجودهم”.

ويقول موظفون في بلدية الموصل، إن “أغلب مناطق المدينة تعاني من تكدس النفايات، نتيجة تقليل دوريات سيارات جمع النفايات، لعطل الكثير منها وعدم تصليحها للافتقار للميزانية، فضلاً عن شحة الوقود”.

ويضيف الموظفون الذين طلبوا عدم الكشف عن اسمائهم، أن “آخر ما تعنى به داعش هو الاهتمام بالجانب الخدمي”، ويؤكدون أن “التنظيم يرفض تزويد سيارات البلدية بالوقود ربما لعدم إدراكه أهمية دورها، أو كنوع من العقاب الجماعي للأهالي المعارضين لوجودهم”.

وفي شأن آخر تعاني الموصل من شلل دوائها الحكومية، منذ العاشر من حزيران الماضي، إما لتوقف التعامل الرسمي معها من قبل الوزارات في بغداد، أو لمنع (داعش) الموظفين من ارتيادها، ومنها جامعة الموصل التي يمنع دخولها من قبل أي شخص، لكن منتسبي الدوائر الخدمية، ما يزالون يواظبون على العمل كنوع من “الخدمة الإنسانية” لحاجة الناس إليهم، لاسيما في مجالات الصحة والماء.

ويقول المواطن عبد القادر أحمد، إن “داعش منشغل منذ دخوله الموصل، ببسط نفوذه عليها، من خلال تعاليمه البائسة وتركيزه على جباية الأموال والاستيلاء على ممتلكات الأهالي، لتحقيق أكبر مغانم ممكنة، من أدنى اهتمام بالخدمات”، ويعزو ذلك إلى “إدراك التنظيم أن وجوده مؤقتاً في الموصل مهما طال”، بحسب تصوره.

ويؤكد موصليون، أن (داعش) سرعان ما أعاد العمل بالإجراءات “التعسفية” لقوات الجيش، من قطع الطرق ونصب الحواجز، والاعتقال العشوائي للمواطنين.

ويقول المواطن ياسر عبد الكريم، إن “أكبر انجازات داعش بعد مئة يوم من دحوله الموصل، تتمثل بإعادة العمل بالإجراءات التعسفية لقوات الجيش، من نقاط التفتيش للعجلات والأشخاص بل وحتى الهواتف النقالة، فضلا عن مداهمة المنازل واعتقال الأشخاص لأتفه سبب، مما جعل السجون والمعتقلات تغص بهم”.

ويضيف عبد الكريم، “إما الاعدامات فقد أصبحت ظاهرة كنوع من العقاب للأهالي الرافضين لوجود داعش”، ويستغرب من “ادعاء داعش أنه تنظيم إسلامي برغم أن تصرفاته أبعد ما يكون عن مبادئ الدين الحنيف وتعالميه”.

وعلى صعيد الواقع الصحي، فإنه ليس أفضل حالاً من باقي الخدمات، إذ فقدت أنواع كثيرة من الأدوية في المستشفيات الحكومية، لاسما المواد المخدرة وعلاج الأمراض السرطانية والمزمنة، وتلك المستعملة في العمليات الجراحية، فضلاً عن الكثير من المستلزمات الطبية كتلك الخاصة بغسل الكلى، في ظل عطل الكثير من الأجهزة الطبية، والحال نفسه في الصيدليات والمذاخر الأهلية التي بدأت تشكو من نفاذ عدد كبير من الأدوية.

وكان لذلك كله انعكاسه على الواقع الاقتصادي للمدينة، حيث توقف سوق العمل تماماً لاسيما في البناء والاعمار والورش، ما عدا بائعي الخضار والمواد الغذائية الأساس، وسوق المشتقات النفطية المهربة، التي يعد (داعش) أكبر المستفيدين منها.

وكان تنظيم (داعش) قد فرض سيطرته على مدينة الموصل، مركز محافظة نينوى،(405 كم شمال العاصمة بغداد)، في،(العاشر من حزيران 2014)، وامتد نشاطه بعدها إلى محافظات أخرى بينها صلاح الدين وكركوك وديالى وأربيل ودهوك ومناطق قريبة من العاصمة بغداد.

Facebook
Twitter