صاحب الامتياز
رئيس التحرير
عبدالرضا الحميد

الموصليون يعودون الى استخدام الحمام الزاجل في اتصالاتهم وتوصيل السجائر لبعضهم

منذ قطع تنظيم داعش الاتصالات عن الموصل بدأت تبرز ظواهر غريبة كتوزيع الرواتب في العراء أو على قارعة الطريق والبحث عن وسائط لتبادل المراسلات التجارية بعدما صمتت الهواتف النقّالة تماماً، وصار اهالي المدينة يتندرون على عودة الحمام الزاجل كوسيلة للتواصل وتوصيل السجائر الى بعضهم بعد ان حرمها داعش عليهم. 
رفع الضابط المتقاعد رضوان خالد يده عاليا أمام المنصة بحثاً عن شبكة اتصال. شارع المنصّة الشهير الذي طالما احتضن فعاليات احتفالات الربيع ، صار اليوم وجهة مئآت الموصليين ممن يتطلعون لتسلُّم رواتبهم.
هناك يحاول خالد (53 عاما) ومئآت آخرون القفز على إجراءات قطع الاتصالات، حيث ارتقوا مكاناً عالياً لضمان عمل جهاز التقاط البصمة المعروف بالبطاقة الذكية، كونه السبيل الوحيد لقبض الراتب الذين ينتظرونه على أحر من الجمر.
إجراءات إيقاف عمل شركات الاتصالات من قبل داعش، كانت ضربة موجعة لمدينة الموصل التي تضم نحو مليون ونصف المليون نسمة، إذ هددت جيوب نسبة كبيرة من المواطنين بالإفلاس، وأصابت النشاط التجاري بالشلل.
أول المتضررين هم مئآت الآلاف من حاملي البطاقة الذكية حيث دق ناقوس الخطر في منازلهم بعدما توقفت هذه الخدمة المركزية التي كانت تتيح لهم تسلم رواتبهم من وكلاء منتشرين في المدينة كلها، لأن جهاز البطاقة الذكية يحتاج لشريحة وشبكة اتصالات مثل الهواتف المحمولة.
ثمة مخرج ضيق لهذه الشريحة الكبيرة، فالضابط المتقاعد ومن كان يلتف معه حول أحد الوكلاء ارتقوا المدرجات العالية في المنصة محاولين إعادة الحياة لذلك الجهاز وبالفعل استبشر الجميع خيراً عندما بدأ يعمل.
فرحة الضابط لم تكتمل، فقبل أن يحين دوره نفد المال وتأجّل التوزيع إلى يوم آخر.
يقول رضوان خالد لجاره وهو في طريق العودة إلى البيت “انها مهزلة كبيرة وإهانة وحرب في الأرزاق، آلاف الرجال والنساء معظمهم من المسنين ينتظرون في العراء لساعات، وكل ذلك بسب إجراءات غبية لتنظيم داعش الذي بات يقرر مصير ثاني أكبر مدينة عراقية”.
في وقت مبكر من اليوم التالي وجد خالد نفسه وسط سباق ماراثوني، الرجل وصف شعوره لزوجته بعد قبض المال قائلاً “كأنني فزت بجائزة قيّمة حينما وضعت بصمة إصبعي ثم أمسكت بالنقود، غادرت والعيون تنظر إليّ بغبطة”.
الزخم الكبير في المنصة دفع البعض للتوجه خارج المدينة حيث يجرى توزيع الرواتب في العراء.
أم عمر السيدة الستينية قصدت منطقة الشلالات السياحية (15 كم شمال الموصل)، مصطحبة ابنها الشاب لكي تتجنب ما حدث مع صديقتها التي منعتها نقطة تفتيش لداعش من المرور بمفردها، لأن هؤلاء المتشددين يحرمون خروج المرأة من منزلها إلا برفقة أحد أفراد عائلتها من الذكور البالغين.
ما إن اجتازت سيارة الأجرة التي تقل العجوز وابنها المنطقة المأهولة بالسكان، حتى ظهر من بعيد شبان على جانب الطريق يلوحون للمارة برزم نقود ورقية، هؤلاء يُعرفون اليوم بـ”موزعي الراتب سفري” أي على قارعة الطريق، ويتقاضون لقاء هذه الخدمة نسبة واحد في المائة من المبلغ الموّزع.
هذه المرأة تتسلم كل ثلاثة شهور معونة من الحكومة لبلوغها سن العجز، وبعد انقطاع راتب ابنها الشرطي منذ سيطرة داعش على الموصل في حزيران/يونيو الماضي، أصبحت افواه أفراد عائلتها الستة متعلقة بها وحدها.
وعند تسلّمها المبلغ الذي لا يتجاوز مجموعه 500 دولار علقت قائلة “كل ما نتمناه أن لا تسوء ظروف المدينة أكثر فنعجز عن قبض المعونة”.
وإذا كان حسن الحظ قد خفف آثار قطع الاتصالات على أصحاب الرواتب، فالجانب الأكثر تضرراً حتى اليوم هو النشاط التجاري الذي أصيب بشلل شبه تام.
مكتب أبو نور أحد تجار سوق الكورنيش وسط المدينة أصابه الكساد بين ليلة وضحاها، ويعلل صاحبه ذلك بأن 90 في المائة من الصفقات كانت تُنجز عبر الهاتف النقال، حتى بات يعرف معظم عملائه بأصواتهم لا وجوههم.
ويوضح أبو نور إن عامل الوقت يلعب دوراً مهماً في التجارة، والتكيُّف مع الوضع الجديد يحتاج حتماً إلى وقت طويل.
ويضيف فيما يحاول إجراء اتصال تجريبي عبرَ الأنترنت “أسواق المدينة تشهد إرباكاً غير مسبوق، وحتى اليوم لم نعثر على بديل مناسب فمن غير الممكن إدارة جميع أمور التجارة وجها لوجه”.
النسبة الأكبر من عمليات البيع والشراء باتت تتم داخل المدينة منذ قطع الطرق بين الموصل والمدن العراقية الأخرى، أما الثقل التجاري اليوم فهو باتجاه الجانب السوري وتحديداً المناطق الخاضعة لسيطرة داعش.
سوق تحويل الأموال هي الأخرى تلقت الصفعة بقوة لاعتمادها الكبير على الإتصالات الهاتفية. ويقول أحد الصرافين إن عملهم توقف تقريباً ونشاط البورصة صار مقصوراً على بيع أو شراء العملة داخلياً.
ومعنى ذلك ارتفاع عدد المتضررين من قطع الاتصالات، نقصد بهم في هذه الحالة من ينتظرون شهريا حوالات نقدية من خارج الموصل لتأمين عيشهم.
الطرفة حاضرة مهما ساءت أحوال الناس هنا، ثمة من يروج على صفحات فيسبوك لصور الحمام الزاجل الذي وظّفه العرب قديماً في نقل الرسائل والأخبار، هذا الطائر أحد المرشحين ليحل بديلاً عن الهواتف المحمولة في تحقيق التواصل في مدينة الموصل.
الظواهر الجديدة غير مقنعة لكنها حتى اليوم توفر الحد الأدنى من البدائل المقبولة، أما ما يخشاه الموصليون حقاً فهو قطع داعش لشبكات الأنترنت، عندها سيصبح أي حل لمشكلاتهم المعيشية ضرباً من المستحيل

Facebook
Twitter